Tuesday 7th January,2003 11058العدد الثلاثاء 4 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«وخلق الله.. الفئران» «وخلق الله.. الفئران»
أنور عبدالمجيد الجبرتي

خلق الله الإنسان، وخلق الله الفئران، وأراد لها، ولنا، أن نعيش عالمين مختلفين، مفترقين، لا يلتقيان ولا يبغيان.
* والمفترض، ألا تكون هناك مشاكل، إذا احتفظ كل منهما بالجغرافيا المخصصة، له فلا يحاول، أن يخلط «المساحات» الشخصية، أو يتجاوز المسافات، أو يشوش «القضايا».
* ويترتب على الاعتداء، والتجاوز، كوارث، ومآسٍ، لكل منهما، يدفع الفأر ثمنها، غالباً، وغالياً، ويدفع الإنسان، أحياناً، ثمن إهماله وتقصيره، وإسرافه في أمرِه، طاعوناً متفشياً، في حدِّه الأقصى، وقرفاً، وتقزُّزاً، وقلقاً وانزعاجاً، في أغلب الأحيان.
* المشكلة، عادة، تترتب على سوء تفاهم، وخطأ في الحسابات، وإهمال في الترتيبات، وعنجهية، وإسراف يكون الإنسان هو المسؤول الأول عنها، باعتباره، الطرف الذي نفترض فيه، العقل، والتكليف، والرشاد.
* التكاثُر البشري، والامتداد العمراني، يأخذان الإنسان، إلى أماكن بعيدة، ويدفعان أطراف المدينة، إلى أحراش متوحشة عذراء، فتضطرب عوالم الكائنات الأخرى، وترتبك.
* ينتشر بنياننا، اتساعاً، ونحفر أساساتنا عُمقاً، فننكث المخابئ، والجُحور، ونثير الذعر، والهلع، بين المخلوقات الآمنة، المسكينة.
* نُسرف في طعامنا، ولا نكترث بنظافتنا، وتصريف فضلاتنا ولا نستثمر جيداً، في حماية بيئتنا، ومراعاة ظروف مخلوقات الله الضعيفة، فنصنع، عادات غذائية شرهة، وغير صحية، عند الفئران، وغيرها من البهائم والهوام، فنزعج التوازن الطبيعي، للأحياء،، والأشياء.
* وعندما، تثور البيئة، وتنتفض، وتنثر في وجوهنا، فئراناً، وجرذاناً وصراصير، وبعوضاً، نحتج، ونتذمر، ونلعن، ونسخط، ونَنظُم في الفئران، المسكينة، معلقات الهجاء، والشتيمة.
* كل هذا التفهم للقضية «الفئرانية»، ومحاولة وضعها في إطارها العادل والصحيح، لم يسعفاني، عندما، اضطرتني، الظروف إلى مواجهة شخصية، مع ذلك الفأر.
* استيقظت فجأة، فرأيته واقفاً ومنتصباً هناك، على المنحنى الأعلى من ظهر كرسي، خشبي، في أقصى الغرفة، كان متغطرساً، متحدياً، يبدو، كأنه، يلوح بذيله، بين أصابعه، باستخفاف، واستهتار، يثيران الغيظ، والحنق.
* تصرفت، كما يتصرف، إنسان مع فأر. انتفضت قائماً، وأعلنت حالة الطوارئ القُصوى، واستنهضت، الإخوان، والأعوان وبعثرت الأشياء، وسددت المنافذ، وأشهرت، الأحذية وأعواد المكانس، حتى، ظفرنا به، وأرديناه قتيلاً، ثم جلسنا لالتقاط أنفاسنا، واستجماع، وقارنا، و توازننا، والتفكير في الاحتياطات الوقائية، والترتيبات الدفاعية، والاستغراق في الهواجس، ومشاعر القرف، والغثيان، التي تتسبب فيها، كل مواجهات الإنسان، مع الفئران.
* الفأر، الذي، يظهر لك، فتطرده، أو تقتله، أهون خطراً، من الفأر الذي، لا تراه ولكنه، يشعرك بوجوده، فيترك، في نفسك مشاعر القرف، والقلق والاضطراب، وأظن - أحياناً - ان الفئران، متمرسة في نظريات الإرهاب والعنف السياسي، إذ، ترسل بعض أفرادها، لإثارة الذعر والقلق، وهدفها أن تفقد، اعداءها، توازنهم، وتضطرهم، إلى بعثرة أشيائهم، وإعادة ترتيب «أثاثهم» وإلقاء اللوم على بعضهم، بالتقصير، والإهمال، واتخاذ قرارات عاطفية، وغير عقلانية في بعض الأحيان، وبذلك تستطيع الفئران الضعيفة المتشردة، أن تصنع آثاراً، وتخلق أحداثاً، أضخم، وأعظم، مما توفره لها امكاناتها المتواضعة.
* والحرب اللاعقلانية، ضد الفئران، تشبه بعض جوانب الحرب التي نشاهدها ضد الإرهاب، وإذا كان هذا يثير الضحك فإن شر البلية ما يضحك، ولعل الفئران، وأشباههم هم أضحك الضاحكين.
* أعود إلى هدوئي، وتوازني، فلا أرمي بمشاكل البشر على الفئران المساكين وأحاول أن أكون منصفاً، فأحمل، الانسان نصيبه العادل، في مشاكله مع الفئران، ومع بني جنسه، إسرافاً، وظلماً، ثم ارتباكاً، واندفاعاً، عندما يحدث سوء تفاهم، أو التقاء، في المكان، أو الزمان، غير المناسبين.
* «الفئران» التي تزعجنا، حقاً، هي الفئران التي تسكن في أعماقنا، وتقرض ضمائرنا وعدالتنا، وإنصافنا لبعضنا، وتنشر العفن في مبادئنا وعلاقاتنا، وهي «الفئران» التي يجب أن نستغفر الله، منها.
* و«الفئران» التي نخشاها - حقاً - هي الفئران التي تكمن في «جحور» مخاوفنا، وتشاؤمنا، وقلقنا، ونكوصنا، وضعف ثقتنا، بأنفسنا، وهي الفئران التي يجب أن نحاربها، حقاً.
* إذا، أخافتك الفئران، وأقلقتك، وأزعجت حياتك وهددت طمأنينتك، ففتش في أعماق نفسك واعلم، أن كل إنسان، سينال «الفأر» الذي يستحقه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved