منذ زمن والبريد يحمل شذرات..، والنَّاس يبدو مشغولة بحدْس الحرب، وحيرة الاكتتاب في أسهم شركة الاتصالات، والنَّاس من يواصلني مهموم بقضايا الإنسان، أكثر ممَّا هو موهوم بقضايا المال... فالطُّيور كما يقولون على أشكالها تقع...
ولكن...
لم يكن أسعد مني حين هاتفني مكتب رئيس التَّحرير كي أندب من يحمل لي زاد البريد، زادي...
وقبلاً، قد مرق المندوب ذاته إلى موقع الصُّندوق هذا الذي يزوِّدني دوماً بنبض الإحساس بتواصل الإنسان مع الإنسان... الحرف جسر وقد قلت هو الذي يجعل لك في كل مكان ركناً...
ولست ممن لا يقيمون وزناً لتواصل القارئ... ذلك لأنَّنا لا نكتب لأنفسنا، ولا نجتر الحديث الذي لا يخرج عن أسنة أقلامنا، لصفحات عيوننا!... نحن نكتب لمن يقرأ، فإن واصلنا من يقرأ فتلك محجته علينا أن نحتفي به، والاحتفاء بالقادم والقادم المقبل، احتفاء استضافة وكرم قِرى، وإنزال في أكرم منزل ومنزلة.
وهناك من يدَّعي وصلاً بليلى، فلمَّا تجيء إليه ليلى يزدريها!!... ظناً منه أنَّ الكتابة عمَّا يكتب القراء ضرب من الغرور أو الزُّور!!، وخلق ذو الخلق ممن ينثر القيم، وينشد المُثل في فكره لا يدعه يجعل للغرور في قوله لفظاً ولا حرفاً...
أقول قولي هذا وأستعيذ بالله من كل زميل يلمز عند كتابته على أولئك المحتفين بقرائهم... ولعلِّي واحدة منهم... أخصص بكلِّ حب يوماً للقراء...
ولقد تقاطرت الأمور، وتوافدت المشاغل، وكثرت حيرة السُّؤال فأرجأت من رسائل القراء بعضها الذي تحتاج مضامينها لبسط، وعديدها ممَّا توقَّف على الإطراء والتقريظ.
فالأولى للسَّعي نحو وجود مخارج لحلولها، والأخرى كي أمتَّع بما فيها.
وجاءني المندوب بعدد عديد، ورافد مديد... شيء من زملاء الفكر والقلم يوشّون مكتبتي بروائع ما أبدعوا، ويمنحون ذائقتي نهضة الإحساس بجميل عباراتهم، وبعضها من زملاء أكاديميين يرأسون مطبوعات علمية، يثرون بها خبراتي، ويطعمون بما فيها معلوماتي، ويجدِّدون معارفي، وآخر منها من قارئات حصيفات طامحات في خبرة ناقدة، ونافذة مضيئة، كي تقوِّم ما يفضين به، ويبحن بأفكاره في حروف باهظة حيَّه تتسابق كي تتشكَّل عُقداً جميلاً يحمل أحلاماً جميلة كي نتيح لها فرصة الظهور ومن ثمَّ الحضور...، وبعضها من زملاء حرف يعلِّقون ويشاركون، ويتفاعلون...، وشيء يحمل تهنئة بعيد، أو مناسبة، وآخر يدعو، ويسأل...
بريدي يحتاج مني لوقت...
لا أنكر أنَّني ألتهمت ما فيه بحب وسعادة...
فوجئت منه بروائع مواهب تُنْمي بوجود بوارق ستمطر إن شاء الله ما ينمو في دوحة الأدب فسائل المبدعات الجديدات...
وفوجئت بأفكار بأساليب جميلة تبعث الاطمئنان... وتوطِّد الثِّقة في أنَّ دولبة الحياة لن تبخل بإحياء الحياة وسط المحدقات القاضية على بذور الأمل...
واستقرت لدي الثِّقة في أنَّ الحرف هو الجسر المكين بين الكاتب ومن يكتب لهم ومن أجلهم...
ثمَّة وعي حاد... وثمَّة حقيقة... أنَّ الصِّدق لا يثمر إلا صدقاً...
ولسوف أتناول بالأسماء والتفاصيل كافَّة ما بزوَّادتي من زادي الذي جاءني به البريد... وتقاطر عليَّ من كلِّ حدْب. فأهلاً وحباً ومرحباً.
|