* القاهرة مكتب الجزيرة عبد الله الحصري:
كشف أول تقرير عن التنمية الانسانية العربية لعام 2002 الذي أعده برنامج الامم المتحدة الانمائي عن الدول العربية بالتعاون مع فريق مستقل من الخبراء العرب ونشره المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالاشتراك مع الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي كشف عن إحراز معظم الدول العربية تطوراً ملموساً في العديد من نواحي التنمية الإنسانية، حيث ازداد العمر المتوقع عند الميلاد بحوالي 15 سنة خلال العقود الثلاثة الماضية وانخفض معدل وفيات الأطفال بمعدل الثلثين.
و أن معدل الفقر المدقع (أي الحصول على دخل يقل عن دولار واحد يومياً) جاء أقل منه في أي منطقة نامية أخرى. واشار التقرير إلى أن المنطقة العربية تمكنت من تخفيض معدل الفقر وعدم المساواة بشكل كبير في القرن العشرين، وتستطيع أن تحقق ذلك مرة اخرى في القرن الحادي والعشرين وقد غطى التقرير 280 مليون عربي يقطنون 22 دولة عربية في عام 2000، ويشكلون 5% من سكان العالم. والسكان في العالم العربي أصغر سنا من المتوسط من سكان العالم بأسره.
وتشكل الهجرة داخل البلدان العربية ومنها وإليها مظهراً ديموجرافياً مهماً، حيث يعيش نصف عدد السكان اليوم في المدن بينما لم تتجاوز هذه النسبة الربع في عام 1950. ومازالت نسبة النمو السكاني عالية حيث من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى ما بين 410 و 459 مليوناً في عام 2020، ضمن هيكل جديد للأعمار تزداد فيه نسبة المسنين وتقل فيه نسبة الأطفال.
وأشار التقرير إلى أن معدل نمو الدخل للفرد العربي هو الأقل في العالم ماعدا أفريقيا جنوب الصحراء، حيث لم يتجاوز نصف بالمئة سنويا خلال العقدين الماضيين مؤكدا أن استمرار النمو على نفس الحالة من التدني تعني حاجة المواطن العربي إلى 140 عاما ليضاعف دخله، بينما يستطيع المواطن في مناطق أخرى من العالم مضاعفة دخله مرة كل 10 سنوات وذلك لأن إنتاجية العامل العربي ما زالت متدنية وتتجه نحو الانخفاض.
وقد كانت إنجازات الدول العربية وفق مقاييس التنمية البشرية، خلال العقد الأخير، أقل من المتوسط العالمي. غير ان إنجازات الدول العربية على صعيد مؤشرات الدخل كانت أفضل منها على صعيد مؤشرات التنمية الأخرى مما يعني أن المنطقة العربية هي أغنى مما هي نامية، فعلى الرغم من انخفاض معدل الفقر مقارنة مع أجزاء أخرى في العالم، ما زال الوطن العربي مكبلا بأغلال أخرى من الفقر تتمثل في فقر القدرات والفقر في الفرص، التي تنجم عن نقص الحرية.
قلة معدلات وفيات الأطفال
ويتمتع الناس في معظم الدول العربية بمعدل توقع للحياة عند الميلاد أعلى من المعدل العالمي الذي هو 67 سنة. لكن الأمراض والإعاقة يخفضان من معدل العمرالخالي من الإعاقة من 5 إلى 11 سنة. ويقل معدل العمر للنساء العربيات عن المعدل العالمي ويعود ذلك جزئياً لمعدل الوفيات العالي لدى النساء الحوامل. كما أن نسبة الإعاقة أعلى منها عند النساء من الرجال مما يجعل من صحة المرأة أولوية من أولويات صانعي السياسات. لقد تم إحراز إنجازات جيدة في تخفيض معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة. فقد كانت المنطقة العربية أول منطقة في العالم النامي قلصت فيها أغلب البلدان معدلات وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات إلى المعدل العالمي وهو 70 لكل 1000 طفل بحلول عام 1990، ولكن هناك تفاوتاً كبيراً بين الدول العربية وفي كل منها. فهناك تفاوت ملحوظ في نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة. وهناك تحد صحي خطير يتمثل في ارتفاع نسبة توقف النمو (التقزم) التي قد تتجاوز 50% من الأطفال دون الخامسة في بعض البلدان الفقيرة وتلك التي تعاني من النزاعات. وتعتبر حوادث الطرق والتدخين من الأسباب المهمة للوفاة، ففي عام 1998 لقي 182 ألف عربي حتفهم بسبب التدخين.
