أصبحت التنمية المستدامة هدفا تسعى الى تحقيقه الدول والهيئات وتضع له البرامج والسياسات المناسبة. ولا تكاد تخلو الاستراتيجيات القومية لأي دولة من اعتبارات العمل على تحقيق التنمية المستدامة والتنمية المستدامة تهدف بشكل عام الى احداث توازن بين عمليتي التنمية والمحافظة على البيئة بكافة أشكالها وتطوير انماط استهلاك وانتاج تساعد على ذلك. ويعزى تزايد الاهتمام بالبيئة مؤخرا الى كون الاضرار بالبيئة بشكل عام وخلال عملية التنمية بشكل خاص له آثاره السلبية على عملية التنمية في الاجل الطويل وعلى مستوى معيشة المجتمع، وله تكاليفه الباهظة فعملية التنمية التي لا يكون ضمن اهتماماتها المحافظة على البيئة من التلوث من المؤكد انها ستؤدي الى جعل المجتمع يعاني من التلوث وأضراره الصحية والاقتصادية وسيفرض عليه اعباء معالجة هذه الأضرار، وسيجعل تكلفة المعيشة في هذا المجتمع وانتاج بعض السلع عالية.
وقد حرصت الدول والهيئات الدولية الى وضع معايير وتوصيات وبرامج تهدف الى حماية البيئة وينبغي الاخذ بها عند وضع وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات التنموية من قبل الدول المختلفة، وجعلت من تحقيق التنمية المستدامة هدفا كونيا، وذلك لان الاضرار بالبيئة لا يعرف الحدود فهو متعد ينتقل من دولة الى اخرى، فقد يوجد المصنع في دولة وتمتد آثاره السلبية الى دول مجاورة، وبالتالي قد يفرغ مصطلح التنمية المستدامة من مضمونه اذا لم يأخذ به الجميع.
ودعما لهذا التوجه فقد اتبعت بعض الدول سياسات تجارية تساعد في تحقيق التنمية المستدامة في الدول التي تستورد منها فربما منعت استيراد سلع تعتمد في تصنيعها على اساليب تقنية ضارة بالبيئة او فرضت عليها ضرائب جمركية عالية، وفي المقابل تعطي معاملة تفضيلية لسلع اخرى باعتبار انها تراعي قواعد المحافظة على البيئة.
ودعم عملية التنمية المستدامة ليست مسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية ذات العلاقة فقط، بل انها مسؤولية الأسر والعائلات ومنشآت القطاع الخاص فعلى سبيل المثال هناك العديد من الممارسات التي تجعل من الحفاظ على البيئة سلوكا يوميا وتسهم في تكوين أنماط استهلاك وانتاج صديقة للبيئة. من هذه الممارسات التخلص السليم من النفايات، والاقلال من حجمها قدر الامكان عن طريق صناعة التدوير التي تتيح استخدام المادة الخام اكثر من مرة وبأشكال متعددة، فيقل بذلك حجم النفايات وحجم المواد الخام المستنزفة من الطبيعة ومن الممارسات الداعمة للتنمية المستدامة الاستخدام المتعدد لبعض الاغراض المنزلية مثل أدوات التغليف والتعبئة فبدلا من استخدام كيس التعبئة لمرة واحدة ومن ثم رميه يمكن استخدامه لأكثر من مرة.
ولاشك ان القائمة تطول لكن الشاهد ان هناك ممارسات بسيطة يقوم بها الفرد لها آثارها الايجابية بعيدة المدى في الحفاظ على البيئة.
وفي جهة اخرى فان وضع الحفاظ على البيئة واستغلالها بطريقة لا تضر بها كمعيار تقيم بناء عليه المشروعات الخاصة عند منحها التراخيص اللازمة للسماح لها بممارسة نشاطها او عند رغبتها في الحصول على التمويل اللازم يساعد على تحقيق التنمية المستدامة ويتأكد هذا المعيار بصورة اكبر في حق الاستثمارات الاجنبية والتي ربما تنتقل من دولة الى اخرى بحثا عن الاشتراطات البيئية الأخف والاقل تكلفة.
(*) قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية - جامعة الإمام محمد بن سعود
|