في مارس 1992م دخل أربعة جنود إسرائيليون متنكرين بسترات وسراويل جينز ملعباً بلدياً مسيجاً لكرة القدم في طولكرم خلال مباراة بين فريقين محليين، وانتقلوا من لاعب إلى آخر إلى أن توقفوا قرب جمال غانم حاول جمال الذي كان يشترك في المباراة الاحتماء خلف الحكم ولكن من دون انذار اطلق الجنود الاربعة النار عليه فسقط أرضا وثبت أحد الجنود بقدمه كتفي جمال مصوبا المسدس إليه أما الجنود المتنكرون الآخرون فقداطلقوا النار في اتجاه مقاعد المتفرجين وانذروا من كان لا يزال على أرض الملعب، اطلق أحد الجنود النار مرة أخرى على جمال غانم ليتأكد من قتله.! وصدر بيان عن قيادة الجيش الإسرائيلي جاء فيه أن جمال غانم «قد تم التعرف عليه» من جانب قوة من الجيش «طلبت منه التوقف» وعندما رفض ذلك وحاول الهرب اطلقت النار عليه..!
وفي مارس 1994م اصدر قاضي المحكمة الإسرائيلية أوري شتروزمان حكماً على مستوطن قام بإطلاق النار على فتى فلسطيني يبلغ من العمر 12 عاماً فقتله.
وقد قتل الفتى لانه قد قام برشق سيارة نفايات كان يقودها المستوطن بالحجارة حكم القاضي على المستوطن بالخدمة العامة لمدة ستة أشهر أي أن يبقى هذا المستوطن سائقاً على سيارة النفايات لمدة ستة أشهر أخرى عقابا له على قتله فلسطيني!
الأسوأ من ذلك أن القاضي لم يكتف بهذا العقاب التافه بل اضاف في قرار حكمه «ان على الاطفال الفلسطينيين ان يكونوا في هذه الأيام الصعبة تحت مراقبة أولياء أمورهم».
أما المستوطن المجرم فقد قال بعد الحكم: « لم يكن قتل الفلسطيني خطأ ولا يوجد لدي ما أغضب عليه بسبب ذلك»!
وبعد توقيع اتفاق اوسلو الشهير في سبتمبر 1993م خرج علينا شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي وقتئذ بتصريح أظهر للعالم ما وصل إليه قادة الكيان الإسرائيلي من استهتار بكل الأعراف والمواثيق الدولية وما وصلت إليه الطبيعة الصهيونية في التعامل مع الفلسطينيين فقد صرح بيريز بأن «موسم الصيد قد انتهى» ! وهو يقصد أن قتل الفلسطينيين قد انتهى بعد توقيع اتفاق أوسلو.!
ولم تمض أيام قليلة على هذا التصريح إلا وترتكب مذبحة جديدة في مدينة الخليل ضمن مسلسل الارهاب المنظم والمستمر في الكيان الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني حيث أقدم أحد مستوطني كريات أربع بالدخول إلى ساحة الحرم الإبراهيمي الشريف وأطلق النار على مرأى من الجنود الإسرائيليين على المصلين مما أدى إلى استشهاد 29 فلسطينياً واصابة العشرات بجروح وليسقط أيضا 40 شهيدا فلسطينياً برصاص المستوطنين والجيش الإسرائيلي في عمليات قتل بالتقسيط في أقل من أسبوعين بعد المذبحة في الحرم الإبراهيم في مدن ومخيمات وقرى الضفة والقطاع! ولننظر إلى شهادة قائد سلاح الحدود الإسرائيلي في الخليل مئير تاير للجنة إسرائيلية تحقق في مذبحة الخليل إذ قال: «ان الجيش الإسرائيلي لديه أوامربعدم إطلاق النار ابداً على أي مستوطن يهودي يطلق النار على الفلسطينيين وأن الأوامر تنص على الانتظار إلى أن تفرغ خزنة الذخيرة أو تتعطل البندقية ثم التغلب عليه بعد ذلك»!
وفي الانتفاضة المباركة «انتفاضة الأقصى الحالية» نجد أن «موسم الصيد» في الأراضي الفلسطينية قد ازداد ازدهارا ورواجا وان الصياد الإسرائيلي مستوطنا كان أم جنديا أصبح أكثر ولوغاً في سفك الدم الفلسطيني مصدقاً بيريز بأن موسم الصيد قد قارب على الانتهاء فلينتهز هذا الصياد ما تبقى من الوقت لملء جوفه بالدم الفلسطيني.!