الدول العربية تنفق 4%
فقط على الصحة
وتنفق معظم الدول العربية 4% من الناتج الإجمالي المحلي على الصحة وهذا أقل من إنفاق الدول ذات الدخل المتوسط التي تنفق 5 ،7%. وتؤثر برامج إصلاح القطاع الصحي سلبا على الفئات الضعيفة في المجتمع.كما يتركز اهتمام النظم الصحية في البلدان العربية على الصحة البدنية دون الصحة العقلية والاجتماعية مما يغفل قياس تبعات عدم الراحة والإحساس بعدم الرضا التي تؤدي بدورها لكثير من الأمراض العضوية. وفي كثير من البلدان العربية لا يستفيد كبار السن من مزايا الضمان الاجتماعي لعدم كفايتها ومحدوديتها، ويركز النظام الصحي في البلدان العربية أيضا بشكل رئيسي على الصحة العلاجية خاصة في المرحلتين الثانية والثالثة مما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة خاصة عند اللجوء إلى استخدام التكنولوجيا، الذي يقود إلى إهمال مرافق الخدمات الصحية لنسبة مرتفعة من السكان.
وفي مجال البيئة اكد التقرير أن 15 دولة عربية تقع تحت خط الفقر في مصادر المياه (أقل من 1000 متر مكعب للشخص في السنة) ولأن تلوث اليابسة يحدث انحساراً في الشواطئ البحرية فإنه يكلف الدول مليارى دولار سنوياً نتيجة الخسارة في مجال السياحة. وقد انخفضت نسبة الأرض الزراعية للفرد في الدول العربية من 4 ،0 هكتارات عام 1970 إلى 24 ،0 هكتار عام 1998 ، وقد أسهمت الصراعات والحروب في الإضرار بالبيئة مما يتطلب وضع استراتيجيات لحماية البيئة، لوضع حد للتدهور البيئي من خلال تشجيع عمليات الإنتاج والممارسات العامة المحابية للبيئة.
زيادة نسبة المتعلمين
وفي مجال التعليم حققت الدول العربية تطوراً ملموسا في زيادة نسبة المتعلمين، حيث انخفضت نسبة الأمية من 60% في عام 1980 إلى حوالي 43% في منتصف التسعينيات. كما تضاعف معدل تعليم المرأة ثلاث مرات منذ عام 1970. ورغم هذا فما زال هناك 65 مليون عربي أمي، ثلثاهم من النساء.
كما أن النسبة التي تنفقها الدول العربية مجتمعة من دخلها على التعليم هي أعلى منها في الدول النامية الأخرى. ففي عام 1995 كانت نسبة طلاب المرحلة الابتدائية أكثر من 90% من الذكور و 75% من الإناث وما يقارب ال 60% من الذكور وال 50% من الإناث في المدارس الثانوية. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عشرة ملايين طفل بين سن 6 و 15 سنة خارج النظام التعليمي. وتبقى نسبة الالتحاق بالتعليم العالي محدودة حيث لا تتجاوز 13%. ومع أن هذه النسبة أعلى من مثيلتها في الدول النامية (9%)، إلا أنها ما زالت أدنى كثيرا من النسب السائدة في الدول الصناعية التي تصل إلى 60%. وما زالت نسبة الفتيات بشكل خاص منخفضة في التعليم العالي ورغم ارتفاع أعداد الأطفال الملتحقين بالتعليم قبل المدرسي، ما زالت نسب الالتحاق هذه دون مثيلتها في الدول النامية وبخاصة فيما يتعلق بالفتيات.
