تعمد بعض القنوات الفضائية العربية إلى الإثارة الممجوجة بتقديمها لبرامج حية على الهواء تبحث خلالها وبشكل سطحي مواضيع تشغل بال الشارع العربي.
وتتيح من خلال هذه البرامج الفرصة للمشاهدين للاتصال ليس من أجل الاستفسار أو السؤال وإنما للتنظير وطرح الآراء الغريبة الشاذة واطلاق الأحكام المتسرعة على أي موضوع مطروح للنقاش وبطريقة لا تساعد على حل الأمور أو معالجتها وإنما تزيدها وتخلف في النفوس ما تخلفه من ترسبات تنمي العداوة والبغضاء بين الشعوب وتزيد من حدة الكراهية فيها.
صحيح أن ما نسمعه من هراء ولغط في الفضاء الرحب لا تعبر إلا عن رأي أصحابها وبالتالي فإن حكومات الدول غير مسؤولة وغير ملزمة بتحمل تبعات ما يقوله مواطنوها ولكن تداعيات وتفاعلات الكلام غير المسؤول وغير المنطقي قد تؤثر على العلاقات الودية والحميمية بين الشعوب على المدى البعيد وقد تضطر الحكومات إلى مسايرة الأمر والانصياع للأوضاع التي قد ترى ما يطرح اساءة لرموزها وامتهاناً لكرامتها وتقليلاً من قدرها.
وبعيداً عن هذا فإن اتاحة الفرصة لكل من هب ودب بالاتصال وابداء الرأي في أي موضوع أمر غير مقبول ولا يصلح في محيط واقعنا العربي لأن معظم المتصلين من المشاهدين العرب يتصل لمجرد التواجد والتسلية والاستمتاع بسماع صوته غير آبه بما يطرح وغير متمعن لما يقول بل إن هناك من يتصل ومن ثم يسأل عن موضوع الحلقة.
إن مثل هذه البرامج التي بدأت في أمريكا وأوروبا تحقق لها النجاح لأن المتصلين بها هم من أصحاب الاختصاص الذين يعرفون لماذا يتصلون وماذا يريدون من الاتصال.. ولكن المشكلة لدينا أن هواة العبث الفضائي يتصلون بأي برنامج فني أو اجتماعي أو سياسي أو حتى علمي بحت يبحث شؤون الذرة..! ولا يتيحون بذلك الفرصة لأصحاب الاختصاص وأهل الخبرة والدراية في عالمنا العربي بالاتصال والمناقشة حتى تعم الفائدة ويتحقق الهدف.
لقد تحول منظرو الفضاء في ظل تعدد البرامج وتكاثر الفضائيات وتنامي الأحداث بالمنطقة إلى ظاهرة معيبة تقول مالا تعي وتتفوه بما لا تدرك دون الاكتراث أو الاحساس بالمسؤولية وذلك في ظل مباركة من مقدمي البرامج الذين يكتفون بالابتسامة وهم يستمعون لكل رأي نشاز لا يفيد وإنما يضر ويساهم في تعميق الخلافات وتكريس العداء.. في الوقت الي كان من المفترض أن يتدخلوا ويقاطعوا صاحب كل رأي شاذ حتى لا يكون اصغاؤهم دافعاً لطرح المزيد من مثل هذه الآراء غير الصائبة وغير الهادفة وغير المقبولة على الاطلاق.
لقد أثبتت التجارب والشواهد بأن مثل هذه البرامج لا تتناسب مع ثقافة ونظرة شعوبنا للأمور ولذا فإن إيقافها أو اقتصارها على المختصين أفضل وأنفع من ترك الحبل على الغارب واتاحة الفرصة لكل من هب ودب بالحديث دون حسيب أو رقيب..وبلغة شوارعية تفتقر إلى اللباقة وأداب الحديث.
|