لقاء علي سعد القحطاني:
أثرت قصص «ألف ليلة وليلة» تأثيراً كبيراً في آداب الأمم والشعوب وفنونها الكثيرة وترجم هذا النص الشرقي إلى معظم لغات العالم وتأثر به كبار رجال الفكر والأدب في العالم مثل الأديب الايطالي فولتير والناقد الفرنسي ستندال وغيرهما ولقد التقت «ثقافة الجزيرة» الدكتور محمد عبدالرحمن يونس الذي حدثنا عن تأثير ألف ليلة وليلة في الأدب العالمي ورأى أن هذا التأثير بحاجة إلى إجابة طويلة ويمكن أن تشكّل محاور رئيسة عدّة لرسالة الماجستير أو الدكتوراه وأثرت في جميع الأجناس الأدبية الأجنبية لدرجة ان أهم الرواد في الأدب العالمي مثل الناقد الفرنسي ستندال والأديب الفرنسي الذي قرأ «ألف ليلة وليلة» أربع عشرة مرة قبل أن يكتب القصة فولتير والناقد الإنجليزي كولريدج وغيرهم يعترفون بفضل هذا النص الإبداعي الذي وجد ضيفنا الكريم آثاره في الصين. فقد أخبره صديقه المستشرق الصيني الدكتور شريف شي سي تونغ ان بعضاً من حكايات «ألف ليلة وليلة» يدرس في المدارس الابتدائية والثانوية الصينية، بالإضافة إلى الجامعات.
كما تحدث الدكتور محمد يونس عن البدايات خصوصا وانه نشأ في أسرة تحب العلم والمعرفة وتطرق في حواره معنا عن أهم مؤلفاته الأكاديمية والأدبية وأسهب الحديث في تأثير قصص «ألف ليلة وليلة» على آداب الشرق والغرب وقال: لقد كانت حكاياتها بالنسبة لفناني العالم مكمناً للسحر والتخيّل الخصب.
وقد استوحى الرسامون العالميون كرينوار وماتيس وإنجر أجمل لوحاتهم واستلهموا أفكارهم من «ألف ليلة وليلة» وقد نال هذا الكتاب ما لم ينله أي كتاب آخر، هذا إذا استثنينا القرآن الكريم .
كما تحدث المحاور الكريم عن أوضاع اللغة العربية في الصين وعن الجامعات التي تُدرس بها.
* نبذة عن حياتك العلميّة؟.
نشأت في أسرة تحب العلم والمعرفة، فجدي لوالدي وجدي لوالدتي قارئان متميزان، وبخاصة في العلوم الإسلامية والدينية، أما والدي فهو أكثر منهما معرفة واطلاعاً وقدرة على القراءة، إذ لم يكتف بهذه العلوم، بل وسّع دائرة معارفه، فقرأ الشعر والأدب والتراث والتاريخ، والحكايات والسير العربية، وهو الذي شجّعني على القراءة، وغرس في نفسي هذا الميل الكبير نحو القراءة من خلال تأكيده دور القراءة الفعّال في حياة الإنسان الإنسانية والفكرية.
حصلت على الثانوية العامة فرع علوم ورياضيات، ثم على معهد إعداد المعلمين، ثم على الثانوية العامة الفرع الأدبي، وسافرت إلى الجزائر، وهناك في جامعة الجزائر تخرجت في قسم اللغة العربية «اختصاص الأدب والنقد». ثم سافرت إلى المغرب، وفي جامعة محمد الخامس في الرباط تخرّجت في قسم اللغة العربية، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا «شهادة استكمال الدروس» اختصاص الأدب الحديث. ثم انتقلت إلى جامعة صنعاء، وعملت محاضراً في كلية مركز اللغات بهذه الجامعة، وبعدها عدت إلى دمشق وبيروت لأعمل مدير تحرير مجلة النافذة الأدبية، وفي الوقت نفسه قمت بتحضير شهادة الماجستير، وكان موضوع رسالتي «الأسطورة في الخطاب الشعري العربي المعاصر دراسة نقدية تحليلية»، في الجامعة اللبنانية الفرع الأول بيروت.