النمو عرضة للتقلبات
في أسعار النفط
وطبقا للتقرير، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل البلدان العربية حوالي 2 ،531 مليار دولار أي أقل من دخل دولة أوروبية واحدة كإسبانيا والبالغ ناتجها المحلي الإجمالي 5 ،595 مليارات دولار أمريكي. لقد أدت برامج التثبيت الاقتصادي في التسعينيات إلى تخفيض التضخم وتقليص عجز الموازنة في العديد من البلدان العربية، كما قامت الحكومات العربية بإنشاء بنى أساسية داعمة للنمو. لكن معدلات النمو ما زالت راكدة وما زال النمو عرضة للتقلبات في أسعار النفط. فقد انخفض الدخل الحقيقي للمواطن العربي مقاسا بمعدل القوة الشرائية إلى 9,13% فقط من الدخل للمواطن في منطقة منظمة التعاون والتنمية في أواخر التسعينات.
12 مليون عاطل
وقدر التقرير حجم البطالة في الدول العربية بما لا يقل عن 12 مليون عاطل عن العمل في عام 1995 أو ما يوازي 15% من قوة العمل. وإذا ما استمرت هذه الاتجاهات فمن المتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 25 مليون بحلول عام 2010. وعلى صعيد البلدان العربية ككل، تقوم عراقيل مؤسسية أمام خلق فرص العمل. فأسواق العمل تقليدية ومجزأة وغير قادرة على أداء وظائفها المفترضة، مما يجعل آلية تداول اليد العاملة ضعيفة وغير فاعلة. كما أن تدابير التصحيح الهيكلي لم تهتم حقا بالاصلاح الهيكلي الذي يضمن بناء أسواق كفؤة وقادرة على المنافسة، أي الإصلاح الذي يضمن الشروط الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي.
ورصد التقرير ثلاثة أمور أساسية تنقص جميع الدول العربية وهي الحرية و تمكين المرأة و المعرفة.. ففي مجال الحرية أوضح استخدام مقياس نقص الحرية إلى أن العرب كانوا الأقل استمتاعا بالحرية على الصعيد العالمي في تسعينيات الألفية الأخيرة وذلك من خلال عدة مؤشرات تقيس مظاهر متنوعة للعملية السياسية والحريات المدنية والحقوق السياسية واستقلال الإعلام, حيث جاءت المنطقة العربية في المرتبة الأخيرة وفق ترتيب لجميع مناطق العالم على أساس حرية التمثيل والمساءلة.
وفي مجال المعرفة شكلت النفقات العلمية نسبة 14% فقط من الناتج الإجمالي العربي عام 1996 بالمقارنة مع 26,1% لكوبا و29,2% لليابان. كما مثل الاستثمار في البحث والتطوير أقل من سبع المعدل العالمي. إضافة إلى ان استخدام المعلوماتية في الدول العربية أقل من أي منطقة أخرى في العالم، حيث لا تتجاوز نسبة مستخدمي الانترنت 6%، فيما يملك 2 ،1% فقط من المواطنين العرب حاسوباً شخصياً.
الفجوة الرقمية
لقد اتسعت الفجوة الرقمية بين البلدان العربية والعالم المتقدم نظرا لأن تقنية المعلومات والاتصالات ذات قابلية عالية للاحتكار والدمج، إضافة إلى ارتفاع تكلفة إنشاء البنية التحتية لقنوات المعلومات فائقة السرعة، وكذلك تزايد هجرة العقول العربية إلى الخارج، وأخيرا الاختلال الشديد في توزيع نطاق موجات الاتصال الأثيري في ما بين الدول المتقدمة والنامية.
