هناك من قال لمن يسمون أنفسهم في الإنترنت بـ(الهاكرز). أو (القراصنة)، بجواز «تخريب» مواقع الإنترنت الحوارية المخالفة لنا عقدياً، وحث على مثل هذا العمل، واعتبر أن صاحبه مأجور. وأنا لا أعترض على تأصيل هذه الفتوى شرعياً، فلا بد ان لدى من قال بها من الأدلة والحيثيات ما جعله يقول بهذا القول حسب رؤيته للواقع، واجتهاده طلباً للمصلحة.
غير ان الذي أريد أن أناقشه هنا هو مدى «مصلحتنا» من مثل هذه الممارسات، وماذا سنجني في النهاية نتيجة لها، وهل ستصب مثلاً في مصلحة الإسلام على المدى القريب والبعيد؟.. ثم، هل ان مثل هذه الأعمال، وفي هذا الوقت بالذات، هي إضافة إيجابية أم سلبية في دفاعنا عن الإسلام وقيمه وتعاليمه أمام الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الدين، ونتعرض لها نحن كمسلمين، وكسعوديين بالذات، بعد تداعيات 11 سبتمبر من الغرب؟
اننا في عصر الحوار، ومضطرون إليه. والحوار، أو بصورة أدق: المناظرة هي من أدبيات الإسلام والمسلمين، عرفها تاريخهم، وتسلح بها كبراء علمائهم؛ ولعل في مناظرات شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله مع مخالفيه، والتي حفظها لنا التاريخ، ما يؤكد ذلك. والإنترنت هو اليوم مجال خصب، وحر، ومؤات حسب ظروف عصرنا، للدعوة إلى الإسلام وإيصاله إلى أكبر عدد ممكن من البشر، بأقل قدر من التكاليف، وبعيداً عن العقبات التي يلجأ إليها الآخر تاريخياً لكبح جماح انتشاره، وإعاقة وصوله، أو تشويه صورته، كما دأبت على ذلك وسائل الإعلام الغربية عندما تتحدث عن الإسلام والمسلمين.
ونحن عندما نلجأ إلى أساليب «التخريب» ورفض الرأي الآخر المخالف بإلغائه من ساحة النقاش، كما يفعل «الهاكرز»، نظهر وكأننا «نخاف» الحوار، ونهرب منه؛ وفي الوقت ذاته نعطي الآخرين، الدليل على اننا أمة لا يهمها الحوار ولا تجد من الحجة ما يدعم موقفها؛ مؤكدين التهم التي يصر على إلصاقها بنا دون وجه حق، كأمة وكثقافة، كل أعداء الإسلام تاريخياً، والتي مؤداها اننا أمة عنف وقمع ودم وقتال، لا أمة دعوة وحجة وحوار وإقناع بالحسنى. وليس - في تقديري - ثمة تهمة اساءت للإسلام والمسلمين أشد وأقسى من مثل هذه التهمة.
وكل المؤشرات الاحصائية العلمية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان الإسلام اليوم هو الديانة الأولى عالمياً من حيث القدرة على الانتشار واستقطاب الإنسان في العصر الحاضر. ولعل في مثل هذه الحقائق الاحصائية ما يؤكد ان الإسلام دين فيه من الحجج المقنعة، ويحتوي من الخصائص ذات الجاذبية لإنسان العصر، ما جعله يحظى بهذه المكانة القياسية من حيث القدرة على الانتشار اليوم، رغم ما يضعه اعداؤه أمام انتشاره من عوائق، ورغم ما يمارسه بعض المنتمين اليه من ممارسات تشويهية لتعاليمه الإنسانية. وطالما ان الأمر كذلك، فمن ماذا نخاف؟، ولماذا نخشى الرأي الآخر؟، وما هو الداعي لأن نلجأ إلى التخريب؟ ثم لماذا نفر عن مقارعة الحجة بالحجة؟.
إنها دعوة صادقة ومخلصة لإعادة دراسة مواقفنا تجاه الآخر، وقراءة واقعنا بعمق وواقعية، والتعامل مع عصرنا ثقافياً حسب شروطه، وتوظيف هذه الشروط بما يخدم مصالحنا. وقبل ذلك كله يجب أن نتلمس تجاربنا السابقة بهدوء ونقد، ونعيد النظر في بعض أساليبنا الثقافية، وبالذات الحوارية منها، بالشكل الذي يجعلنا نستفيد من أهم منجزات العصر الحاضر: الإنترنت؛ لا سيما وان صراع الثقافات هو عنوان هذه الحقبة من العصر، والحوار هو مرتكز هذا الصراع، والشبكة العنكبوتية هي ساحة هذا الحوار الأولي.
|