ثم حصلت في الجامعة نفسها على شهادة دكتوراه الدولة في النقد الأدبي، وكان موضوع أطروحتي «المدينة والسلطة في ألف ليلة وليلة»، وبقيت في إعداد هذه الأطروحة ست سنوات كاملة، ودرست من خلال هذه الأطروحة بنية حكايات ألف ليلة وليلة: سياسياً واجتماعياً وثقافياً. وكذلك الملامح الاجتماعية والسياسية لرجال السلطة ونسائها في هذه الحكايات. كما ركّزت على بنية الفضاء المكاني، وأوصافه وملامحه، وعلاقات قاطنيه ودوره في نمو الحكاية، وامتدادها. وعملت أيضا مندوباً لموسوعة كشف السرقات الأدبية في الرياض، وكتبت لهذه الموسوعة عدة أبحاث، ثم ذهبت إلى الصين، وفي بكين العاصمة ألقيت محاضرات عدة لطلاب شعبة الماجستير في الأدب العباسي والقصة القصيرة والشعر الحديث والمقالة والمسرح العربي الحديث والمعاصر، وذلك في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين. هذه الجامعة التي تضم كلية كبيرة لعلوم اللغة العربية وآدابها، ويتخرج الطلبة فيها حاملين لشهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه في اختصاصات الأدب العربي.
* ما أثر ألف ليلة وليلة في الأدب العالمي؟.
اذا كان هذا السؤال على قدر كبير من الأهمية، فإن الإجابة عنه تطول كثيرا ويمكن أن تشكل محاور رئيسة كثيرة لرسالة ماجستير أو دكتوراه، لأن لألف ليلة وليلة تأثيراً كبيراً في آداب الأمم والشعوب وفنونها الكثيرة، فقد أثرت في آداب هذه الأمم ولا تزال تؤثر حتى الآن، ويمكن القول بشيء من الاختصار: إن كتاب ألف ليلة وليلة ترجم إلى معظم لغات العالم الرئيسة، وتأثر به كبار رجال الفكر والأدب في العالم، واستلهموا منه أجمل ما كتبوه من نصوص إبداعية، فقد أكد فولتير أهمية كتاب ألف ليلة وليلة قائلا: «لم أصبح قاصاً إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة». أما الناقد الفرنسي ستندال فقد أعجب به إعجاباً شديداً وتمنى أن يصاب بفقدان الذاكرة حتى يعيد قراءة حكايات ألف ليلة وليلة، ويستمتع بها، كما استمتع بها في أول قراءة لها. أما أناتول فرانس فقد أكد انه تتلمذ على حكايات ألف ليلة وليلة قبل أن يكون أديباً.
وتقول الناقدة الألمانية أردموتة هللر عن ألف ليلة وليلة: «أسهمت حكايات ألف ليلة وليلة في خلق الصور الرومانسية الخيالية عن الشرق، إذ حملته معها ونقلته إلى الغرب، وتسنى للغرب من خلال حكايات شهرزاد اكتشاف الشرق. ولا يوجد مؤلف شرقي «بفتح اللام» أثر تأثيراً قوياً في الأدب الأوروبي مثل تلك الحكايات الرائعة والجذابة. وبين ليلة وضحاها أصبح هذا الكتاب جزءاً لا يتجزأ من الأدب العالمي تماماً مثل إلياذة هوميروس، وآينيز، وفرجيل، وديكاميرونة، وبوكاتشيو، والملحمة الألمانية القديمة المسماة «nibelungenlied» .
أما الباحث والناقد الإنجليزي كولريدج، فيقول عن ألف ليلة وليلة: «إن قصص شهرزاد شبيهة بالأحلام، إذ انها لا تبعدنا عن الواقع ولكنها تعطينا صورة مغايرة له، تلك الصورة التي لا يدركها العقل».
أما الباحث والناقد جون جو لميير فيقول: «إن شخصية شهرزاد أثّرت تأثيراً حاسماً في تاريخ المرأة الأوروبية، وجعلت القرن الثامن عشر أعظم القرون في حياتها، وكان لجمالها وثقتها بنفسها وتصديها وحدها لشهريار الذي عجز كل الرجال عن أن يوقفوه، واستخدامها لسلاح الأنوثة والمعرفة معا، كان لهذا كله أثر كبير في تكوين شخصية المرأة الأوروبية».
