عند دراسة مراحل تشكيل السياسة المستقبلية لأي دولة وتحديد أهدافها الاستراتيجية كثيراً ما يبرز رأيان في أوساط صنع القرار لتلك الدولة:
الأول: يتبنى مواقف متصلبة ويرى استخدام القوة للوصول إلي الأهداف الاستراتيجية للدولة.
والثاني: يعتمد الطرق الدبلوماسية والمفاوضات للوصول إلى نفس الأهداف. وعلى مدى أكثر من نصف قرن ساد الكيان الصهيوني الرأي الأول الذي يستخدم الارهاب والقتل وسيلة لتحقيق أهدافه.!
لقد كان بن جوريون «أول رئيس وزراء للعدو الصهيوني» وحتى ارييل شارون «رئيس الوزراء الحالي» لا يحجم عن استخدام القوة للوصول إلى ما يعتبره «أهداف إسرائيل» بل لقد كان يفتعل ظروفاً تهيئ له استخدام القوة والارهاب والقتل.
انه فيلم إسرائيلي طويل.. شاهده الفلسطينيون آلاف المرات منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948م وتجسد على الارض من خلال تدمير أكثر من خمسمائة قرية فلسطينية وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني عن أرض وطنهم في الشتات والمنافي بعد قتل عشرات الآلاف منهم..!
وشاهدناه مرة أخرى عند احتلال إسرائيل لقطاع غزة عام 1956م ومذبحة كفر قاسم ضد الفلسطينيين الذين لم يرحلوا عن ديارهم عام 1956م وفي الأيام الأولى للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية في يونيو «حزيران» 1967م..!
القائمون على تمويل الفيلم متأكدون من نجاح عرضهم ولو استمر عرضه مائة عام أخرى على هذا الجمهور الساذج..! لذا نراهم يمولون بين فترة وأخرى أحد أجزاء هذا الفيلم على غرار أفلام رامبو 1، 2، 3.
أما المخرجون فقد أجادوا الصنعة لدرجة ان أحدهم فاز بجائزة نوبل مناصفة عن دوره في إخراج الأجزاء التي صدرت أعوام 1948م «مذبحة دير ياسين» و1978 «اجتياج جنوب لبنان» و1981م «قصف بيروت» و1982م «اجتياح لبنان» وآخران استحقا ثلثي الجائزة عن أدوارهم في هذا الفيلم منذ أكثر من أربعة وخمسين عاماً.!
حتى مناظر الديكور نفسها مع الفارق الزمني في تطورها.!
ولأن الفيلم يدخل في نطاق العنف فهناك دائماً الضحايا..! وهم نفس الضحايا في جميع أجزاء الفيلم وان اختلفت الأسماء..!
ونفس عصابة القتلة مع اختلاف الاشكال..!
فالقتلة الإسرائيليون يجدون متعة في قتل الضحايا العرب، وعبادة في سفك دماء غير اليهود، ولقد تفننوا في اقتراف جرائم القتل ضد كل من هو عربي.!
في الأيام الأولى لاحتلال قطاع غزة بعد هزيمة 1967م كانت مذبحة مخيم رفح حيث قام الجنود الإسرائيليون باطلاق النار على أكثر من مائة مواطن فلسطيني تم جمعهم أثناء الليل من منازلهم وقد تم دفنهم في أحد الآبار ولم يتم الكشف عن جثثهم إلا بعد أشهر عديدة وطوال هذه الأشهر كانت أسرهم تعتقد أنهم أسرى عند قوات الاحتلال الإسرائيلي.
مخرج هذا الفيلم وهذه المذبحة هو موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت والذريعة التي قيلت بعد ارتكاب المذبحة: حتى لا ينسى الفلسطينيون مذابح عام 1956م التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في أثناء احتلالها لقطاع غزة وبالتالي الرضوخ للحكم الإسرائيلي..!
