يمكن أن يكون الاثنين الماضي بداية مشرقة للسودان الذي يعد أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، فقد أستؤنفت مفاوضات السلام بين الحكومة والمتمردين في دولة كينيا المجاورة للسودان كمحاولة لإنهاء واحدة من أطول الحروب الأهلية في العالم. وقد بدأ التقدم على طريق حل هذه المشكلة منذ انطلاق الجولة الأولى من مفاوضات السلام في يوليو الماضي ولكن الحل النهائي مازال في حاجة إلى عمل شاق في المستقبل.
وقد أسفرت هذه الحرب الأهلية التي بدأت عام 1983 عن مقتل مليوني شخص تقريبا كما تم تشريد حوالي أربعة ملايين شخص آخرين، طوال سنوات الحرب لم يعد لدى الحكومة أي أموال لإنفاقها على الاستثمار وإقامة مشروعات البنية الأساسية مثل شق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وتطويرالزراعة. ويعيش قرابة تسعين في المائة من السودانيين على حد الكفاف ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، لذلك لا يجب أن تستمر الحرب ولا تستمر تلك المعاناة. وأي اتفاق للسلام يمكن أن يضع نهاية لكارثة إنسانية مروعة سيعد خطوة كبرى في اتجاه تحقيق الاستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم توترا، يمكن ان يؤدي مثل هذا النجاح إلى اتجاه ملايين الشباب الصغير إلى زراعة المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة في السودان بدلا من خوض صراع الكل فيه خاسر. أيضا يمكن لنجاح المفاوضات أن يؤدي إلى امتلاء الأسواق بالطعام الذي تنتجه أراضي السوادن الخصبة بدلا من الاعتماد على طائرات الإغاثة التي تتدفق عليها لإنقاذ ضحايا المجاعة المستمرة. ويتطلع السودانيون إلى فرصة لتحقيق هذا الحلم. وخلال زيارتي الأخيرة إلى مدينة مابوار جنوب السودان وجدت الزعماء في هذه المنطقة يطالبون بضرورة استئناف مفاوضات السلام.
وقد اخبرت هؤلاء القادة في الجنوب أن لقاءاتي مع المسئولين في العاصمة الخرطوم قد منحتني أملا متجددا. وبمجرد أن تمت ترجمة كلماتي لهؤلاء الزعماء عم البشر الجميع فقد احتفل هؤلاء الناس الذين يريدون السلام بهذه الكلمات التي قلتها لهم عن استعداد مسئولي الخرطوم لتحقيق السلام.
ويمكن للولايات المتحدة الأمريكية وشركائها مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية يمكنها مساعدة الشعب السوداني لكي يظل موحدا سواء بالأفكار أو بالكلمات أو بالأفعال. لذلك يجب أن يكون مجرد تحقيق السلام هو محور اهتمام أي تدخل دولي في السودان. وعلى المجتمع الدولي أن يواصل ضغوطه على طرفي الصراع في السودان لكي يقبل كل منهما تقديم تنازلات مهمة إلى الجانب الآخر مع عدم محاباة طرف على حساب الطرف الأخر.
كما أنه على الحكومات التي يمكنها التأثير على طرفي الصراع وضع الخطط اللازمة للتأكد من تنفيذ اي اتفاقات يتم التوصل إليها. والحقيقة أن مساعدة السودان من خلال إجراء إصلاحات حكومية تمثل جزءاً أساسياً من المرحلة الانتقالية السلمية. في الوقت نفسه فإن أصحاب المصلحة في استمرار الحرب وكذلك المتشددين على الجانبين والذين يعارضون أي تسوية مازالوا يمارسون دورهم بقوة ويهددون فرص التوصل لاتفاق، ولكن تحقيق مستقبل أفضل للسودان يحتاج إلى ما هو أكثر من الاتفاق على وقف القتال أو ضم عدد من الأغلبية المسيحية في الجنوب إلى حكومة وحدة وطنية يسيطرعليها أعضاء من الأغلبية المسلمة في الشمال.
فالأمر يحتاج إلى تغييرات جذرية في توزيع السلطة والثروة بين مختلف أقاليم وسكان هذا البلد. ويجب أن تتخلى الأقليات الحاكمة عن حكمها حتى يتمكن كل السودانيين من المشاركة في إعادة بناء بلدهم، ولكن ما هي الخسائر التي يمكن أن تقع إذا فشلت محادثات السلام؟. سنخسر البشر. أي الشعب الذي شردته الحرب ويريد العودة إلى قراه ومنازله لإعادة بناء حياته مرة أخرى. وسنخسر سودان المساواة حيث يطالب كل من الشمال والجنوب بضرورة التوصل إلى حلول عادلة لقضية استخدام الموارد السودانية وبخاصة البترول. وسنخسر السودان الواقعي والذي يوجد به قوى قادرة على حمايته من التحول عن السلام إلى الحرب مرة أخرى.
وفي العاصمة السودانية لخص مؤرخ الصراع أبيل ألير الموقف ببساطة حيث قال ان ما يحتاج إليه السودان لتحقيق السلام في النهاية هو قدر ضئيل من الشجاعة من جانب الشعب السوداني وقدر ضئيل من التشجيع من جانب المجتمع الدولي وقدرضئيل من الحكمة فوق كل ذلك.
إذن فالمطلوب هو شجاعة وتشجيع وحكمة. وقد يجد صناع السلام السودانيون اليوم في كينيا الأمور الثلاثة معا.
(*) الرئيس التنفيذي لمؤسسة كير وقد عاد مؤخرا من زيارة الى السودان. (*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب (الجزيرة).
|