كما رصد التقرير تفاوتا معلوماتيا شديدا بين البلدان العربية، حتى تلك التي تتساوى في مستوى التنمية البشرية. وأشار إلى وجود عوائق تعمل على توسيع هذه الفجوة الرقمية داخل كل دولة عربية أهمها عامل اللغة ورغم تركيزالسياسات العربية التي تحاول التصدي لفجوة المعلومات على البنية التحتية لقطاع الاتصالات, إلا أنها لن تؤدي إلى النتائج المرجوة ما لم تقم الدول العربية بالاهتمام بعنصر المحتوى، فمعظم المواد المتاحة على الانترنت متاحة باللغة الانجليزية وهي لغة لا يتقنها إلا القليل في المنطقة، وسيؤدي قلة المواد المتوفرة على الانترنت باللغة العربية إلى حرمان المواطن العربي من المنافع المرجوة في عصر المعلومات.
نشر التعليم الأساسي
وجعله عشر سنوات
يدعو التقرير الحكومات العربية إلى النشر الكامل للتعليم الأساسي مع إطالة مدته الإلزامية إلى عشر سنوات على الأقل، وتوسعة نطاق التعليم بعد الأساسي باطراد. ويدعو إلى استحداث نسق مؤسسي لتعليم الكبار مستمر مدى الحياة وإلى دعم التعلم الذاتي وصياغة علاقة تضافر قوية بين التعليم والمنظومة الاجتماعية والاقتصادية. كما يشير التقرير إلى وجود فرصة أخرى للعرب للتعاون في مجال التعليم، خاصة في مجالات التعليم العالي، وتطوير المناهج، وتطوير المقررات وتدريب المعلم وهي مجالات يوطد التعاون فيها جميعا وحدة اللغة العربية المشتركة.
ويبدأ الاستثمار في المعرفة بوضع برنامج واضح للاستثمار في مجال العلوم والثقافة والبحث والتطوير ولا بد من زيادة حصة البحث والتطوير من الناتج المحلي الاجمالي من مستواها المتواضع والذي يقل عن 0 ،5% لتصبح 2% في نهاية العقد الحالي، وتستطيع المنطقة أن تستفيد من اقتصاديات الحجم الكبيرمن خلال التركيز في مجال البحث والتطويرعلى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وكذلك المتعلقة بندرة المياه والنفط والصحة والمواصفات والمقاييس. كما يجب على الحكومات والمؤسسات أن تستقطب خبرات مليون عربي مؤهل يعملون في الدول الصناعية.
إعادة هيكلة قطاع الاتصالات
وتستطيع المنطقة البناء على بعض التجارب الناجحة في البلاد في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كمدينة دبي للإنترنت والقرية الذكية في مصر، لنشر تقنيات المعلومات والاتصالات، إضافة إلى أنه يجب إعادة هيكلة قطاع الاتصالات بحيث يضمن تخفيف القيود ويفتح المجال أمام المنافسة لتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب.
كما يرى التقرير أن المحتوى وهو أهم عنصر في صناعة المعلومات لم يكن موضع الاهتمام المناسب، الأمر الذي يستدعي أن تبذل جهود كبيرة من أجل تطويره، ويرى أن تعطى الأولوية للتوسع في رقمنة الأصول التراثية بما فيها النصوص المكتوبة والأفلام والتسجيلات الإذاعية والتلفزيونية ووضعها على شبكة الانترنت.
تعبئة إمكانات القطاع الخاص من خلال سياسة مرنة
ويتطلب إنعاش الاقتصادات العربية - طبقا للتقرير- منهجا متعدد الأبعاد ويعتمد بشكل كبير على ترسيخ التنمية الإنسانيةحيث يؤكد التقرير على ضرورة تعبئة إمكانات القطاع الخاص من خلال سياسة مرنة ومحفزة وخلق ظروف تمكن من العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص والقطاع الأكاديمي في مجالات البحث والتطوير بحيث يتم التركيز على مجالات البحث والتطوير التقني كثيفة المهارات البشرية عوضا عن تلك كثيفة رأس المال، وبخاصة في مجال العلوم المعلوماتية مثل التقنيات والرياضيات والفيزياء والنظريات الاقتصادية. أما الحكومات، فيجب أن تتخلى عن معظم النشاطات الانتاجية بينما تقوم على تقوية دورها التنظيمي لضمان الانفتاح والتنافس. ويجب أن يكون الهدف تشجيع التنافس ليس على المستوى الاقليمي فحسب، بل عالميا.
