ليس عيبا أن يبكي الرجال، وهم يتلقون فواجع الأيام لفقد حبيب.. أو فراق صديق، ولكن العيب- كل العيب- أن تقاوم في نفسك الرغبة في البكاء عندما تفجعك الأيام بموت غال في موته معنى من نهاية الوفاء.. أو فقد عزيز في فقده لون من ألوان العقوق!!
لقد أحسست وأنا أتلقى نبأ وفاة الأمير الراحل «فيصل بن تركي بن عبدالعزيز» مساء أمس بدمعة حارة تملأ محجر عيني لتنطلق في صمت حزين معبر عن أساها المرير، لفقده.. وعظيم فاجعتها بخسارته!!
واذا كان الموت نهاية لكل حي، والكلمة الاخيرة في صفحة كل حي أيضا، فان حجم المصيبة في الفقيد يختلف بين ميت وآخر!!
فمن الأموات من تبكي لوفاته!
ومنهم من تستبكي معك الآخرين لموته!!
ومنهم من تبتسم- بلا شماتة- وأنت تسمع نعيه!
تبكي لوفاة الأول لأنك تحس- احساسا عميقا- بفضله عليك، ولأن في موته خسارة كبيرة بالنسبة لك!!
وتستبكي الآخرين لوفاة الثاني، لأن وجوده بين الناس رحمة وانسانية وخير!!
وتبتسم- غيرشامت- لموت الأخير، لأنه، ان لم يكن مصدراً ثرا للشر فانه صورة من ملامح الجفاف الانساني في الحياة التي لا تطيب مالم تكن شذى عطرا للرحمة، والخير والعطاء!!
لم تكن وفاة الامير الراحل فيصل بن تركي رزية كالرزية بفقد مال أو فرس، أو بعير - كما يقول الشاعر العربي القديم - ولكنها رزية ولا كالرزايا بافتقاد الكثيرين.. والكثيرين جدا، لنداه.. وانسانيته، وخيره!!
لقد كان - رحمه الله - جنة وارفة الظلال يتفيؤها خلق كثير ويجد فيها المتعبون في دنياهم، الهناءة والراحة، والاستقرار!!
كان عاطفة انسانية ثرة، تفيض بشرا، وتخضل أطرافها أيناسا!!
كان معدن خير.. لا يعرف الشر سبيلا إلى نفسه، وحبا لا تدنو الكراهية من حماه، ووئاما يتقاصر البعض عن الوصول إليه!!
فاذا انطفأ فيصل بن تركي.. كما تنطفىء الشمعة، ووارته الأيدي التراب.. وهو في ريق من شباب، ونضير من حيوية، فان أخلاقه الطيبة ستظل مناراً يهدي.. ومثلا يقتدى.. وسيبقى ذكره عاطرا يضمخ الندى، وسيرته خالدة.. تحكي الرجولة بكل ما فيها من معاني الايثار والانسانية.
رحمك الله - يا فيصل - رحمة الأبرار، وألهم أنجالك وكل من عرفك الصبر والسلوان.
|