تحقيق : عبدالرحمن اليوسف - فهد الشويعر
من المعروف ان الصحافة هي التي تلعب الدور الرئيسي في دعم أي تظاهرة كانت سواء رياضية أو فنية أو ثقافية. وقد أشرقت الصحافة وأشعت بنورها منذ أن بزغ فجر الفن في وطننا الحبيب، وكانت تترقب ما يدور في الساحة بعينيها الصافيتين ساعة وبعيني الغضب في ساعات أخر. كانت بالفعل مؤثرة وكانت الطريق الأوحد للنجاح.. كانت سيفاً لايلمع إلا في أيدي الفرسان. تراجعت مع تراجع الفن وتقدمت مع تقدمه وفي كلا الحالين كانت تسبقه كثيراً.. لكن السؤال هل هذه الصحافة نزيهة ومخلصة لرسالتها وهل خدمت الفن بالفعل وما هو دورها الحقيقي؟ تساؤلات كثيرة لا يستطيع الإجابة عليها سوى أهلها لهذا اختارت «فن» أبرز الأسماء الصحفية في المملكة ليجيبوا على تساؤلاتنا فإلى هناك:
دعمنا للغنائي فقط
بداية تحدث الزميل نايف البقمي - المسؤول عن الصفحة الفنية بجريدة اليوم- وقال: الفضل في تقدم الحركة الفنية في المملكة يعود للصحافة الفنية فهي الوحيدة المتابعة لكل ما يحدث من تطورات فنية في وطننا، ولكن للأسف فإن أكثر من 80% من هذا الدعم القوي ينصب لصالح الفن الغنائي، وهذا ما يعيبه علينا كثير من المتابعين والمختصين، أما بقية النسبة فتتوزع على باقي المجالات الفنية من دراما ومسرح وتشكيل وغير ذلك. وحقيقة أحب أن أوضح شيئا وهو ان الصحافة تسعى إلى تقديم الفنان المتحرك الذي يحمل الجديد له ولجمهوره ولوطنه أما الفنان المتكاسل فماذا يريد من الصحافة ان تقوله عنه وما هي الأخبار التي ستكتبها الصحف عنه؟ هذا الشيء إذا أردنا تطبيقه فسنجد أنه ينطبق على الغناء فقط أما الفنانون الآخرون في الدراما فلا تجدهم إلا عندما يقترب شهر رمضان عندها تجد صورهم تملأ الصفحات الفنية.
كما تحدث البقمي عن دور الصحافة الفنية في دعم الأسماء المتواضعة -فنيا- على حساب أسماء أخرى أفضل منها، ويقول: نعم لقد عانت الصحافة الفنية كثيرا من الصحفيين أصحاب المصالح الشخصية أو المتعصبين لفنانين معينين على حساب فنانين أفضل منهم، ولكن لا أريد ان أعمم وأترك المجال مفتوحا هكذا لأن هناك جهداً فنياً وتواجداً من قبل الفنانين والفنان المتواجد والقريب من الصحافة والصحفيين سيناله نصيب من الدعم بغض النظر عن قوة موهبته، أما الفنان البعيد عن الساحة والصحفيين والمتكاسل فهو بعيد عن الدعم بغض النظر أيضا عن موهبته الفنية، وهناك فنانون حفروا في الصخر حتى ظهروا للناس، هؤلاء مجتهدون ويجب ان ينالوا دعماً مقابل جهدهم واجتهادهم وأنا لا أعني الفنانين أصحاب الأفعال والتصاريح الصحفية الغريبة والذين منهم من يهاجم زميلا آخر من الفنانين الكبار حتى يسمع الناس صوته.
الصحافة هي الجسر
كما تحدثنا مع الزميل وحيد جميل المحرر الفني في مجلة سيدتي فقال: إن الصحافة الفنية لو لم يكن لها دور في دعم الحركة الفنية بالمملكة لما وصل الفنان السعودي لما وصل إليه الآن، صحيح ان هذا الإنجاز للفنان السعودي جاء من جهده هو ولكن للصحافة دوراً بارزاً جداً في تحقيقه. وأنا أعتبر الصحافة هي الجسر الذي يربط الفنان ببقية الوسائل الإعلامية مثل القنوات الفضائية التي تبحث عن الفنان الناجح عن طريق الصحف أي أن مقياس نجاح الفنان عند تلك القنوات هو نسبة ظهوره على صدر الصفحات الفنية، إذن ومن هذا المنطلق نستطيع ان نقول إن الصحافة لها دور كبير وأولي في دعم الحركة الفنية، وكذلك لا بد ان نشير إلى نقطة مهمة جداً تتلخص في وجود المناخ الفني وهو ما يعطي الصحفي الفرصة والمساحة للتحرك والعمل لخدمة ذلك المناخ وتلك الحركة التي لو لم تكن موجودة لما حققت الصحافة الفنية أي شيء.