إن الحكومة الإسرائيلية التي تتشدق بأنها لم تشرع حكم الاعدام في محاكمها منذ نشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948م تمارس حكم الاعدام على الفلسطينيين مع سبق الاصرار والترصد وما المذابح التي قامت بها في دير ياسين وقبية وغزة واللد وكفر قاسم والرملة ونحالين والصفصاف ورفح والخليل وخان يونس وصبرا وشاتيلا وعين الحلوة وجنين والبريج ونابلس وجباليا واغتيال القيادات وكوادر وفعاليات وأبناء الشعب الفلسطيني والكوادر العلمية العربية إلا مثال حي على الإرهاب الإسرائيلي وعلى التفكير الهمجي لقادة إسرائيل الخارجين عن القانون.
وإلا بماذا نفسر سقوط أكثر من ألفي شهيد فلسطيني نصفهم من الاطفال في انتفاضة الاقصى في عمليات قتل منظمة ومبرمجة منهجية وجرح أكثر من 55 ألف من الفلسطينيين بينهم أكثر من عشرين ألف طفل خلال الفترة نفسها.!
وبماذا نفسر قيام جيش الاحتلال بقتل الجرحى والمصابين الفلسطينيين وهم أحياء ومنع وعرقلة سيارات الاسعاف والطواقم الطبية من الوصول لانقاذ الجرحى وتركهم ينزفون حتى الموت خلال الاجتياحات اليومية للأراضي الفلسطينية.!
وبماذا نفسر قيام قوات العدو بعمليات تصفية واعدام ميداني لأكثر من ثلاثمائة مناضل ومجاهد بعد اعتقالهم والتمثيل بجثثهم والتنكيل بها وسرقة اعضائها الداخلية.!
وبماذا نفسر قيام جيش الاحتلال بقتل الأطفال الثلاثة محمد دواس، طارق دواس وجهاد عابد عندما كانوا يلعبون بجانب مستوطنة ايلي سيناي في قطاع غزة والتمثيل بجثثهم من قطع أطرافهم وطعن الجثث بالسكاكين والجريمة ان الاطفال الثلاثة كانوا مزودين بسكين واحدة فقط.!
باستطاعة شارون ونتنياهو وموفاز ويعلون وكل قادة جيش العدو الإسرائيلي ومستوطنيه أن يمارسوا هوايتهم البغيضة في قتل الفلسطينيين..!!
وباستطاعتهم كذلك توسيع السجون وزيادة المعتقلات واعتماد كافة ما تسمح به القوانين النازية التي ورثوها من حكومة الانتداب البريطاني بالاضافة إلى اساليبهم الجديدة التي ابتكروها في اغتيال الاطفال والنساء والشيوخ وقتل الحوامل عند الحواجز واجهاضهن بقنابل الغاز وفرض الحصار لأشهر متواصلة على الفلسطينيين دون ماء ولا غذاء ولا كهرباء..!!
باستطاعة العدو الصهيوني ان يفعل هذا كله وما هو أكثر..!!
غير ان ذلك كله لن يستطيع أن يطفئ شعلة النضال الفلسطيني المستمرة ضياء منذ ما يقارب القرن حتى اليوم.. وستبقى إلى الأبد.
ولن يستطيع أن يمنع أطفال الحجارةمن إلقاء الحجارة الفلسطينية المقدسة وتجميع الزجاجات الفارغة وملئها بالكيروسين وإلقائها على جنود العدو ومستوطنيه.
ولن يستطيع أن يمنع النساء الفلسطينيات من إطلاق زغاريدالفرح كلما سقط لهن من أبنائهن شهيد.
ولن يستطيع أن يمنع مؤذناً ينادي الله أكبر.. الله أكبر.. حي على الجهاد.
ولن يستطيع هذا العدو أن ينجو من لعنة الدماء التي يسفكها وسيكتشف وهو يولغ في سفك هذه الدماء انه كالقط الأجرب الذي يلحس مبرد الحديد، وأنه يغرق في دمائه ويبقى التساؤل:
إلى متى سيستمر أبناء الشعب الفلسطيني في تعداد شهدائهم؟
وهل بإمكاننا أن نجعل عدونا يمارس نفس الدور في تعداد قتلاه؟
فجميل جداً أن تضحي من أجل وطنك...
ولكن الأجمل أن تجعل عدوك يضحي من أجل عدوانه.
(*) كاتب وصحفي فلسطيني - الرياض
|