طرح د. علي شويل القرني في صحيفة الجزيرة «السبت: 1/11/1423هـ» سؤالا افتراضيا وأعقبه بجواب افتراضي أيضا. افترض القرني لو ان الامير سعود الفيصل توجه الى اسرائيل لهللت اسرائيل وخرجت الحكومة الى المطار واصطف الشعب الاسرائيلي في الطرقات، ووقف الفتية والفتيات يلوحون بالأعلام السعودية في اليد اليمنى والاسرائيلية في اليد اليسرى، وانتصبت الكاميرات كالجبال امام وفي داخل ساحة المطار تنقل الحدث. هاهي كريستيان امانبور تحلل بشيء من الموضوعية ابعاد الزيارة، وهاهو تيد كابول يستضيف زمرة من الخارجية الاسرائيلية للتعليق على المشهد وتحليله بكثير من العاطفة، اما لاري كينج فقد انتقل مع طاقمه الى احدى الجامعات الاسرائيلية مستضيفا عدداً من الاساتذة والطلبة الإسرائيليين، وعادل الجبير ينتقل من برنامج الى آخر يحلل ويقيم ويدحض ويؤكد من مواجهة الامة الى مقابلة الصحافة. اما توماس فريدمان فما زال يطرح السؤال تلو السؤال عن ماهية الزيارة ولونها لان الزيارات تشابهت عليه، اما فيصل القاسم ففي اتجاهه المعاكس يجمع في الاستديو دكتوره المسفر وعلى الهواء من لندن عبدالباري عطوان يندبان بلاد العرب والاوطان من نجد الى يمن الى مصر فتطوان.
كأني بخيال دكتورنا القرني الافتراضي يمتد او يتمدد ليصل الى البرلمان الامريكي بمجلسيه منعقدا في جلسة علنية خاصة، وصوت المذيع الداخلي يعلن على الملأ بصوت جهوري: ايها السيدات والسادة: سفير خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الصديقة، صاحب السمو الملكي الامير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، عاصفة مدوية من التصفيق، الجميع واقف، والابتسامات تعلو الوجوه، وسمو السفير يصافح الجميع على الجانبين وهو في طريقه الى المنصة، نكتة هنا وإشارة تحية هناك، همسة ضاحكة هنا، ولمسة بروتوكولية عند المايكروفون. بعدها تتوقف الصحف الامريكية عن ضجيجها الاعلامي وتصبح السعودية الحبيب المدلل للفكر والمال الامريكي.
المقدمة السابقة افتراض من نسج خيال، كاتب هذه السطور كثير منه لم يورده دكتورنا القرني، ولكننا نحسبه يقودنا إليه تلميحا لا تصريحا. طبعا، لم يذكر لنا الكاتب اليوم الذي تمت فيه الزيارة الافتراضية الى إسرائيل، هل كان يوم سبت ام انه يوم آخر فكل يوم له مشهده، تلك هي الصورة البانورامية التي حاول القرني إدخالها في خيالنا، او كأنها هي، مع كل ما يتبعها من تطبيل إعلامي وتسهيلات حكومية امريكية.
نحن نتفق مع أغلب ما ذهب اليه القرني من اساليب للضغط الامريكي، ولذا، سنحاول طرح جدلنا مع الدكتور القرني من الناحية الإعلامية فقط، بحكم كونه أستاذاً للاعلام ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للاعلام والاتصال. نتساءل في البداية: أليست تلك اساليب السياسة؟ كنت أشاهد بالامس فيلما امريكيا تحت عنوان «لعبة الجاسوسية» يهمنا من قصته في هذا المقام: انه بعد سقوط الجاسوس الامريكي في يد السلطات الصينية، اجتمع كبار الموظفين في الاستخبارات المركزية الامريكية ليتدارسوا الامر، فما كان من رئيس الجاسوس الذي قبض عليه الا ان يقترح على الحضور كحل اولي ان يتم تسريب الخبر للصحافة بهدف الضغط على الحكومة الصينية، انتهت القصة.
الاعلام لعبة سياسية كما ان السياسة لعبة إعلامية، ولا نظن ان أحداً يختلف معنا في ذلك.
الكتاب الشيق الذي أصدره استاذنا غازي القصيبي «السعودية وأمريكا: حملة اعلامية أم مواجهة سياسية!؟» هو تحليل جيد لكنه عنوان مضلل بعض الشيء. هل تتم المواجهة السياسية بدون حملة إعلامية؟ يجادل أب المدرسة الانجليزية في الفكر السياسي ادوارد كار إن قوة الدولة السياسية تعتمد على ثلاثة عناصر للقوة غير منفصلة: القوة العسكرية، القوة الاقتصادية، والقوة الاعلامية. أليست الحملة الإعلامية الامريكية على العراق اليوم وقبل اليوم هي جزء من المواجهة السياسية، التي هي شرط أساسي قبل اي عمل عسكري. الهجمة الامريكية على المملكة العربية السعودية فيها كثير من الزيف، ولكن لكي نكون صادقين مع الآخرين يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا أولا. لهذا نقول: إن الانتقادات الامريكية الموجهة لنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كمجموعة من الدول الإسلامية ودول عربية أو بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، بعضها صحيح وحقيقي ومعروف لنا قبل الأحداث التي وقعت في نيويورك وواشنطن. الولايات المتحدة تحارب الارهاب! مرحبا بهذا التوجه، كلنا نحارب الارهاب.