أما ظاهرة دعم الأسماء الضعيفة فنيا على حساب أسماء أفضل منها فيقول وحيد: هذه الظاهرة متوفرة وموجودة بكثرة ولكنها نسبية ترتفع لدى صحفي وتقل عند آخر وتنعدم عند الكثيرين منهم، ولكني لا أرى أنها تشكل ظاهرة بل تظل أقل من كونها ظاهرة، وغالباً ما تجد أن الذين يقعون في فخها هم من الصحفيين المبتدئين فهم الذين يجاملون كثيرا كي يحظوا بحضور طيب وليتوددوا الفنانين مادة صحفية ترفع من شأنهم عملياً ولو عاد كل صحفي لأرشيفه الخاص وقيّم نفسه لوجد أنه لم يكن بعيدا أبداً عن المجاملة.
البعد عن التطبيل
وكان للزميل نضال قحطان المحرر الفني بجريدة عكاظ رأي آخر، حيث قال في تصوري ان الصحافة الفنية أسهمت بفعالية في تفعيل الحركة الفنية السعودية وقامت بدورها على أكمل وجه.
ويتضح ذلك من خلال دعمها المستمر للفنان السعودي ومتابعة طروحاته وتقديمها للمتلقي في إطار المساعدة على وصولها إلى أكبر شريحة ممكنة.. سواء قبل القيام بتنفيذه خطواته أو أثناءها أو بعد تقديمها..
ولكن الدور الحقيقي الذي أجد أنه من الضروري أن تبحث عنه الصحافة الفنية السعودية وتساعد على تنميته هو تقويم الحركة الفنية وإبداء وجهة النظر الحقيقية والبعد عن كل أساليب (التطبيل) المستخدمة ويفرح بها الكثير ان لم يكونوا يفاخرون بها.. وأتصور ان الفنان لا يمكن ان يحترم في دواخل نفسه الصحفي الفني الذي يجامله بل يعتبره أحد العاملين لديه يستخدمه كيفما يشاء ويرسم خطواته وأفكاره ويسخرها في مصلحته، ومن هنا فإن انعكاسها على القارئ يكون في الاتجاه السلبي.. وأنا لست ضد (المجاملة) ولكن ضمن أطر محددة ولا تخرج عن الأخبار الاجتماعية الفنية ولا بد ان لا تتجاوزها حتى لا نقع في فخ الأسلوب الترويجي الذي يطمح إليه جميع الفنانين..
وإذا نظرنا إلى الوضع الحالي في الساحة الفنية فإننا نجد أن منطلق المجاملات والمصالح الشخصية أفرز أسماء لا تستحق أن تظهر كونها لا تملك المقومات الأساسية لخوض التجربة الفنية بل لديها أساليب ملتوية وأخرى تعتمد على العلاقات العامة وفي المقابل نجد هناك مواهب حقيقية مدفونة تبحث عن الدعم الإعلامي والدعم الانتاجي لظهورها بأفضل صورة لأنها تستحق ذلك ولكنها تصدم بالواقع الحالي وكيفية الدخول إلى بعض المستنقعات التي تدور في فلكها بعض أقلام الصحافة الفنية التي تجهل دورها ولا تعرف منه سوى الركض خلف المصالح الشخصية.
نعم نجامل.. ولكننا الأفضل
أما الزميل عبدالله الراجح سكرتير مجلة فواصل والمحرر الفني فيها فقد قال إن الصحافة الفنية السعودية بلا مبالغة هي أفضل الصفحات الفنية الداعمة لجميع الفنانين ليس في المملكة فحسب ولكن فناني الوطن العربي سواء الصحف أو المجلات ولها وزنها في كل المحافل ولذا فإن الفنانون يحسبون لها أولوية حساباتهم في الانتشار خاصة ان سوق الكاسيت في المملكة هي بورصة النجاح لجميع الفنانين.. ولذا فقد ساهمت صحافتنا بشكل كبير جداً في تطور الحركة الفنية وارتقائها.
وما إذا كانت الصحافة الفنية قد ساعدت على احتلال بعض الأسماء المتواضعة «فنياً» على حساب أسماء أخرى أفضل منها أجاب الراجح.
لا أظن ذلك ولكن في العرف الصحفي هناك بند للمجاملة يعمل به الجميع ومن ضمنهم «أنتم» وهذا ليس عيباً مهنياً بقدر ما هو محاولة لتشجيع الشباب والناشئين ولا أظن أن هناك أسماء مشهورة كان للصحافة الفنية «خطأ» إبرازها بقدر ما هي بعض العوامل التي ساعدت في انتشارهم وخاصة «الحظ» الذي كان متسامحاً مع البعض فيما «أجفل» عن الآخرين وكذلك قبول الفنان للجماهير سواء كان صوته جميلاً أم كان العكس.
أما الزميل محمد السهلي رئيس قسم الفن بجريدة الرياضي فكان له نفس الرأي في رده على سؤالنا عن دور الصحافة الفنية في دعم الحركة الفنية في السعودية؟ إذ قال: بالتأكيد لها دور بل دور كبير ومؤثِّر وخصوصاً في هذا الوقت بعد ركود استمر عامين ماضيين وتراجع سابق. ويقول السهلي إن من أسباب نهوض دور الصحافة في هذا الوقت هو دخول شباب أقوياء وعودة آخرين للصحافة بعد انقطاع. أما عن أسباب تراجع الصحافة في السنوات السابقة فهذا يعود لانقطاع بعض الصحفيين البارزين الذين لهم مكانتهم في الصحافة الفنية أمثال عبدالرحمن بحير ويحيى زريقان وآخرين.
أما إذا نظرنا إلى صحافتنا الفنية فنجد ان لها أثراً كبيراً على الساحة الفنية على مستوى الخليج وبشكل كبير ومؤثر بالإضافة إلى وجود بعض المواضيع المؤثرة على الساحة الفنية على مستوى العالم العربي «......»؟؟
وعن ما إذا كانت الصحافة الفنية قد دعمت أسماء متواضعة على حساب أسماء أفضل قال الزميل السهلي: بالتأكيد هناك دعم لأسماء متواضعة على حساب الأفضل وهذا راجع لعدم وجود صحفيين متخصصين في مجال الصحافة، إضافة لوجود صحفيين لم يدخلوا الصحافة عن سابق دراسة أو تخصص وللأسف فإن أغلب من هم في هذا المجال ليس تخصصهم صحافة و«أنا أولهم». وكذلك من الأسباب التي أدت إلى دعم أسماء متواضعة على حساب أسماء أفضل منها هو عدم تعامل بعض الفنانين مع الصحافة تعاملاً جيداً مما يؤثر ذلك على مسيرتهم الفنية أمثال الفنان علي عبدالكريم والفنان عبادي الجوهر ومن ذلك لا بد لأي فنان ان تكون له علاقة جديدة ومتجددة ومع مجموعة من الصحفيين حتى يتواصل من خلالهم مع جمهوره لأن الصحفي هو الوسيلة المؤثرة بشكل كبير على تواجد الفنان أمام جمهوره كما ان الصحفيين لهم آراء قد تكون معارضة لأفكار للفنان نفسه فتجد الصحفيين يقومون بنقد الفنان سواء في مسيرته الفنية بما يطرحه ويقدمه للجمهور، فمثلاً الفنان الراحل عبدالحليم حافظ في إحدى زياراته لبيروت وأثناء وصوله للمطار قام بالاتصال على جميع الصحفيين الكبار والمشهورين آنذاك في بيروت أمثال عدنان خوري وآخرين حرصا منه عليهم وإيماناً منه بدورهم وحالياً وعلى المستوى المحلي نجد ان هناك مجموعة من الفنانين الذين أجادوا التعامل مع الصحافة بشكل جيد وبذكاء كبير كالفنان محمد عبده والفنان راشد الفارس والفنان عبدالمجيد عبدالله وعلى العكس الذين يبتعدون عن الصحافة والصحفيين هم أكبر المتضررين على رأس هؤلاء الفنان راشد الماجد الذي قاطع الصحافة.
تنافس شريف
وقد تحدث الزميل أحمد سرور عن دور الصحافة الفنية في دعم الحركة الفنية في السعودية بقوله: أرى ان الصحافة الفنية واكبت تطور الدراما الفنية السعودية وساهمت في دعمها بشكل إيجابي كما ان الدراما السعودية انتعشت وازدهرت في الفترة الأخيرة لكن المسرح السعودي ما زال غائبا ولم يشكل أي حضور وكم كنت أتمنى ان نجد نصاً يجمع نجوم الفن السعودي حتى ولو بعمل واحد في كل موسم يجوبون به مناطق المملكة بل يشارك (عرضاً) على المستوى الخليجي وحتى العربي، كما ان نجاح الأغنية السعودية أغرى الكثير من الاخوة العرب لتقديم الكلمة واللحن السعوديين.
لذا فإن الصحافة الفنية ما زالت تتنافس تنافساً شريفاً لتقديم الصورة الحقيقية للحركة الفنية ولا شك ان دورها كبير جدا والأهم هو التواصل الحقيقي ما بين الصحافة والفنانين.
أما عن سؤال هل دعمت الصحافة الفنية أسماء متواضعة على حساب أسماء أفضل؟
فذكر سرور ان دعم الصحافة الفنية لأسماء متواضعة على حساب أسماء أفضل لم يكن مؤثراً كون الصحافة لا تقدم ولا تخدم إلا (الموهبة الصادقة الواعدة) وهذا واجب الصحافة الفنية، وأرى ان محمد عبده لا يحتاج (التلميع) أو التركيز كما يحتاجه (الصوت الجديد المميز) أو الممثل أو المسرحي الجديد.
فتقديم هؤلاء أفضل من متابعة محمد عبده أو غيره من الأسماء المعروفة وإذا كان هناك دعم (كمجاملة) لبعض الأسماء فإنه في النهاية كما قالت الفنانة أحلام (لايصح إلا الصحيح).
ويجيب الزميل عبدالله مخارش المحرر الفني بجريدة الشرق الأوسط عن دور الصحافة الفنية في دعم الحركة الفنية في السعودية فيقول: هنالك اختفاء كبير في السنوات الأخيرة لدعم الحركة الفنية في السعودية ومن أسباب هذا الاختفاء عدم وجود توازن بين الشعراء والفنانين والصفحات الفنية وغير ذلك فإنه لا يوجد صفحات مستمرة في الصدور ما عدا ثلاث صفحات في ثلاث صحف مختلفة مع العلم بأن هنالك فنانين كثر وأخبارهم كثيرة لا تغطيهم تلك الصفحات الثلاث المداومة على الصدور.
وعن إجابته عن دعم الصحافة الفنية لأسماء متواضعة على حساب أسماء أفضل قال مخارش: هذا موجود وبشكل كبير في صحافتنا، فمثلاً هنالك فنان له في مجال الفن عشرون عاماً يقارنه البعض مع فنان لم يمض على دخوله الساحة سوى ثلاث سنوات فقط. ومن أمثال ذلك مقارنة الصحافة حالياً الفنان عبدالمجيد عبدالله بمحمد عبده، وكذلك مقارنة الفنان عبدالهادي حسين بعبد المجيد عبدالله، فيجب احترام تاريخ الفنان ومسيرته الفنية وعدم التطبيل لفنان على حساب آخر.
الخلاصة:
من هذا يتضح لنا عزيزي القارئ ان الصحافة الفنية هي الداعم الأول للحركة الفنية في المملكة ليس في مجال الغناء وحسب بل في جميع المجالات الفنية.
ولكن يبدو ان لهذا الدعم شروطاً كثيرة، وكما تفضل الزملاء الصحفيون فإن الصحافة لا تدعم إلا من هم قريبون منها وهذه أبرز السلبيات إذ إنه ليس حتما أن كل الفنانين سيكونون بنفس التواجد والحضور الاجتماعي الجيد، وهذا الأمر ينعكس سلبا على مسيرتهم الفنية والأمثلة على ذلك كثيرة ولكننا لا نريد ان نحدد أشخاصاً بعينهم.
|