Monday 13th January,2003 11064العدد الأثنين 10 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من وحي مؤتمر خالد «2-2» من وحي مؤتمر خالد «2-2»
عبدالله الصالح العثيمين

كان مما أشرت اليه في الحلقة السابقة سبب اختياري عرض ما كتبه اللواء محمود شيث خطاب، رحمه الله، وغلوب باشا «ابو حنيك» عن الصحابي الجليل، البطل العظيم، خالد بن الوليد، رضي الله عنه، وذلك في مشاركتي بالمؤتمر الذي عقدته جامعة حلب عنه بمناسبة مرور ألف واربع مئة سنة على وفاته.
ولقد أجاد اللواء خطاب -كعادته في كتاباته- في حديثه عن جميع ادوار خالد، بدءاً بذكر دور عشيرته، ومكانة اسرته، ومؤهلاته الذاتية، فهو ينتمي الى عشيرة بني مخزوم، التي كانت لها القبة وأعنَّة الخيل في قريش قبل الإسلام، وابوه الوليد بن المغيرة، الذي كان يسمى الوحيد وعظيم مكة لثرائه ومكانته الاجتماعية، وكان هذا الموقع الأسري بالذات مما أتاح لخالد الفتى ان يتفرغ لممارسة أمور ذات صبغة عسكرية، تدرُّباً على فنون القتال، ثم قيادة الفرسان. وكان مما قاله عن دوره في معركة مؤتة المشهورة: بعد ان استشهد قادة المسلمين الثلاثة: زيد بن حارثة، وجعفر بن ابي طالب، وعبدالله بن رواحة، اتفق المسلمون على ان يتولى خالد قيادتهم. فقاتل حتى أظلم الليل، ثم غير نظام الجيش، فجعل مقدمته ساقة وساقته مقدمة، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة.
ولحماية الانسحاب من ميدان المعركة نشر الساقة ليحتل فرسانها مساحة شاسعة من الأرض، وأمرهم أن يحدثوا أصواتاً مرفتعة بما لديهم من أدوات حربية، وجعل الخيل تدور بسرعة في دوائر ضيقة لإثارة الغبار، وهذا ما جعل الروم لا يشعرون بانسحاب قوات القسم الأكبر من المسلمين ليلاً من جهة ويعتقدون ان إمدادات قوية وصلت اليهم من جهة أخرى. لذلك لم يطاردوا المسلمين، وقاتلت الساقة - وخالد على رأسها- قتالاً بطولياً لتتخلص من الاشتباك مع العدو. وعاد بالمسلمين الى المدينة بعد ان تركوا ثلاثة عشر شهيداً في ساحة المعركة، وهي خسارة طفيفة جداً بالنسبة للخطر الداهم الذي احدق بهم، مما يُعدُّ خارقة عسكرية ومفخرة لقيادة خالد، ومن ذلك اليوم أطلق عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، لقب سيف الله.
أما غلوب باشا فلعلّ مما تجدر الإشارة اليه من حديثه عن خالد، رضي الله عنه، ما ذكره عن نقل هذا القائد البطل من جبهة العراق الى جبهة الشام، وما ذكره سبب لانتصار العرب المسلمين في معركة اليرموك.
قال عن ذلك النقل: إن القيادة الإسلامية في المدينة كانت مهتمة بجبهة الروم في الشام أكثر من اهتمامها بجبهة الفرس في العراق، وذلك لرسوخ علاقات الشام بقريش، التي كان قادة الدولة والجيوش الأولى منها، وعندما رأى أبوبكر ما آل اليه موقف جيوشه في هذه البلاد أمر خالد بن الوليد، الذي كان يثق بقيادته كل الثقة، ان يتوجه من العراق الى الشام.
وقال عن سبب انتصار العرب المسلمين في اليرموك:كان العرب المسلمون يواجهون تحدياً كبيراً من جيش الروم القويّ المدرب المكتمل التجهيز، لكنهم -بعد مؤتة- لم يخسروا معركة مع الروم لأنهم كانوا يتمتعون بالصلابة، ولغياب القيود الإدارية لديهم مما أعطاهم حرية حركة أكثر من عددهم، على ان انتصاراتهم تعود بالدرجة الأولى الى معنوياتهم العالية التي غرستها العقيدة في نفوسهم بأن من يقتل منهم فله الجنة.
واني لأجد في نفسي - والحديث عن خالد رضي الله عنه- ما يغريني بإيراد أبيات عنه من قصيدة لي ألقيتها ذات مرة في مهرجان الجنادرية، وعنوانها «تراثية».


