انتهت يوم الاثنين الماضي عملية تخصيص جزء من شركة الاتصالات، وأرجو أن يكون استثماراً ناجحاً لهؤلاء المستثمرين، ما أود الحديث عنه هو قضية المعلومات عن الشركات المساهمة وأهميتها للمستثمر. من باب إحقاق الحق تعتبر شركة الاتصالات من أفضل الشركات السعودية من حيث الإفصاح المحاسبي.
كما أنها حظيت باهتمام المسؤولين الذين تحدثوا عنها في وسائل الإعلام المختلفة، وهو توجه مشكور ينم عن وعي عام، وتحسن في بيئة الاستثمار، لكن السؤال المطروح الآن هو هل الشفافية المطلوبة عن الشركات المساهمة تعني كثيرة ما ينشر عن الشركة؟
الحقيقة أن الشفافية المطلوبة هو توفر معلومات مفيدة وكافية عن الشركة محل الاستثمار ويأتي السؤال الآخر عن ماذا نعني بعبارة معلومة مفيدة، هل مجرد توفر معلومة معينة يجعلها مفيدة وكافية؟ دعونا نفكر قليلاً في ذلك إن بيئتنا الاستثمارية لا يتوفر فيها التحليل المالي الكافي الذي يكون في متناول عامة المستثمرين وبخاصة صغارهم لكي يفهموا المعلومات المحاسبية المتوفرة عن شركة ما بالإضافة إلى أنه في كثير من الأحيان تتوفر معلومة عن موضوع معين لكنها غير كافية، إذن فمشكلة المعلومات ليست في توفرها فقط، وإنما في إمكانية فهمها من المتلقي العادي ومدى كفايتها لاتخاذ قرار الاستثمار، عليه فإن توفر المعلومة مع عدم فهمها هو كعدمها تقريباً.
والآن دعونا نأخذ أمثلة من المعلومات المتوفرة عن شركة الاتصالات التي لو فهمها بعض المستثمرين لأعادوا التفكير في حجم استثمارهم في هذه الشركة بل ولأعادوا التفكير في مبدأ الاستثمار فيها بالكلية، ولعلي أؤكد منذ البداية إن ما سأتحدث عنه ليس تحليلاً مالياً مفصلاً عن وضع الشركة وليس إبداء للرأي حول جدوى الاستثمار في تلك الشركة.
المثال الأول عن رأس مال الشركة، فالدولة ضخت للشركة خلال عام 2002م ثلاثة آلاف مليون ريال كزيادة في رأس مال الشركة، وهذا مبلغ ضخم يكفي لتأسيس شركة جديدة، ويتوقع أن يكون له أثر بالغ في نتيجة نشاط الشركة، لكن المتمعن في ميزانية الشركة في 30/9/2002م «أي بعد زيادة رأس المال» يجد أن ثلث هذا المبلغ تقريباً لم يستثمر في الشركة «قارن بين مجموع الممتلكات والمنشآت والمعدات في عام 2001م وعام 2002م»، ويبدو أن هذا المبلغ استخدم في برنامج التقاعد المبكر المكلف، والحقيقة أن المستثمر لا يتقبل فكرة زيادة رأس المال «الذي سيشارك بالطبع في الأرباح» بهدف الإنفاق على مصروف غير ضروري أو على الأقل ليس آنياً، إلا إذا كان ذلك سيؤدي إلى كفاءة إنتاجية عالية.
وبالنسبة لشركة الاتصالات فإن أحد طرق تحسين الكفاءة الإنتاجية يكون بتحقيق نفس المستوى من النشاط أو أعلى، ولكن بتكلفة أقل ويتم ذلك بتحفيز الموظفين على التقاعد المبكر، فهل حدث ذلك؟ دعونا نلقي نظرة فاحصة على قائمة الدخل لفترة الثلاثة أشهر المنتهية في 30/9 من عام 2002م ونقارنها بنفس الفترة م عام 2001م.
