بينما أظهرت المنظَّمات والفصائل الفلسطينية باستمرار توجها نحو التهدئة، وعملت بجد للعودة إلى مسارات التفاوض، ودخلت في حوار جدي فيما بينها لمراجعة أدوات ووسائل النضال، وهو ما عرف بحوار القاهرة، فقد ظلت إسرائيل تتجاوز بعنجهية وصلف. كل هذه الإيجابيات التي يمكن أن تدفع بشيء من التهدئة إلى ساحة مضطربة، وبرزت بوضوح مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية لهجة التهديد والوعيد في تصريحات قادة إسرائيل ضد الفلسطينيين.
غير أن الأمر لم ينحصر فقط في خانة التصريحات، بل تجاوز ذلك إلى أعمال ميدانية عسكرية يتضرر منها الفلسطينيون بصورة يومية، حيث بدا كما لو أنَّ إسرائيل تدفع الأوضاع باتجاه التصعيد عاملة على استفزاز الفلسطينيين بصورة متلاحقة، وهكذا جاءت العملية المزدوجة في تل أبيب لتذكر إسرائيل بأن هناك من هو قادر أيضاً على أن يُلحِق بها الأضرار.. كما أنَّ هناك من يستطيع تعديل معادلة الرعب لكي تنطلي على الجميع ويصبح هناك توازن للرعب..
وعلى الرغم من أن إسرائيل تدرك أنه لا بد من رد فعل على فظائعها فإنَّها تفاجأ في كل مرة أن الفدائيين أصابوها في مقتل وأنها لم تتحسب لأن تكون عملياتهم بهذه الدقة والجسارة والتخطيط.
إن الكثير من القتلى سيسقطون؛ لأن إسرائيل لا تجد من يردعها ولا من يحدّ من عنجهيتها ومن حالة غطرسة القوة التي تتلبسها.
إن الحاجة ملحَّة لإصلاح هذه الحالة الشاذة التي تمثلها إسرائيل حيث إن معادلة السلام تفترض وجود مراقبين مستعدين للتعاطي مع موجبات السلام، وقد أثبت الفلسطينيون دائما التزامهم بالتسوية، لكن إسرائيل تجد أنها في حِلٍ من أي التزام حتى ولو كان قراراً دولياً، الأمر الذي يحتم أن يقف العالم بدوله الفاعلة بجد إزاء هذه الأخطار التي تدفع بها إسرائيل إلى الساحة الدولية مهددة الجميع بإشاعة الفوضى وترسيخ منطق القوة المنفلتة.
|