ما كل جائزة تليق بالكبار إلا إذا كانت كبيرة تليق بالكبير، وجائزة تحمل اسم المدينة المنورة- ثاني أقدس بقعة على وجه الأرض- تليق بكل حق وحقيقة بزعيم هو الأكبر في مقامه، والأكبر في عطائه، والأكبر فيما قدمه من خدمات لهذه المدينة الطاهرة.
فإذا كانت المدينة لم تشهد من الأمن منذ العصور الإسلامية المبكرة أفضل مما شهدته منذ انضوائها تحت حكم الملك عبدالعزيز في عام 1344هـ/ 1924م- وهذا ما تحكيه جميع كتب التاريخ فإنها لم تحظ باهتمام أيضا في أي فترة من فترات تاريخها منذ انتقال مركز الخلافة الإسلامية منها في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان بمثل ما حظيت به في عهد الملك فهد خادم الحرمين الشريفين، هذا اللقب الذي اختاره لنفسه بدلاً من لقب صاحب الجلالة، وأعلنه رسمياً في المدينة المنورة نفسها بوحي من نذره نفسه لخدمة الحرمين الشريفين مكة المكرمة، والمدينة المنورة.
ويعد منح هذه الجائزة التي تحمل اسم أقدس بقعة إلى أكبر رجل نذر نفسه لخدمة هذه البقعة الطاهرة، وعرفاناً بضخامة المشروعات التي أمر بتنفيذها، وأشرف بنفسه على متابعة كل خطوة من خطوات تنفيذها، وأغدق الأموال الطائلة على تنفيذها بمواصفات هي الأعلى، والأجود، والأتقن، والأجمل من النواحي الفنية تكريما وعرفانا وتثمينا لهذه المكرمة.
فتوسعة المسجد النبوي التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد هي الأكبر، والأضخم، والأجمل في تاريخ هذا المسجد- الذي شهد في مراحل تاريخية مختلفة حالات من التوسعة- كان آخرها ما قام به والده العظيم الملك عبدالعزيز، ثم أكملت في عهد أخيه الملك سعود- رحمهما الله- إلا أنها حتى مع أهميتها البالغة في وقتها لا تقاس أبداً بما قام به الملك فهد من توسعة هي الأكبر والأجمل في التاريخ. ولا أعتقد أنه سيكون هناك وفي منظور لقرون قادمة من سيقوم بمثل ما قام به هذا الملك العظيم، الذي ضمن له مكانة لا تضاهى في تاريخ توسعة الحرمين الشريفين.
لم تقتصر خدمة الملك فهد للمدينة المنورة التي تكرمه بجائزتها لهذا العام على توسعة المسجد النبوي فقط، بل امتدت لتشمل توسعة المساجد الأخرى في المدينة المنورة مثل مسجد قباء الذي تضاعف عدة أمثال مساحته القديمة ليستوعب آلاف المصلين من أهل المدينة المنورة وزوارها، فأصبح في شكله آية معمارية تليق بمكانة المدينة المقدسة في قلوب كل المسلمين. ومن مآثر هذا الملك العظيم في المدينة المنورة توسعة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي، واستحداث شبكة طرق واسعة لربط المسجد النبوي بكل أنحاء المدينة المنورة لتسهيل وصول زوارها لأداء مناسك العبادة والزيارة بكل يسر وسهولة.
أما العمل الخالد من أعمال الملك فهد الخالدة في هذه المدينة المقدسة فهو إقامة أكبر مجمع لطباعة القرآن الكريم، وهو أكبر مجمع من نوعه في العالم، ويحمل اسم مؤسسه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
وقد اهتم الملك فهد- أيده الله- بإقامة الطرق الواسعة والسريعة التي تربط المدينة المنورة بمكة المكرمة لجعل انتقال الحجاج والمعتمرين بين المدينتين المقدستين سهلا ميسورا، ولم يغفل الاهتمام بالطرق الطويلة التي يعبر من خلالها الحجاج وصولاً إلى المدينة المنورة، وقد كان آخرها الطريق الموصل بين القصيم والمدينة الذي ينتهي العمل به في غضون فترة قصيرة، والذي يعد من أحدث الطرق في مواصفات تنفيذه، ومن أكثر الطرق في المملكة كلفة، فقد كلف عدداً من مليارات الريالات كل ذلك لتيسير وصول الحجاج القادمين من مشرق العالم الإسلامي إلى الأراضي المقدسة وهذا الطريق يحل محل درب زبيدة التاريخي.
إن مآثر الملك فهد- يحفظه الله- في المدينة المنورة كثيرة يصعب عدها، ومن أجل هذا قرر مجلس إدارة جائزة المدينة المنورة منح الجائزة لعام 1422هـ بفروعها الثلاثة للملك فهد الذي تعجز الجوائز أن تفيه حقه.
فجائزته الكبرى هي ما سيسجله له التاريخ من عمل يحتسبه عند الله ومثوبة الدعاء الذي تلهج به ألسنة زوار مسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الأجر ونعم الأجر.
وأهنىء رئيس مجلس إدارة الجائزة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة وأعضاء مجلس إدارة الجائزة على حسن الاختيار.
(*)عضو مجلس الشورى
|