وهبّت جيوش الفتح تنشر رحمة
وترهب باستبسالها من يحارب
وجاوز أركان الجزيرة خالدٌ
وإخوانه الصيد الكماة الأغالب
فأسدٌ على أرض العراق مغيرةٌ
وأخرى على أرض الشآم تواثب
وما انهزمت لابن الوليد كتيبةٌ
ولا صعبت مما أراد مطالب
عدا من ربوع الرافين مغرِّباً
وفي كبد الصحراء تغلي اللواهب
وفوق ثرى اليرموك عطَّر جنده
سحائب من نصر الإله سواكب

وفي هذه الأيام تنقلب صورة وضع العرب المسلمين رأساً على عقب فربوع الرافدين مهددة باجتياح الأعداء من الروم الجدد لاستلاب خيراتها وجعلها منطلقاً لاستغلال خيرات بلدان العرب الأخرى. وفلسطين على الضفة الغربية لنهر اليرموك يواجه أهلها حرب إبادة يرتكبها الصهاينة بتأييد من الروم الجدد المتصهينين.
ولقد تحدث كثير من الشعراء عن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، على ان أروع ما قرأته ما قاله الشاعر العملاق عمر أبوريشة في قصيدة له عنوانها «خالد». وقد كتبها عام 1938م، أي قبل إنشاء دولة الصهاينة في فلسطين بعشر سنوات، وقد اشتملت هذه القصيدة على صور بديعة، منها ما صورت خالداً في معركة أحد:
دفع المهر مغضباً فكبا المهر أمام النبي بعد حران
فانتضى سيفه، وهمَّ فلم يقو ولم تنطلق له قدمان
فارتضى بالسجال، وارتدَّ حران وفي النفس هاجسٌ رحماني..
ومما قاله عنه:


صدق العهد فالفتوح توالى
وصدى خالد بكل مكان
أينما حلّ فالمآذن ترج
يع أذان المهيمن الديَّان
وبدا الروم في ضلال مناهم
شوكة في معاقد الأجفان
فأتاهم بحفنةٍ من رجال
عندها المجد والرّدى سّيان
ورماهم بها وما هي إلا
جولة فالتراب أحمر قان
وضلوع اليرموك تجري نعوشاً
حاملات هوامد الأبدان

ثم خاطب خالداً بقوله:
يا مسجَّى في قبَّة الخلد يا خالد من تلفُّتٍ لبياني؟
لا رعاني الصبا اذا عصف البغي والغى فمي ضريح لساني
أنا من أمة أفاقت على العزّ وأغفت مغموسة في الهوان
لا تقل ذلَّت الرجولة يا خالد واستسلمت الى الأحزان
قم تلفَّت تر الجنود كما كانوا منار الاباء والغفوان
ما تخلَّوا عن الجهاد ولكن قادهم كل خائن وجبان
وكان ممن أشار الى خالد، رضي الله عنه، الشاعر نزار قباني بقوله:


يا ابن الوليد ألا سيف تؤجّره
فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا؟

والمعنى المراد من هذا البيت ليس ما تنطق به كلماته حرفياً، ومعلوم ان المهم اليد التي تمسك بالسيف لا نوعية ذلك السيف. على أن الأهم هو أنه لو افترض ان خالداً عاد الى هذه الحياة الدنيا، ووافق على تأجير سيف من سيوفه فهل ستسمح الدولة العظمى الموقرة للمتفرجين على ما يجري حولهم بأن يقدموا على استئجار سيف خالد؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved