Monday 13th January,2003 11064العدد الأثنين 10 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
ماذا نريد من التربويين؟!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

يظل الحديثُ عن التربية، بكلّ مضامينها وأبعادها وممارساتها، معيناً لا ينضب، فهي الشغلُ الشاغل لخاصّة الناس وعامّتهم، لأنها (الصناعة التحويلية) ل«خامة» الإنسان، فبها يسمُو ويصلح أمرُه، وبدونها، لا يكاد يصلُحُ من أمره شيء!
* ولذا، فإن (إشكالية التربية) ليست حكراً علينا في هذا الجزء من العالم، بل هي محنةُ معظم الشعوب، النامي منها وشبه النائم، ولها في كل واد صيحة وضجيج، بدءاً من اليابان وانتهاءً بآخر بقعة في أمريكا الجنوبية مروراً بما بينهما!
***
* والمجتمع بدوره يريدُ من التربية الكثيرَ، وهي تتمنَّى عليه ومنه الكثير، ولكن، قبل هذا وذاك أحسب أن هناك اتفاقاً محسُوماً أو شبه محسومٍ بين التربويين أنفسهم يرجّح فكرةَ تقويم العملية التربوية، آليةً ومضموناً، انطلاقاً من أنّها وسيلةُ تَعلُّمٍ ذي اتجاهيْن، لا تلقين من طرف واحد، وتبقى غايتُها الأولى والأخيرة تشكيلَ مُواطن الغد عقلاً ووجداناً وسلوكاً تشكيلاً يؤهّلهُ لدورٍ ما يخدمُ به نفسه ووطنَه، والقولُ بغير هذا يحيلُ التربية إلى آلة صمَّاء تحقن الذاكرةَ بالمعلومات، وتتحدّاها بالحفظ، وتفْتنُها بالاسترجاع، قولاً باللسان.. أو نَقْشاً على الورق! وهي على هذا النحو تحيِّد العقلَ.. أو تهمِّشُه أو تغيِّبُه، فيفقدُ إشراقةَ التفكير، وحكمةَ التساؤل.. وشجاعة الحوار!
***
سأحاول فيما بقي من حديث اليوم رسمَ خطوطٍ عريضة جداً وموجزة جداً لمشروع الردّ على هذا السؤال الملحّ: (ماذا نريد من التربويين) وهو موضوع يستعدّ المربّون والمهتمّون بالتربية للتداول حوله عبر ندوة تنفِّذها وزارة المعارف قبل نهاية هذا الشهر بمشيئة الله، فأقول:
* أولاً: نريدُ من مربِّينا الأفاضل أن يغرسوا في وجدان الشباب وسطيَّةَ ديننا الحنيف وعقلانيَّتَه وسماحتَه، فلا يقسون عليهم غلُوّاً في الدين، فينفرُوا منه، ولا يحرِّضونهم عداء للدنيا، فيزهدُوا فيها!
***
* ثانياً: نريد منهم تربيةً تحبِّب الشاب في وطنه وما يقرِّبه منه، وتعلِّمه كيفيةَ الانتماء إليه، قولاً وعملاً.
***
* ثالثاً: نريد منهم تربيةً تعلِّم الشاب فضيلةَ احترامِ منجزاتِ التنمية في بلادهم وصيانتَها والغيرةَ عليها.
***
* رابعاً: نريدُ منهم إعادةَ تعريف مهمة التربية بما تفْرضها ضرورة التعامل مع قرنٍ قائم مشحونٍ بالآمال والتحدِّيات والصعاب.. واستجابةً لبديهيَّة التراكم الكمِّي للمعرفة، والتغيُّر الكيفي لها الذي بات سمةَ اليوم وعنوانَ الغد!
***
* خامساً: نريد منهم تربيةً تصنعُ لنا جيلاً:
- يقرأُ فيستوعب..
- ويفكِّرُ فيستنتج..
- ويحاورُ فيُحسنُ أدبَ الحوار..
- ويسأل فيتقنُ فنَّ السؤال..
- ويختلفُ.. فيحترمُ عقلَ منْ يختلف معه، ويعلِّمُه أو يتعلَّمُ منه!
***
* سادساً: نريد منهم تربيةً تقومُ على الحوار العقلاني، لا التلقين البليد.. تربيةً تسْتفزُّ العقل بحثاً وعن الحقيقة حيثما كانت: استقراءً وفهماً وتقويماً!
***
* سابعاً: نريد منهم تربيةً ترسِّخ في عقل المواطن.. أنه عمقُ التنمية وضالتُها.. والصانعُ لها، وأنها لا تتحقَّق إلاّ به، ولا تستقيم إلا معه، ولا تدوم.. إلا بتفاعله معها تفاعلاً مؤهَّلاً ذكيّاً ومُبْدعاً، وبدون هذا التأهيل.. تظلّ التنميةُ حِبْراً.. أسيرَ الورق.. أو أحلاماً تدغدغ الأفئدةَ، وتفتنُ النفوسَ.. لكنَّها لا تصنع شيئاً!
***
* ثامناً وأخيراً.. أود أن أؤكِّد على أمْرين هامَّين:
* أولهما: أن تطوير العملية التربوية ليست قضية جهاز بعينه فحسب، بل هي قضية الوطن والمواطن وصانع القرار.. وهي قضية الأب والأم، وكلّ منْ له الولايةُ على هذا الجيل!
***
* ثانيهما: أن تنميةَ العملية التربوية وتحريرَها من بعض تراكمات الكمّ وتناقضات الكيْف، أمرٌ لا يمكن أن يتم بين عشيَّة وضحاها، فمشوار التطوير طويلٌ جداً، وشاقٌ جداً، ومكلفٌ جداً، لأنه يرتبط بقيم المجتمع وآماله وتطلُّعاته، ولأنه قد يصطدم في بعض مراحله ومحاوره وحيثيَّاته ببعض الاجتهادات والتوقعات، ورغم ذلك، أزعم واثقاً أنه بمشيئة الله وتوفيقه، ثم بالصبر والإصرار ووضوح الهدف.. سيتحقق المراد!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved