أبدأ قراءتي بعرض تقديم الصفحة الثقافية للرواية والذي كان سبباً في البحث عن الرواية وقراءتها يقول التقديم «رواية فيضة الرعد التي صدرت هذا العام للزميل عبدالحفيظ الشمري عن دار الكنوز الأدبية ببيروت جاءت محملة على رغبة قوية لدى الشخوص أن يثبت كل واحد للآخر أنه هو الأقوى.. لتتنازع غزالة وحدران هذه الزعامة فالمرأة مسلحة بالوعي والأمل، والرجل مصاب بأمراض «الأنا» وحب السيطرة وقمع الأنثى.
يسهب الروائي الشمري في سرد تفاصيل العناد اليومي لأهل قرية قصية نائية بأحزانها تحت ظل شحيح من أظاليل طلح المنتهى، ذلك الذي لا يولد إلا السراب ولا يخلف في النفس إلا ذلك الحزن لتدور محاور العمل على هذا التنازع والتجاذب في لغة إيجابية عميقة تسجل موقفها من الأحداث».
ويستهل الشمري الرواية بالمدخل المأزوم كما يقول الدكتور المناصرة فيعرض لوحة نهاية الرواية المأساوي فيقول عبدالحفيظ «غزالة المرأة الأربعينية المشلولة والملقاة على فراش المرض لم تحتمل فيما يبدو هذا الصمت المطبق حولها لتدمدم وتغمم وهي تحرك يدها اليمنى إلى أعلى وتحني أصابعها لتلتقي السبابة مع الإبهام راسمة دائرة توحي لمن يراها بطلب الماء فهي العاجزة تماماً، والمعطلة عن الركض في متاهة الحياة المثابرة.. تلك العوالم التي تلهث في أخاديد البحث عن الذات واللقمة».
هذه غزالة التي كانت قبل عشرين سنة مضرب المثل في الجمال والشروق والارتواء، يقول مؤلف الرواية عن ذلك «سيماء الحسن تتجلَّى في غزالة ذات القامة الممشوقة والبشرة البيضاء صاحبة العشرين عاماً» حملها والدها زايد الملاحي إلى عريسها فتال الحبال في السيارة الوحيدة «اللوري» الحمراء التي يمتلكها عمها.
وتبدو اللغة باتصالها بالشخوص «مجسدة لوحة لأبعاد الحياة بكل مظاهرها» «أنصتت غزالة لهاجس الذات يناديها صوت فتال الحبال زوجها الذي لم تر إلا صورته مع بنت عمها والتي أحضرتها بعد إلحاح».
«وتتغير نبرة الكلمة وتتشكل صوتياً سواء بالكلمة المتطوقة بالألفاظ أو المتطوقة داخل النفس ومجسدة كثيراً من التفاعلات النفسية التي تشعر بها الشخصية وتعبر من خلالها عن موقف ذاتي»، «ومع أنني المرأة المجللة بالسواد وثقل العادات سأتمرد.... سأقلم أظافر فتال والقن الكيس، ما ردهم درساً لا ينسى».
وملخص الرواية باختصار شديد أن بطلة الرواية غزالة فتاة جميلة تعيش في قرية تدعى «البقاع» خطبها رجل يدعى فتال الحبال من قرية أخرى «فيضة الرعد» غزالة فتاة جريئة وطموحة وواعية «وعياً فطرياً» حاولت تعلم القراءة والكتابة على النقيض من زوجها، عاشت غزالة في بيت الحبال مع أم زوجها هدة وشايش أخو زوجها وبقية إخوة فتال ويسجن زوجها ويموت والدها فتشل وتفقد الحركة.
والرواية اجتماعية وإنسانية المضمون إلا أن الإسراف في وصف المشاهد شديدة الخصوصية بين الزوج وزوجته، أو في وصف ما يفعله المراهق «أمين» من تلصصه على النساء فيه إسراف أفقد المضمون بعض جماله وسموه. وأنقص من القيمة التي كان العمل يقدمها.
وقبل أن أنهي القراءة أتناول الأقوال التي قيلت عن الرواية والتعليق عليها.
الأستاذ سعيد عاشور: «قدم رؤيته على هيئة شهادة وشكر للكاتب الذي صور الحياة الريفية العربية، ونجح بشكل كبير في تصوير حياة الشخوص إلا أنه يرى أن الراوي قد تحامل على شخصية «فتال حبال» ووصفه وفي أكثر من موضع بأنه مراوغ، وثعبان وحيّة، وكأنه يناصبه العداء».
أوافق الأستاذ العاشور في مقدرة الكاتب في التصوير للحياة الريفية إلا أن القارئ يلاحظ أن الأسماء لأبطال الرواية، وشخوص الرواية أسماء بدوية صرفة مثل جعدة، شايش، هايش، غشام، عرفج، شيحان وغيرها كثير.
أما فتال الحبال فلم تظهر الرواية مبررات الوصمات التي وصف بها، فهو رجل جاهل أمي ولكن قلبه لا يخلو من الحنان وهذا يتجسد عندما مرضت غزالة انتقل بها لمكان آخر بل سكن من أجل علاجها.
وأخلص من قراءة هذه الآراء بالآتي:
1 أن الرواية استطاعت تصوير البيئة الريفية بدقة واقتدار.
2- كل الآراء أجمعت على قوة اللغة وعمقها وتميزها.
3- ترابط الأحداث وصلتها الشديدة بشخصيات الرواية.
4- قيمة المضمون وسموه لولا خدشه ببعض المشاهد الحسية.
المراجع
1- جريدة الجزيرة العدد 10731 والعدد 10790 عام 1422هـ و1423هـ.
2- الشخصية وأثرها في البناء الفني لروايات نجيب محفوظ للدكتور نصر محمد عباس.
|