لقد أثرت ألف ليلة وليلة في جميع الأجناس الأدبية الأجنبية وفي الفنون أيضا، وقد كان تأثيرها واضحاً في الكتابات القصصية التي ظهرت في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا خلال القرن الثامن عشر، وظهرت في أمريكا خلال القرن التاسع عشر، ومن النصوص الأجنبية التي تأثرت بهذه الحكايات «فاثيك، لبكفورد 1786م»، و«لالا روخ، لتوم مور 1817م»، وقصائد بيرون المطولة، ومنها «رحلة الفارس هارولد»، ومجموعة قصائده الموسومة ب «حكايات تركية». ونشر توماس هوب في عام 1819م رواية بعنوان «أنا ستازيس: مذكرات يوناني»، وفيها استقى عوالم ألف ليلة وليلة السحرية والغرائبية، وكتب جيميس جوستنين موربي «1780 1849م» رواية بعنوان «مغامرات حاجي بابا»، ذكر في مقدمة طويلة لها علاقة روايته بحكايات ألف ليلة وليلة، ثم عاد ونسج من عوالم ألف ليلة وليلة عدة روايات أخرى، هي على التوالي: «الرهين زهراب، 1832م»، عائشة، 1834م»، «ميرزا، 1841م»، «مسلمة: قصة فارسية 1847م».
وكتب كنج ليك عملا بعنوان «إيثون: أي من الشرق 1844م» وهو رحلة عبر تركيا وسورية وفلسطين ومصر، استدعى من خلال عمله الإلياذة لهوميروس، وكذلك حكايات ألف ليلة وليلة، وفي عمله هذا عبّر عن كراهيته الشديدة للمسلمين والعرب، ووصف الرجل منهم بأنه جثّة هامدة جافة، وأن عقله محنّط كالمومياء.
وتأثر الأديب والفيلسوف مونتسكيو في كتابه «الخطابات الفارسية 1721م» بحكايات ألف ليلة وليلة حين تصويره للولائم، ولعادات الشرق، ولحريمه وعلاقاتهنّ.
أما فولتير فقد كان من أكثر الأدباء الذين تأثروا بهذه الحكايات، ويظهر هذا التأثير واضحاً في رواياته: «صادق 1747م»، «سمير أميس 1748م» «أميرة بابل 1768م»، وقصة «العالم كيفما يسير 1747م».
وقد حاول أنطوني هاملتون «1646 1720م» في روايتيه «حكاية الحمل»، و«قصة زهرة الشوك»، أن يقلّد شخوص ألف ليلة وليلة في مغامراتهم وعلاقاتهم بالجان.
أما اللورد وليم بيكفورد، فقد أبدى إعجاباً شديداً بهذه الحكايات، وكتب قصة بعنوان «الخليفة الواثق بالله 1782م»، مستوحياً أحداثها وعلاقات قصورها من أحداث حكايات ألف ليلة وليلة وفضاءاتها المكانية.
أما الفرنسي تيوفيل جوتييه فقد كان عاشقاً لمدينة القاهرة التي تعد من أهم مدن ألف ليلة وليلة، وقد وصف شوارعها وأسواقها المزدحمة وحوانيتها التجارية العامرة بجميع أنواع البضائع، ومن خلال عشقه لهذه المدينة الجميلة التي قرأ عنها كثيرا، وسمع أخبارها العجيبة من أصدقائه الرحالة، ثم زارها فيما بعد، وقد كتب عنها في رواياته المليئة بموتيفات ألف ليلة وليلة وصورها، وهذه الروايات «وجبة في صحراء مصر 1831م»، ليلة من ليالي كليوباترة 1838م»، «قدم المومياء 1840م»، «رواية المومياء 1858م».
أما قصة روبنسون كروسو، ورحلات كاليفرز الإنجليزية فهما مأخوذتان في بنية أحداثها وخيالاتها من بنية حكايات السندباد البحري ورحلاته السبع صوب جزر العالم البعيدة ومرافئه.
وقد أخبرني صديقي المستشرق الصيني الأستاذ الدكتور شريف شي سي تونغ أن بعضاً من حكايات ألف ليلة وليلة يدرس في المدارس الابتدائية والثانوية الصينية، بالإضافة إلى الجامعات، وبخاصة كليات الآداب والتاريخ والعلوم الإنسانية في الصين، وقد قمت وبنفسي بتدريس حكايات السندباد البحري وأسفاره لطلابي في شعبة الماجستير بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وقد أبدى هؤلاء الطلاب إعجاباً شديداً بهذه الحكايات.
ولم يقتصر تأثير ألف ليلة وليلة على القصة والرواية فحسب، بل تعداه إلى أنواع الفنون كافة ففي المسرح نجد أن المسرحيتين الأوروبيتين «علاء الدين»، و«حلاق إشبيلية» تتناصان بشكل واضح وكبير من حكايتين من حكايات ألف ليلة وليلة، وهما «مزين بغداد»، و«علاء الدين والمصباح السحري».
|