وكما أكد الأمير نايف وزير الداخلية مرارا وتكرارا، نحن عانينا من الإرهاب منذ اكثر من عقدين، ارهاب عنف وإرهاب فكر. صحيح ان البشر يستنكفون بطبعهم ان يطلب منهم التغيير لأن البعض يراه نوعاً من الإملاءات الخارجية. لكن، يظل الصواب واضحاً ومطلوبا، والخطأ واضح ومرفوض.
فالحق أحق أن يتبع. يقول الحق تبارك وتعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا كٍونٍوا قّوَّامٌينّ لٌلَّهٌ شٍهّدّاءّ بٌالًقٌسًطٌ وّلا يّجًرٌمّنَّكٍمً شّنّآنٍ قّوًمُ عّلّى" أّلاَّ تّعًدٌلٍوا اعًدٌلٍوا هٍوّ أّقًرّبٍ لٌلتَّقًوّى" واتَّقٍوا اللّهّ إنَّ اللهّ خّبٌيرِ بٌمّا تّعًمّلٍونّ } المائدة «8».
المشكلة بيننا وبين أمريكا اشكالية ومشكلة اعلامية، في الوقت نفسه وبنفس القدر. واحدة من مثالبنا وعيوبنا هو خوفنا المطبق من الإعلام، ولذا، عرف الآخرون كيف يستغلون نقطة الضعف هذه لكي يمارسوا ضغوطهم السياسية، وبالرغم من تطور أدوات الاتصال الجماهيري الا ان طرحنا الاعلامي الخارجي والداخلي ايضا يحتاج الى تنشيط بمفهوم مغاير تماما للماضي والحاضر، لقد جادلنا في موضع آخر بأننا لا نستغرب الهجمات علينا وارتفاع وتيرة الكراهية الموجهة ضد أبناء الخليج او مواطني المملكة العربية السعودية بل إننا ذهبنا الى القول: إن الغرابة كل الغرابة ألا يكون هناك عداوة من الآخرين، لأن طرحنا الإعلامي ليس كما يجب، كما ان تحليل السياسة الخارجية والداخلية السعودية اقتصر على ثلة من كتاب العمود الصحفي يتنقلون من فضائية الى أخرى وهم لا يملكون الآلية المعرفية للتحليل السياسي العلمي، وبالرغم من الجهود التي يقومون بها لري التعطش الإعلامي المتزايد للمعلومة، إلا أن جهودهم قد تكون سلبية في نتائجها «الإعلام والسياسة: معضلة الاشتعال ومشكلة الاشتغال، الشرق الأوسط 30/نوفمبر/ 2002م.
اعتكف غازي القصيبي وتركي الحمد وعثمان الرواف وغيرهم من خبراء التحليل والفكر السياسي في أبراج عاجية، او مائية، وانعكفوا على كتابة الرواية والمقالة او المحاضرة، وتركوا الساحة لافراد ينظرون في القنوات الفضائية وبرامجها «بلا حدود» بينما نشاهد كسينسجر وبريجنسكي وكوردسمان في الفضائيات الامريكية والعربية يحللون وينظرون.
نشاهد في الجانب العربي، ايضا مصطفى الفقي وحسن نافعة وعبدالمنعم سعيد ينافحون عن قضايا بالغة الأهمية والحساسية، حتى الصحفي العجوز هيكل، بالرغم من الصيت الذي يتمتع به، إلا ان ظهوره لا يأتي إلا لماما. لا يمكن للصحفي مهما بلغ شأنه أن يعنى بأمور شرح وتحليل السياسة داخلية كانت ام خارجية وهو لم يستق علوم واصول التحليل مدعوما بكم هائل من تاريخ الأحداث السياسية، ولذا يصبح جهد الصحفي على الدوام تكميلياً لدورالمحلل السياسي.
ختاماً، اشك في ان الولايات المتحدة يهمها أي مذهب أو ملة أو دين نعتنق. ما يهمها في المقام الأول، مصالحها وهذا من حقها ومشروع لها ايضا، المؤكد والذي لا شك او لبس فيه، ان الإسلام لن يضار بإذن الله، وأننا لن نسمح باهتزاز ثوابتنا او عقيدتنا الصحيحة.
المهم، هو ان نحدد ونعرف، مصالحنا الوطنية بأشكالها المتعددة: العليا والحيوية والحساسة والهامشية وان نعرف ونتعرف على أحسن الوسائل والسبل المحققة لها والعمل على تحقيقها، وأخيراً، نود ان نشير الى انه اذا لم يتسن للصحفيين والإعلاميين وخبراء التحليل السياسي الحصول على المعلومة فسيكون جهدهم، مهما بلغ، منقوصاً، كم هو جميل ان يكون لدى بعض الوزارات المعنية إيجاز اسبوعي يثري الفكر الإعلامي، ويرد على كثير من التساؤلات الحائرة. إيجاز يوم السبت في وزارة الداخلية، على سبيل المثال او الافتراض، والاحد، ايجاز في امارة المنطقة او المحافظة. أما يوم الاثنين فمخصص لإيجاز مجلس الوزراء والثلاثاء لوزارة العدل والاربعاء للبلديات والخميس للمياه، أما الجمعة فمخصص لايجاز وزارة الخارجية. هذه فكرة افتراضية ايضا، ولكنها اقرب وأسهل للتحقيق من الزيارة الافتراضية.
*رئيس مركز سعيد العمري للدراسات الاستراتيجية والأمنية Fax: (02)6052909
|