من أبرز المشكلات على ساحة التربية والتعليم اليوم مشكلة عنف الطلاب، والتي أخذت في التزايد يوماً بعد يوم لعوامل كثيرة- في نظري- من أهمها: توسع الإعلام في نشر الأخبار والتنافس فيه، وتراجع دور الأسرة كضابط وموجه«ومحاسب» للطالب، فضلاً عن محاصرة دور المدرسة وخاصة في مجال الضبط المدرسي.
وحتى لا أتهم بأنني من أنصار التربية التقليدية بمفهومهم- وإن كنت من أنصارها بمفهومي- فإنني لن أدعو«ابتداءً» للعقوبة البدنية على الرغم من أهميتها في مرحلة متقدمة من مراحل الضبط «وبضوابط منضبة»، ولهذا فسوف أعرض«بضم الألف» عن الحديث عن العقوبات إلى وقت لاحق بمشيئة الله وأكتفى هنا بالبحث عن مصادر المشكلات الصفية.
فأقول مستعيناً بالله، ومستشهداً بمن سبقني في هذا المضمار: إن جميع مشكلات التلاميذ- بل مشكلات المجتمع بأكمله- ينظر إليها على أنها مشكلات تربوية بالمفهوم العام للتربية، والتلاميذ كغيرهم من أفراد المجتمع يوجد منهم أفراد لا ينسجمون مع الجماعة، ومن ثم فهم في حاجة إلى قدرمن النظام المفروض عليهم، ومن هنا تأتي أهمية دراسة أسباب المشكلات الصفية، ووسائل علاجها.
وقد اختلفت التسميات المناسبة للضبط المدرسي الذي تنتج عنه السيطرة على المشكلات الصفية، وعلاجها، ومن ثم توجيه السلوك نحو الأمور المرغوبة، فيؤكد كثير من علماء الاجتماع ضرورة استخدام كلمة «النظام» للإشارة إلى أنماط السلوك المقرر أو المتفق عليه، واستخدم بعضهم تعبير«الانضباط» وهو الامتثال لقواعد السلوك المشتركة بين أعضاء مجموعة ما.
وفي حين يتهم المعلمون النظام المدرسي بإتاحة المجال للمشكلات الصفية بضعف الأنظمة الرادعة، نجد بعض الآباء ومعهم بعض المسؤولين عن التعليم ينعون على المعلم إفراطه أو تفريطه مع طلابه إما بالشدة في غير موضعها،وإما بالتراخي والتساهل وضعف الشخصية أمام الطالب، ولقد أصبح واضحاً استمرار المشكلة بل تفاقمها في المدارس على مستوى العالم.
وبملاحظة أخطاء الطالب فإنها لا تخرج عن ثلاثة أسباب: فإما أن يكون سببها فكرياً أي أن الطفل لا يملك فكرة صحيحة عن الشيء، ولذلك أخطأ، وإما أن يكون سببها عملياً أي أن الطفل لا يستطيع أن يتقن عملاً ما ولم تتدرب أصابعه على العمل، وإما أن يكون السبب في ذات الطفل وتعمده الخطأ أو أنه من ذوي الطبائع العنيدة لذلك يصرّ على الخطأ، وحتى لا يظلم الطالب فلنستخدم معه أقصى شروط الاتهام بالخطأ، فلدى رجال الأمن ما يسمى مدى تحقق أركان الجريمة وهي : وجود نص شرعي أو نظامي يحظر الجريمة ويعاقب عليها، وهذا هو الركن المادي، وأن يكون السلوك المنحرف سواء كان فعلاً أو امتناعاً عن فعل، وهذا هو الركن المادي، وأن يكون المخطىء مكلفاً، فلا عتاب على من فقد أهلية التكليف، وهذا هو الركن المعنوي أو الأدبي.
وبالقياس على المؤسسات التربوية فإن التفكير السليم يؤيد ضرورة تحقق هذه الأركان في السلوك ليوصف بأنه غير مرغوب فيه ويستحق صاحبه العقوبة، فإن وجود النظام ومعرفته من قبل التلاميذ ضروري، سواء كان النظام تشريعاً معتبراً، أو نظاماً مكتوباً كاللوائح المدرسية، أو كان عرفاً أو اتفاقاً اجتماعياً كالسلوكيات الأخلاقية، وما لم يصدر الخطأ فعلاً من التلميذ فلا يصح محاسبته على النية، فضلاً عن أنه لابد أن يكون التلميذ من أهل التميز بحيث يستطيع التفريق بين السلوك المقبول والمرفوض.
إن العقاب قد يوقع على الطالب لتخاذله في الحفظ والكتابة، أو الهرب من المدرسة، أو التلفظ بألفاظ قبيحة أو سيئة، أو إيذاء الغير، أو مخالطة أقران السوء، أو عقوق الوالدين، وقد يعاقب لعدم استذكاره الدروس أو لإهماله الواجب المدرسي، أو لسوء سلوكه مع زملائه أو معلمه، أو نسيانه أدواته، أو عدم انضباطه داخل الفصل، أو عدم انتباهه للشرح، وقد يعاقب لرفضه تعليمات المعلم، أو سرحانه من جو الدرس، أو التأخير الصباحي عن المدرسة، أو الغياب المتكرر عن المدرسة أو المادة، أو غشه في الواجبات أو في الاختبارات أو ضعف تحصيله، وقد يعاقب لإتلافه أثاث المدرسة، أو تصرفاته غير اللائقة، أو التدخين، وقد يقع العقاب لغير ذلك من الأسباب السلوكية والأخلاقية، أو الأسباب العائدة للكسل والتهاون.
وفيما يأتي من أجزاء هذه الدراسة نصنف بمشيئة الله المشكلات الصفية بحسب مصادرها والتي تتمثل بالتأمل والبحث والمشاهدة في مشكلات مصدرها الطالب نفسه بصفته محور الحياة المدرسية، ومشكلات مصدرها البيئة المحيطة بالطالب بما فيها الأسرة والأصحاب والإعلام، ومشكلات مصدرها النظام التعليمي الذي يشمل الإدارة التعليمية بجميع مستوياتها ولوائحها وأنظمتها وممارساتها، كما يشمل المعلم الذي يعود إليه جزء من أسباب المشكلات الصفية.
* الأمين العام لإدارات التعليم بوزارة المعارف
|