ظهرت أخيراً المستنسخة الإنسانية الأولى أو هكذا قالوا. لم نر الطفلة التي استنسخوها ولم تؤكد ذلك جهات علمية معروفة. ولكن تكنولوجيا الاستنساخ قائمة. وهي الآن نشطة في المختبرات السرية في جميع دول العالم الغربي. بغض النظر عن النظرة الأخلاقية للعمل. العالم لا يقوم على الأخلاق الحميدة. الذين أنتجوا القنبلة النووية لم يسألوا رجال الدين أو علماء الأخلاق أو الأطفال عن رأيهم في الموضوع. شكلت حكومة الولايات المتحدة لجنة علمية سرية بدأت أبحاثها في نيويورك، وفجأة شاهدها العالم تلقى بلا رحمة على اليابانيين.
تكنولوجيا الاستنساخ ما زالت في بدايتها. لا نعرف بعد ما هي. ولا إلى أين تتجه. ولا نعرف ما هي الفوائد الحقيقية التي سيجنيها الإنسان منها. ولا المضار الحقيقية التي ستترتب عليها. إنها تكنولوجيا واعدة، حبلى بكل الاحتمالات. لماذا نشغل أنفسنا بالجانب الأخلاقي والجانب القانوني. في الغرب يتحدثون عن هذه الجوانب، بينما هناك طائفة منهم تعمل على تطويرها والتعرف على امكانياتها وعلى استخداماتها. فالباحث الأخلاقي يسير إلى جانب الباحث في المختبر يداً بيد. هذا لا يعطل هذا أو يمنعه فالغرب يعرف أن الأخلاق لحميدة مفيدة «جداً» إذا لم تتعارض مع مصالحه وأهدافه ورفاهيته.
على طول العالم العربي والإسلامي لم نسمع أن مختبراً واحداً قام بتجربة من التجارب المتعلقة بهذه التكنولوجيا. مختبراتنا انتقلت إلى الصحف والمجلات. لم نسمع رأي مدينة الملك عبدالعزيز ولم نسمع رأي جامعة الملك سعود أو جامعة الملك عبدالعزيز وغيرهما من الجامعات ذات الصلة بالموضوع. هل نحن مسؤولون عن البشر؟ الذي أعرفه أننا مسؤولون عن أمننا وعن قوتنا وعن منعتنا. لماذا يطلق العنان للأخلاقيين وغير المتخصصين لقيادة الرأي في قضية ربما تحدد مستقبل الإنسان على هذا الكون.
يجب ألا يعمينا رأينا الأخلاقي في الأمر عن حقيقة خطورة هذه التكنولوجيا وأهمية امتلاكنا لها. قبل ثلاثين سنة لم تكن أمريكا تستطيع ملاحقة الدول التي تجري أبحاثاً في مسألة الصواريخ العابرة للقارات. ولم تكن أمريكا تملك القدرة على ملاحقة الدول التي تطور مختبراتها الخاصة بالأسلحة الجرثومية والبيولوجية. وأمريكا لم تكن تلاحق الدول التي أسست مفاعلات لإنتاج الطاقة الذرية. لأن تلك التكنولوجيا لم تكن في ذلك الزمن تشكل تهديداً لزعامتها للعالم. ونلاحظ اليوم ما تفعله أمريكا بدول العالم وخاصة الدول الإسلامية التي تحاول امتلاك أسلحة ذرية أو بيولوجية.
الذي يظن أن تكنولوجيا الاستنساخ ستبقى في حدود الأبحاث المدنية ساذج بكل المقاييس. فهي علم خطير وقابل للتطبيقات المختلفة وليس جانب الأخلاق الذي ينطوي عليه سوى جانب صغير لا تقاس عليه الأمور في عالم يقوم على الاستكبار. فأمريكا التي نستشهد بأنها آخذة في تحريم الاستنساخ هي في الواقع تحرمه على المنابر ولكنها بالتأكيد لن تتخلف عن امتلاك هذه التقنية واستخدامها أسوأ استخدام. وهذه حال كل الدول التي انبرى رؤساؤها يعظون الناس ويقدمون لهم النصائح الطنانة. إن عدم أخلاقية بعض تطبيقات الشيء لا يعني أبداً التوقف عن معرفته. ولا يعني في الوقت نفسه تحريض الناس عليه. فأنت في حاجة إلى السلاح وامتلاك السلاح في حد ذاته رغبة إنسانية أقلها للدفاع عن النفس. أعتقد أن مسؤولية الإعلام في هذا الأمر خطيرة حيث ركز عقولنا على الجانب الأخلاقي في القضية وترك الجوانب النفعية في القضية. لا نعرف من تكنولوجيا الاستنساخ سوى أنها تغيير في خلق الله. من يستطيع أن يغير أمر الله؟ ومن هو هذا الساذج الذي يؤمن أن هناك بشراً يستطيع ذلك؟
طالما أن تكنولوجيا الاستنساخ ما زالت في بدايتها ولم تتحول إلى سلاح فتاك لتحتكرها الدول الكبرى علينا المسارعة إلى توطينها وتأسيس مختبرات كاملة لها. حتى إذا تحولت إلى سلاح نكون جاهزين لإنتاجه للدفاع عن أنفسنا كما تفعل إسرائيل الآن. من غير المعقول أن نجلس نحن نتباكى على الأخلاق الحميدة والآخرون يمضون قدماً في تطوير كل ما يمكنهم من السيطرة على الكون.
إن ما نسمعه من نتائج عن الاستنساخ لا يوازي 10% مما بلغوه في مختبراتهم من تقدم في هذا المجال. يجب ألا ننخدع. فالسياسيون في الغرب أساس عملهم هو النفاق. فإذا وقف بوش يطالب بحماس القديسين بسن قانون يمنع الاستنساخ فهذا لا يعني أن مختبرات بلاده سوف تتوقف. لماذا تنطلي علينا عظاته أو عظات المصلح الطيب شيراك؟
فاكس:4702164
|