سوف نجد أن تكاليف الموظفين انخفضت انخفاضاً طفيفاً، وهو عندما يتم مقارنته بما تنفقه الشركة على برنامج التقاعد المبكر يجعل المستثمر يشكك في فائدة هذا البرنامج للشركة خصوصاً أنه مول معظمه إن لم يكن كله من الزيادة في رأس المال، والآن نرجع إلى فائدة المعلومة وكفايتها، فالأرقام متوفرة لكن ما تعنيه غير متوفر، لذلك نحتاج من الشركة إلى معلومات تجعل هذه المعلومة مفيدة للمستثمر، وذلك بتوضيح على سبيل المثال الهدف من زيادة رأس المال، وهل استخدمت الزيادة لتمويل برنامج التقاعد المبكر، ومدى أهمية هذا البرنامج، والأثر المتوقع له على نشاط الشركة.
لنأخذ مثالاً آخر، وليكن عن مديونية الشركة: توضح ميزانية الشركة أن الديون المستحقة على الشركة خلال سنة من تاريخ الميزانية «وهي ما تسمى بالخصوم المتداولة» تقارب الأربعة عشر ألف مليون «بعد استبعاد الإيرادات المؤجلة» وهذا المبلغ أكبر بكثير مما يمكن أن يتوفر عند الشركة من نقد خلال العام القادم، فمع نهاية الربع الثالث من عام 2002م توفر لدى الشركة ما يقارب ثمانية آلاف وخمسمائة مليون ريال تمثل النقد ومستحقات الشركة على عملائها، ولا يتوقع أن تحقق الشركة تدفقات نقدية ضخمة من أنشطتها التشغيلية للفترة القادمة، إذا علمنا أن التدفقات النقدية خلال الأعوام السابقة لم تتجاوز الستة آلاف مليون ر يال، مع العلم أن مشكلة مديونية الشركة ليست وليدة هذه السنة فقط.
ويأتي الكلام الآن على كفاية المعلومة، فالمعلومة متوفرة لكنها غير كافية، ومن ثم فهي غير مفيدة، فمثلاً لم توفر الشركة معلومات إضافية عن خططها لتخفيض ديونها، وهل لها تأثير على مدى إمكانية صرف أرباح نقدية.
ولنأخذ مثالاً ثالثاً وأخيراً عن الشركة وليكن من قائمة الدخل: أعطت الشركة معلومات عن إيراداتها التشغيلية من الخطوط السلكية واللاسلكية، والمتتبع لإيرادات هذه الخطوط يلحظ انخفاضاً كبيراً في إيرادات الخطوط السلكية وزيادة كبيرة في إيرادات الخطوط اللاسلكية.
عندما نعلم هذه المعلومة آخذين في الاعتبار الدخول القريب لشركات منافسة في خدمة الخطوط اللاسلكية «الجوال تحديداً» فإن ذلك يجعل المستثمر في حاجة ملحة لمعلومات إضافية من الشركة عن خططها لمواجهة تحدي المنافسة القريب، فإذا كانت الشركة تعول في تعظيم إيرادتها على الجوال فإن ذلك ينذر بوضع تنافسي سيئ يجب على الشركة إعلام مساهميها عنه.
وقبل أن أختم أؤكد على أن هذه مجرد أمثلة تبين أهمية توفر المعلومة وفهمها وكفايتها للمستثمر ليتخذ قراراً رشيداً، كما أؤكد على أن التحليل لا يقلل من جدوى الاستثمار في الشركة وبخاصة إذا علمنا أن سوق الأسهم السعودية يستوعب شركات أشبه بالميتة تباع أسهمها وتشترى وترتفع وتنخفض أسعارها وهي لم تفكر يوماً في توزيع أرباح على مساهميها، ولذلك فشركة الاتصالات ستجد لها قدماً راسخة في هذا السوق.
|