ها هو العام الثالث من القرن الواحد والعشرين يهل على الدنيا، والسماء لا تزال ملبدة بغيوم الحرب والدمار، في أكثر من موقع على الأرض، وإن كانت المنطقة العربية أكثرها سخونة، إذ تنوء باثنين من أخطر ملفات الصراع الدائر في العالم، وأعني بهما الاحتلال الإسرائيلي وبشاعته في التعامل مع أصحاب الأرض، ثم التهديد الأنجلو أمريكي بضرب العراق بتهمة حيازته أسلحة الدمار الشامل. ولا شك أن كلا الملفين قد أضيفت إليه أوراق عديدة في غير صالح العرب نتيجة لضلوع أبواق الدعاية الصهيونية ضدهم، إذ استغلت أحداث سبتمبر 2001م أبشع استغلال، في تشويه صورة المسلمين - والعرب خاصة -، والصاق تهمة نفر منهم - إذا صحت في حقهم - بالمجموع، وهي المغالطة التي لا تزال تمر من تحت ذقن الكثيرين في العالم - الغربي خاصة - دون أن ينتبهوا إلى ظلامية الدعوى وظلمها.
على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية لا تزال إسرائيل تمارس الديمقراطية بطريقتها، وعلاوة على القتل العشوائي وهدم المنازل وحرق المزارع، اقتضت ديموقراطيتهم كذلك أن يخيّروا الأسير الفلسطيني بين وسائل العقاب، ما بين كسر الأنف أو السن أو الساعد أو الساق، والمؤلم أن يضطر الانسان إلى قبول جدع أنفه بمؤخرة البندقية «الفاشية»، مفضلاً ذلك العقاب عن غيره مما يعيقه عن الحركة والعمل! وما زال غلاة التطرف في إسرائيل لا يكتفون بما يفعلون في الداخل، وإنما تعلو أصواتهم لضرب دول الجوار أيضاً، فبعد التهديد بضرب السد العالي، يأتي تهديد جديد بضرب مقر القيادة السورية في لبنان، ثم تهديد لبنان ذاته ومعه إيران. ورغم أن حزب الليكود الحاكم بزعامة السفاح شارون هو المسؤول عن حمامات الدم على الجانبين، وعن الانتهاكات اللاإنسانية في الأرض المحتلة وأرض السلطة على السواء، فإن استطلاعات الرأي داخل إسرائيل لا تزال تغلب - بفارق ملحوظ - الحزب ذاته، وليس يهم أن ينجح شارون مرة أخرى في تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، أو يخلفه نتنياهو على الكرسي الساخن، وحتى لو وقع ما ليس في الحسبان وفاز حزب العمل بزعامة رئيسه الجديد، فأغلب الظن أن شيئاً لن يتغير، لأن السياسة الإسرائيلية واحدة مهما تقلبت الوجوه، هكذا علمتنا التجارب السابقة، وليس ببعيد ما فعله حمامة «العمل» بيريز في «قانا»، ومذبحتها الشهيرة على يديه، والعبرة فقط بما يمكن أن يواصل الشعب الفلسطيني من الصمود، ومدى وقوف العرب معه بشتى الوسائل الدبلوماسية وبالعون المادي، وإذا كانت إسرائيل «الغنية» توشك أن تعلن افلاسها بسبب الحرب الدائرة على أراضيها، فما بالكم بشعب تقطعت به أسباب الرزق الشحيح!
وتستوقفنا عبارة في بروتوكولات حكماء صهيون - مهما كان الرأي في صحتها أو فسادها - تقول إن قوة اليهود بلا حدود، وانهم سيملكون العالم لا بالمال والإعلام وحدهما، ولكن بالسيطرة على الأفكار أيضاً، وفي هذا الصدد يمكنهم أن يدغدغدوا مشاعر الشعوب، بترويج أفكار مثل الحرية والاخاء والمساواة، وهم أبعد ما يكون عن تلك القيم الانسانية النبيلة.
أما الملف الساخن الثاني في المنطقة العربية، فلا تزال فرق التفتيش - بنوعيها - تعلن يوماً بعد الآخر خلو المواقع المُزارة في العراق من أسلحة الدمار الشامل، والعجيب أنه في الوقت ذاته تزيد حرارة التهديد بالحرب، وفي محاولة للتخفيف النفسي على العرب، صرح الدكتور أسامة الباز الأسبوع الماضي بأن احتمالات لجوء أمريكا وانجلترا إلى ضرب العراق لا تزيد عن 75%!!
والسؤال هل يجد المفتشون الدوليون شيئاً من تلك الأسلحة في طول العراق وعرضه وهو مشرع أمام سيارات الأمم المتحدة، التي تقتحم المواقع فجأة، وتعزلها عن العالم فترة التفتيش ثم لا تجد شيئاً! أم هل يفتعل الانجلو أمريكان ذريعة لتطبيق مخطط مقرر - سلفاً - في كل الأحوال تطبيقه! وما موقف العالم الحر إذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه؟ ذلك ما سيجيب عنه العام الثالث من القرن الواحد والعشرين، وما أتعس انسان هذا القرن، ما أتعس الانسان إذا ما احتكم شركاء الانسانية في دنيا البشر إلى شريعة الغاب في القرن الجديد.
|