كلما ذهبت إلى السوق ورأيت مصنوعات بعض دول جنوب شرق آسيا تساءلت لماذا نهضت هذه البلاد وبقينا نحن مكاننا؟
لقد انطلقت البعثات العلمية من كوريا الجنوبية على سبيل المثال في الوقت الذي ابتدأت فيه البعثات من عدد من الدول العربية، وانظر إلى المسافة التي بيننا وبين كوريا وكلما علمت بمعوق من معوقات النهضة سواء في مجال البحث العلمي أو الصناعة أو العمل الفكري عموماً تساءلت هل نحن نريد أن ننهض حقيقة؟ ولا يتبادر إلى الذهن أنني أقصد أن نشيد البنايات الضخمة والطرقات الفسيحة والقصور المشيدة، فما هذه إلا بعض مظاهر للعمران والبناء وليست النهضة الحقيقية.
إن النفوس التي تريد النهضة حقيقة هي النفوس الكبيرة التي لا ترضى من الحياة أن تعيش وتشترك في الخصائص المعروفة مع الكائنات الحية حتى زعم زعيم عربي ذات يوم بقوله: «إن العرب يعيشون حياة بيولوجية». ولكن سيادة الزعيم لم يحدثنا كيف يمكننا أن نخرج من هذه الحالة أو لماذا وصلنا إليها؟ نريد نفوساً لا يحدها فضاء الأكل والشرب وبقية الخصائص التي تميز الكائن الحي سواء كان من ذوي الخلية الواحدة أو كائنات ملايين الخلايا. وما أعظم الآيات القرآنية التي نعت على الذين يعيشون حياة هامشية (نحيا ونموت وما يهلكنا إلا الدهر) بل يهلكهم خمولهم ونومهم ودعتهم وتخلفهم، يهلكهم أنهم لا يعرفون الحياة الحقيقية.
فما النهضة الحقيقية إذن؟ لقد كتبت الدكتورة عزيزة المانع في أحد مقالاتها عن بعض شروط النهوض فبدأت بشرط لا يراه الكثيرون مهماً أو خطيراً ألا وهو المحافظة على الكرامة البشرية، فهذا عنصر أساسي في نهوض الأمم. إن الذي يفتقد كرامته لا يمكن أن يبدع.
وقد ذكروا أن اليونانيين أبدعوا النظام الديموقراطي ولكن أية ديموقراطية تلك التي كانت محرومة من قدرات وعقول أكثر من ثلثي الشعب حيث كان العبيد مستبعدين من الدخول إلى مجال السياسة بل هم للخدمة والتسلية.
ما الكرامة البشرية؟ هل هي شيء محسوس ملموس؟ أم هي أفكار مجردة تعيش في مخيلة فئة من الناس تحب الكلام والفلسفة؟ الكرامة البشرية شيء كبير وخطير إنه أهم من الأكسجين الذي يتنفسه الإنسان، لقد بلغت المبالغة بالشاعر أن قال:
لا تسقني كأس الحياة بذلة، بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
|
الكرامة أن يحس الإنسان أن حياته لها قيمة ومعنى، نعم هي أمر ينبع أساساً من نفس الإنسان، فالذي لا يستشعر كرامته عليه ألا ينتظر الآخرين أن يستشعروها.
ومهما قلنا عن مسؤولية الفردية عن تحقيق الكرامة والدفاع عنها فإننا يجب ألا ننسى أن الإنسان يفقد كرامته أحياناً تدريجياً، وكم قالوا الوظيفة قيد، الوظيفة سجن، إن توظفت فلا تنتظر أن يكون لك كرامة حتى إن أحد الأمثلة الشعبية التي لا يليق ذكرها يصر على أنك في الوظيفة يجب أن تقبل كل ما يأتي من الرئيس.
إن الكرامة الإنسانية لم يحققها شيء كما حققها الإسلام ولذلك وجدنا كيف استعذب المستضعفون من المرسلين كل ألوان العذاب عندما وجدوا أن الإسلام قد حقق لهم الكرامة الإنسانية الحقيقية. إن من أشهر قصص التعذيب ما نال بلال بن رباح رضي الله عنه من إخراجه في شمس مكة الحارقة ورمضائها ووضع الصخور الكبيرة على بطنه وهو يئن تحت التعذيب فلا يزيد على قول (أحد أحد) فيزيد الكفار غيظاً وحنقاً.
فإن أردنا أن ننهض حقاً فلنسع إلى تحقيق الكرامة الإنسانية، وفي مقالة قادمة أنقل بعض النماذج من ضياع الكرامة وكيف أن العرب والمسلمين يصح في كثير منهم (وما لجرح بميت إيلام).
|