ثم توالت خلال العشرين عاماً الأولى من عمر الاحتلال عمليات القتل المنظم والمنهجي لأبناء الشعب الفلسطيني بدم بارد في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة واصبح كل قائد إسرائيلي يتفاخر بقتله أكبر عدد من الفلسطينيين دون أن يحاسبه أحد!
أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يترك وسيلة إلا استخدمها في قتل وتهجير وتشريد الفلسطينيين عندما تولى في أوائل السبعينات قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي وهي تضم شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من هدم المخيمات وتهجير سكانها إلى الضفة الغربية وسيناء إلى قتل المدنيين العزل في منازلهم وأمام ذويهم.ولم تمر حفلة قتل الفلسطينيين على إسحاق مردخاي وزير الحرب في حكومة نتنياهو وزعيم حزب الوسط في الانتخابات الإسرائيلية عام 1999م دون أن يشارك فيها فقد قام بقتل صبحي شحادة أبو جامع ومجدي أحمد أبو جامع بضربهما بكعب مسدسه حتى الموت في عام 1984م أثناء التحقيق معهما! بعد أسرهما أثناء اشتراكهما في العملية التي أطلق عليها «الحافلة رقم 300»!.
حتى أيهود باراك الذي هلل البعض لانتصاره على نتنياهو في انتخابات 1999م واعتبروه بطل السلام القادم قام بقتل القادة كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت عام 1973م في فراشهم ووسط عائلاتهم واعترف باراك الذي كان متنكراً بملابس أمرأة بأنه اقترب من كمال ناصر «حتى رأى بياض عينيه وأفرغ المسدس في رأسه» وقد كان اغتيال القادة الثلاثة من الانجازات التي تباهى بها في الانتخابات والتي دغدغ بها مشاعر الإسرائيليين وساهم أيضاً في قتل خليل الوزير «أبو جهاد» في تونس عام 1988م.وفي زمن الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي اندلعت في ديسمبر 1987م وبعد الفشل الذريع الذي منى به الجيش الإسرائيلي في وقف اندفاعة الجماهير الفلسطينية الغاضبة شكر الجنرال دان شومرون رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت فرق الموت الإسرائيلية لقتل شبان الانتفاضة على الطريقة الإسرائيلية والتي تتلخص في القتل مع سبق الاصرار والترصد وبدم بارد.!
والحديث عن ممارسات فرق الموت الإسرائيلية ودموية أفرادها يحتاج إلى مجلدات ولكي نعطي صورة عن عمل هذه الفرق ضد المدنيين الفلسطينيين نذكر ما يلي:في إبريل «نيسان» 1988م توقفت شاحنة فيها جنود إسرائيليون يرتدون ملابس مدنية أمام دكان جزار لعائلة الكردي في غزة واندفعوا إلى داخلها حاملين أسلحتهم وبدءوا بإطلاق النار على صاحب المحل وأبنائه فقتلوا ثلاثة أفراد من أسرة الكردي.!
في يوليو 1989م قام أعضاء في فرق الموت الإسرائيلية بملاحقة ياسر محمد أبو غوش في سوق الخضار المركزي في مدينة رام الله، وعند هروبه منهم اصطدم ببائع متجول وسقط على الأرض وعندما حاول النهوض اطلقت فرق الموت النار عليه وأصابوه في ظهره وعندما حاول مرة ثانية اطلقوا النار على رأسه ليسقط شهيداً.ووفقاً لشهود عيان فقد كان الجنود الإسرائيليون على بعد متر ونصف المتر من ياسر أبو غوش عندما اطلقوا عليه النار في المرة الأولى وكان بإمكانهم إلقاء القبض عليه حياً ولم يطلبوا منه التوقف، لقد كانوا يريدون قتله وقد أطلقوا خمس أو ست طلقات أخرى بعد أن كان مستلقياً على الأرض..!!
(*) كاتب وصحفي فلسطيني - الرياض
|