Monday 6th January,2003 11057العدد الأثنين 3 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نهارات أخرى نهارات أخرى
موقف.. غير عابر
فاطمة العتيبي

* في المتجر الكبير و«الطوابير» طويلة أمام طاولات المحاسبين لاحظت وأنا أقف في الممر الجانبي انتظر من معي.. ولا تتخلى عني الكاميرا الراصدة.. المتعبة.. المهلكة.. التي تتابع وتفسر وتتأمل...
* رجلاً في نهاية الأربعين.. تبدو عليه السماحة...
متوتر... مرتبك...
يحرجه الناس الذين خلفه وهو يحاول التباطؤ في الوصول إلى طاولة المحاسب..
وقرر أخيراً أن يخرج من الطابور الطويل بعد أن وصل حافة «الطاولة»..
ازداد توتره والكيس الأصفر معبأ بالأواني وألعاب الأطفال يكاد يسقطه على جانبه الأيسر...
أقبلت عليه فتاة صغيرة في الثانية عشرة أو ربما في الحادية عشرة.. ترتدي عباءتها وتضع الغطاء على كتفيها وصلت إليه بعد أن تخطت الكثيرين والكثيرات في الطابور...
كل توتر الدنيا الصامت الذي كان مرسوماً على وجهه.. استحال إلى حنان مغلف بقليل من الاحتجاج.. وسأنقل لكم الحوار كما سمعته بلهجته الدارجة:
وينكم.. وين أختك ولماذا تأخرتو؟
كنت أبحث عن المزيد من الأشياء لغرفتي..
طيب ما قلت لكم خلاص سأذهب للمحاسب..
وأختي هناك.. ومالي دخل فيها..
كيف مالك دخل فيها.. اذهبي وناديها حالاً وأنا سأحاسب .. قبل الصلاة..
كيف أذهب.. الان تجي هي بنفسها. اصبر شوي..
قال بصوت أكثر ارتفاعاً جعل الناس يتلفتون حولهم:
اذهبي من الطريق الذي جئت منه..
وبتأفف قالت:
هي تجي بس أصبر شوي..!
.. وفي تلويحة للهروب والفرار من الحرج الذي أهدته إياه الوجوه من حوله قال:
بتروحين وإلا رميت كل أغراضكم وخرجت!
* أشفقت على الأب السمح وهو يجد هذا التهاون وعدم الإصغاء إليه وهو في حالة لا يحسد عليها من حمل الأثقال والزحام وأعين الناس الفضولية وأسماعهم التي تلتقط أحاديث مثل هذه وتبني عليها رؤية اجتماعية عن التكوين الأسري لدينا..
وأعتقد أن ناتج البيوت والمدارس ومخرجاته تعاني من ملامح مدهشة.. اختلفت فيها المعايير وكادت تفقد توازنها.
* في هذه اللحظة التي لوح فيها الأب بالهروب من الموقف.. كحل أخير ومعادل طبيعي لشخصيته الحليمة والسمحة والتي لم تجد من يقدرها.. فتهاون به حتى ابناؤه وبناته..
فواحدة تتأخر...
والأخرى ترفض أن تتجاوب مع مطلب أبيها البسيط وهو حث أختها على الإسراع..
* جاءت الصغيرة... عمرها تسع سنوات تقريباً بمعية أختها.. فقال لها الأب:
اين انت وما هذا الذي معك؟
قالت: هذا.. أمي قالت هاتيه معاكِ..
فتغيرت نبرة صوت الأب وأصبحت أكثر سماحة.!!
* موقف عابر.. تشهدون غيره في مواقع كثيرة.
* الطيبون في العالم والمتسامحون هل يجدون من يقدرهم أم هم يخسرون الكثير في مقابل هذه الطيبة والتسامح..
والجيل الذي ينبت في تربات قلوبنا ويخرج نحو العالم الفسيح هل هو امتداد لنا... ولمقدراتنا ولأعرافنا ولسلوكيات وتعاملات وطرائق حياتنا..
* الموقف.. فتح أسئلة كثيرة في ذهني.. وكأنما رأيته تمهيداً ممتازاً لوقفة صادقة وصريحة نتبناها نحن... ونناقشها بوعي قبل أن تمتد ألسنة الآخرين بالمزيد من اللهب الذي يحرقنا قبل أن يحرق سيارات شبابنا!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved