Saturday 11th January,2003 11062العدد السبت 8 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأزمة الكورية وعسكرة السياسة الأمريكية الأزمة الكورية وعسكرة السياسة الأمريكية
وليام بفاف*

الخطر النووي الذي تمثله كوريا الشمالية حاليا ربما يثير تساؤلا حول السبب الذي يجعل الولايات المتحدة هدفا لتهديدات نظام الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج إيل في حين أن الجيران الملاصقين لكوريا الشمالية مثل كوريا الجنوبية واليابان يبدون أكثر انزعاجا مما قد تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وربما أكثر من انزعاجها من الاستفزازات التي تقوم بها كوريا الشمالية، والاستفزازات التي يمارسها الكوريون الشماليون تصل إلى حد رسالة ابتزاز توجهها بيونج يانج ليس إلى جيرانها ولكن إلى واشنطن، فلماذا واشنطن؟، لأن رئيس كوريا الشمالية يعتقد أن واشنطن هي مفاوضه الحقيقي وأن واشنطن هي الوحيدة القادرة على تحقيق ما يريده.
وقد أعلن كيم إيل جونج عن مواصلة العمل في برنامج تطوير أسلحة نووية وطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من بلاده واستأنف انتاج البلوتنيوم.
ويقول الرئيس الكوري الشمالي ان بلاده تحتاج إلى الأسلحة النووية لكي تدافع عن نفسها في مواجهة التهديدات الأمريكية وأنها ستنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
نظام الحكم في بيونج يانج يؤمن بالتهديد والوساطة، بينما إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش وصلت إلى قناعة في واشنطن ولديها ايمان بأن القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية هي وسائل التعامل مع الأعداء.
وقد طبقت هذه الإدارة هذا المبدأ مع كوريا الشمالية عندما رفضت ما حققته المفاوضات بين طرفي شبه الجزيرة الكورية، ولكن بوش ورجاله اكتشفوا الآن أن كيم جونج إيل يلاعبهم بورقة التهديد النووي.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون تتعامل بجدية مع سياسة الرئيس الكوري الجنوبي السابق كيم داي يونج المعروفة باسم سياسة الأرض المشرقة وادركت هذه الإدارة أن تلك السياسة تمثل جهدا طويل المدى من أجل نزع سلاح كوريا الشمالية وتشجيع فكرة تبادل المصالح بين شطري الجزيرة المقسمة بما يمكن أن يساعد في نهاية المطاف في تفكيك نظام الحكم الشيوعي الستاليني في الشمال.
وينسب حكم كوريا الشمالية إلى الرئيس السوفيتي الأسبق جوزيف ستالين الذي كان واحدا من أكثر الرؤساء السوفيت قمعا وديكتاتورية في التاريخ، أما سياسة الأرض المشرقة التي أطلقها الرئيس الكوري الجنوبي فكانت تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من التقارب مع الشمال بغض النظر عن الصعيد السياسي حيث تم تشغيل خط للسكك الحديدية بين البلدين وتم السماح بإعادة لم شمل العائلات على جانبي الحدود وتقديم مساعدات اقتصادية غذائية إلى الشمال الذي يعاني من نقص كبير في الموادالغذائية.
والحقيقة أن نظام الحكم في بيونج يانج سينتهي إن عاجلا أو آجلا وأنه من الأفضل للولايات المتحدة وغيرها أن يتم ذلك بأقل قدر من المشكلات وبدون حرب وبدون انهيار عنيف للحكم وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين، فالولايات المتحدة لها حوالي 37 ألف جندي في كوريا الشمالية بالقرب من خط المواجهة العسكرية مع الشمال بهدف ردع الشمال عن ضرب استقرار الجنوب. وقد أصبحت وظيفة هذه القوات حاليا هي دفع واشنطن إلى التعامل مع تهديدات كوريا الشمالية التي تجد لديها حاليا حوالي 37 ألف رهينة أمريكية في مرمى نيرانها.
وهذه القوات الأمريكية موجودة في مكانها منذ نحو خمسين عاما عندما جاءات إلى شبه الجزيرة الكورية للمشاركة في الحرب الكورية إلى جانب الجنوبيين.
وقد اضطرت القوات الأمريكية إلى البقاء في هذه المنطقة بسبب استمرار التعبئة والعسكرة في الشطر الشمالي باعتباره أداة للسيطرة السياسية والاجتماعية على الشعب في ظل الحكم الشيوعي.
يبلغ تعداد الجيش الكوري الشمالي حوالي مليون جندي في الخدمة وهو ضعف عدد الجيش الجنوبي.
وفي حين يصل إجمالي الناتج المحلي لكوريا الجنوبية خمسمائة مليار دولار سنويا وعدد سكانها خمسون مليون نسمة فإن إجمالي الناتج المحلي لكوريا الشمالية لا يزيد عن 15 مليار دولار سنويا وعدد سكانها أقل من 25 مليون نسمة، وهذا يعني أن كوريا الجنوبية تستطيع الدفاع عن نفسها بالاعتماد على مواردها بدون وجود عسكري دائم على أراضيها، ولكن أحد أسباب وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية هو الحفاظ على النظام الأمني في شرق آسيا والذي يضمنه الوجود العسكري الأمريكي في كوريا الجنوبية وجزيرة أوكيناوا اليابانية، بالإضافة إلى ذلك تحتفظ الولايات المتحدة بأنظمة عسكرية متقدمة جدا في الدول الحليفة في هذه المنطقة تخضع بصورة كاملة للسيطرة الأمريكية إذا لم تكن تخضع لقيادة أمريكية مباشرة.
وكانت إدارة الرئيس بوش قد أكدت في استراتيجيتها العامة التي أعلنتها العام الماضي أنها ستمنع الصين من الحصول على أي قدرات عسكرية يمكن أن تشكل تحديا مباشرا بأي صورة من الصور للولايات المتحدة، وكل هذا يعكس عسكرة الاستراتيجية السياسية لأمريكا خلال السنوات الأخيرة وهذا خطأ كبير لأنه يحصر مفهوم الاستقرار في مفهوم السيطرة، وعلى المدى الطويل فإن الجهود الأمريكية لفرض السيطرة على العالم تولد مشاعر معادية ومقاومة فيما بعد ضد هذه السيطرة، والاستقرار الحقيقي في شرق آسيا وغيرها من مناطق العالم يمكن أن يتحقق فقط من خلال التوازن الطبيعي بين القوى السياسية والعسكرية في المنطقة نفسها، وهذا أمر بديهي ولكن الحقائق الجيو سياسية عادة ما يتم تجاهلها.
الحقيقةالثانية هي أن أي قوات أجنبية في أي دولة حتى وإن كان وجودها يهدف إلى حماية أمن هذه الدولة فإن شعب هذه الدولة سرعان ما ينظر إلى هذه القوات على أنها قوة احتلال وأن أمن البلاد سيتحقق بصورة أفضل إذا خرجت هذه القوات من بلادهم.
وهذا هو الوضع حاليا في كوريا الجنوبية وكذلك في اليابان بالنسبة للوجود الأمريكي، إذن فالمشكلة الكورية ليست فقط هي التي تحتاج إلى إعادة مراجعة في واشنطن اليوم ولكنها العلاقة بين القوة العسكرية والاستقرار السياسي ككل.

*عن «هيرالد تربيون انترناشيونال»
خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved