أمام وحول منزلنا في المدينة المنورة اعتدت أن أرى في شهر رمضان وشعبان ورجب، باصات صغيرة من جميع الماركات، قادمة من إحدى الدول العربية، تحوط بيتنا، والبيوت المجاورة، وقد وجدت أن هؤلاء الناس، ينامون، ويطبخون، ويتداولون، أحاديثهم حول وداخل الباصات، وهكذا باصات تذهب وتجيء أخرى، وكلها تأتي محملة، وتذهب محملة، لكن لا أصحاب المنازل أو الفنادق أو الشقق المفروشة ولا المطاعم تستفيد منهم بشيء، فأكلهم مجاناً في رمضان وغير رمضان، ونومهم حول البيوت وعلى الأرصفة وفي المسجد النبوي مجاناً، ولا أحد يسأل، ماذا تستفيد المدينة أو مكة من مثل هؤلاء الزوار الموسميين؟
أما لو دخلت ضحى أو مساء، إلى المسجد النبوي، فسوف ترى كتلا متراصة، من اللحم الرجالي والنسائي، ليس في المسجد فقط، ولكن في ساحاته، وأمام الأسواق والمجمعات السكنية الموجودة حول المسجد النبوي، وكل واحد من هؤلاء ينتفض عند الآذان ليؤدي الواجب، ثم يعود إلى النوم، أو الأحاديث، وجزء كبير من هؤلاء يضيِّع وقته ليس في العبادة ولكن في الشحاذة، أو السرقة، وما أكثر الذين قبضوا متلبسين بالنشل في بلد الحرمين، إنهم يعتبرون أنفسهم في انتداب، يجمعون خلاله، مالا يجمعونه طوال العام، في بلدانهم.. أما الأكل فإنه يوزَّع حول الحرم فالموائد عامرة، وكأنها مبسوطة في فندق خمسة نجوم، وليس لأناس اضطرتهم الظروف، فلم يتمكنوا من تناول الإفطار في منازلهم، والنتيجة أن كل واحد من محترفي العمرة، تجده يذهب إلى سكنه، أو باصه، مصطحبا أكياسا ينوء بحملها، مليئة بأطايب الطعام، أين يذهب بها؟ الله وحده يعلم!
هذا جانب.. أما الجانب الآخر فقد وجدته في الفندق، الذي نزلت فيه في المدينة المنورة، فقد كنت أسمع يومياً، عن شركات السياحة العربية، التي تأتي بالمشتركين معها، من المعتمرين، وبدلا من أن يكون نصيب المعتمر سرير خاص به، تجده على سرير مشترك، وبعضهم يتفقون مع الشركة، لقضاء ثلاثة أيام في المدينة، تتحول الى يوم واحد، وهناك قصص كثيرة، تتعلق بالأكل، والتنقلات، وأماكن السكن، وللأسف كل هذه القصص، سمعتها، وشاهدتها، لمعتمرين، أرادوا أن تكون عمرتهم خالصة لوجه الله، فبذلوا الغالي من أجلها، لكن المتعهد، أخرجهم بتصرفاته، وإخلاله بتعهداته، عن سكينتهم، وعن الهدوء، والأمان، والراحة التي كانوا ينشدونها، هذا في المدينة أما لو ذهبنا إلى مكة فالمأساة كبيرة، وهي تمتد من مكة إلى جدة، في غالب الأحيان، في صورة تكدس بشري، عند ميناء جدة، وأرتال من الشحاذين، من جميع الجنسيات، وفي داخل الحرم المكي، وحوله، هناك مناظر تستفز الحليم، وكأن هذه الفئة من المعتمرين، ما جاءت لتقصد وجه الله، بقدر ما كانت تقصد التكسب، الذي ربما عز عليها في بلدانها!
والكثير من هؤلاء برغم نظام العمرة الجديد، ما زالوا يتخلفون، عن اللحاق بالشركات، التي جاءت بهم، ليشكلوا بعد ذلك أزمة، اعتدنا عليها في ميناء جدة الإسلامي، وميناء الملك عبدالعزيز الجوي، حتى إن المملكة اضطرت هذا العام، لاستئجار العديدد من البواخر لنقل (200) ألف متخلف من دولة واحدة!
أين الضوابط التي وضعت في نظام العمرة الجديد؟ ولماذا لا تكون زيارة المملكة للحج أو العمرة مربوطة بالاستطاعة، ونحن بلد نخدم من يأتي إلينا، ولكننا لسنا في حاجة لمن يأتي، آكلا شاربا ونائما، على حسابنا وفوق ذلك كله نعيش في قلق، من تجاوزاته، عندما يكون من محترفي السرقة مثلاً؟ فلماذا لا يلزم كل قادم للحج أو العمرة بتأمين يستخدم عندما يتجاوز هذا القادم الأساليب المرعية لاستقبال زوار المملكة.. خاصة وأن الله سبحانه وتعالى قال: {ولله عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ} والاستطاعة مالية وبدنية وذهنية، وما نراه للأسف، في بعض الوجوه، يقول بأننا فتحنا الباب على مصراعيه، فنلنا القليل من الفوائد والكثير من وجع الرأس.. والمطلوب وصفة ناجعة لهذا الوجع!!
فاكس: 4533173
|