أين كانت الحكومات التي يستقر رؤساؤها في عشرة داوننج ستريت في لندن، ومهما تبدلت الأحزاب والشخصيات تظل بريطانيا بأنها عليها واجب أخلاقي وتاريخي وسياسي تجاه الفلسطينيين، فالبريطانيون لا يمكن أن ينسوا أنهم إحدى الجهات الدولية التي أوصلت الفلسطينيين إلى ما هم عليه.
الفلسطينيون هم أيضاً لا يمكن أن ينسوا بأن البريطانيين فرطوا في الأمانة التي أوكلت إليهم عن طريق المجتمع الدولي حينما وضعت فلسطين تحت الوصاية البريطانية، ولعل البريطانيين يتذكرون أنهم تسلموا بلداً اسمه فلسطين، وتركوه بعد أن غيب عن الخارطة الدولية.
وهكذا وحتى وإن لم يفحصوا عن ذلك فإن البريطانيين لا بد وأن يعانوا من عقدة ذنب، يستيقظ ضمير من يسكن المبنى رقم عشرة داوننج ستريت، بين الحين والآخر لمساعدة الفلسطينيين لاسترجاع جزء من الوطن الذي كانت بريطانيا وصية عليه..!!
ضمن هذا المنظور ينظر إلى المحاولات التي بذلها رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير والتي يفهم منها أنها موجهة ضد حكومة شارون اليمينية، وهو ما دفع الشارونيين إلى اتخاذ إجراءات لمعاكسة لندن ومنها منع الوفد الفلسطيني من السفر إلى العاصمة البريطانية لحضور مؤتمر الإصلاحات الفلسطينية الذي دعا إليه بلير.
شارون ذهب إلى أبعد من ذلك واتهم بلير بالتدخل في الشأن الإسرائيلي، وأنه يحاول المشاركة في الحملة الانتخابية في الكيان الصهيوني لصالح حزب العمل ورئيسه الذي دعاه إلى لندن..!!
ويقول شارون إنه غاضب على البريطانيين بسبب قضيتين: الأولى دعوة رئيس حزب العمل متسناع للقاء بلير يوم الخميس القادم، وهو الذي رفض استقبال نتنياهو قبل أكثر من أسبوعين، كما أنه غاضب لقيام بريطانيا بتنظيم مؤتمر شرق أوسطي لبحث الإصلاحات في السلطة الوطنية الفلسطينية، ورفض المطلب الإسرائيلي بالسماح لمندوب منها بالمشاركة فيه.
وكان بلير صرح أنه التقى متسناع لكونه رئيساً لحزب العمل، ولكن المصادر السياسية في إسرائيل أشارت إلى أن هذا التصرف هو تدخل سافر ووقح في الشؤون الداخلية الإسرائيلية ومحاولة للتأثير على نتائج الانتخابات.
وأمر شارون سفير بلاده في لندن بمقاطعة لقاء بلير متسناع واستدعى شارون قبل عدة أيام إلى مكتبه في القدس الغربية السفير البريطاني شيررد كوبر ميلس ووبخه قائلاً: إنني أرى ببالغ الخطورة محاولاتكم لإعادة إحياء عرفات.
وأضاف: طالما أن عرفات هو المسؤول عن الإصلاحات في السلطة فإن شيئاً لن يتغير. يشار إلى أن السفير البريطاني كان قد وبخ من قبل شارون قبل عدة أشهر بعد أن صرح أن المناطق المحتلة عام 1967 هي أكبر معتقل في العالم، مشيراً إلى أن معاملة جنود الاحتلال للسكان الفلسطينيين هي غير إنسانية.
هذه المحاولات والجهود التي يبذلها رئيس الوزراء البريطاني والتي أغضبت شارون لا يرى فيها الفلسطينيون ولا العرب محاولة جادة من بريطانيا للتكفير عن ذنبها والتفريط في البلد الذي اؤتمنت عليه، فكل ما فعله بلير يدخل في باب العلاقات العامة ولتحسين صورة بريطانيا التي ستتضرر بعد دخولها إلى جانب أمريكا في حرب ضد العراق، ولذلك ما لم بقرن السيد بلير تحركاته نحو الفلسطينيين بعمل جاد ومثمر وأن تقوم بريطانيا بدورها كدولة كبرى تعرف ما يفيد المنطقة وما يضرها.. فلا الحرب القادمة تفيدها ولا استمرار الاحتلال ينفعها.. ولا يخفف من كل هذا «نرفزة» شارون أو إغضابه... فالعرب لا يريدون قتل الذئب.. بل الحفاظ على ما تبقى من حملانهم..!!
|