الانفتاح والاندماج
البناء في الاقتصاد العالمي
وأوضح التقرير ان التعامل المجدي مع العولمة يتمثل في الانفتاح والاندماج البناء في الاقتصاد العالمي بحيث تشارك في تشكيله الدول العربية مجتمعة من ناحية، وتستفيد منه من ناحية أخرى , مؤكدا أن الهدف من التكامل العربي يجب أن يكون هو ضمان القدرة على المنافسة والبقاء في عالم اليوم، الذي يتطلب إما خلق اتحاد جمركي، أو سوق مشتركة. حيث يمكن أن يجلب تعاون العرب قيمة إضافية إذا ما تم التركيز في المنطقة على عدد قليل من مراكز التميز المتخصصة حيث تتوافر طاقات متفوقة. ويشمل ذلك تحلية المياه في دول الخليج العربي، وبرمجة الكمبيوتر في مصر والأردن ولبنان، وصناعة الفوسفات في المغرب وتونس، والبتروكيماويات في المملكة العربية السعودية.
وحذر التقرير من أضرار الصراعات والنزاعات، لأنها تمثل معوقات رئيسية أمام تنمية قوية ومستدامة. مشيرا إلى أن حل مشكلة المخاطر العالية للحروب الدولية والإقليمية يتطلب إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي- الإسرائيلي باعتباره يقع في قلب الأزمة السياسية في المنطقة. إضافة إلى ذلك، تتطلب مواجهة المشكلات الناجمة عن الحروب الأهلية إعادة التفكير بشكل أساسي في أسلوب معاملة الأقليات الثقافية والدينية في العالم العربي.
تشجيع القطاع الخاص
على الاستثمار والنمو
وأوضح التقرير أن تحريرالطاقات البشرية في الأقطار العربية يتطلب تمثيلاً سياسياً شاملاً في مجالس تشريعية فاعلة تقوم على انتخابات حرة وأمينة وكفؤة ومنتظمة مع إعادة هيكلة الإدارة العامة لأن الحكومات وموظفي القطاع العام بحاجة إلى أداء مهامهم بشفافية وبشكل فعال وكفؤ. كما أن مؤسسات القطاع العام بحاجة إلى إعادة هيكلة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار والنمو من أجل القضاء على الاحتكار والتخلص من الفساد والمحاباة، كما ينبغي أن يركزإصلاح النظام القضائي في البلدان العربية على أن يكفل القانون والاجراءات الإدارية المرتبطة به حقوق المواطنين وأن يكون متسقاً مع حقوق الإنسان الأساسية وخاصة الحقوق المتصلة بحرية التعبير والتنظيم، التي يكفلها ويحميها قضاء مستقل ينفذ حكم القانون بنزاهة حيث وضع برنامج عمل لتحقيق ذلك في أول مؤتمر عربي معني بالعدالة في عام 1999 الذي أصدر إعلانا باسم "اعلان بيروت بشأن العدالة.
قاعدة اقتصادية متينة
لتحسين التنمية الإنسانية
ويعرف التقرير المنطقة العربية بأنها تلك التي تضم الدول (22) الأعضاء في جامعة الدول العربية. وتتوافر للدول العربية قاعدة اقتصادية متينة لتحسين التنمية الإنسانية، فالمردود لكل فرد أعلى منه في معظم المناطق النامية. وفي حين يتفوق العرب على أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا في التنمية الإنسانية، ما زالوا أقل من أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي وشرق آسيا في مقياس التنمية البشرية حسب تقرير التنمية البشرية العالمي.
ورغم أن الدول العربية الغنية تدين بثرائها للنفط، إلا أن التقرير يشير إلى أنه لا يعاد استثمار عوائد النفط بشكل دائم ومنتج في هذه البلدان أو في المنطقة العربية، و لذلك فإن النمو الاقتصادى لبعض الدول العربية غير النفطية التي تملك اقتصاداً أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على النفط، كمصر مثلاً، قد نمت أسرع نسبياً خلال العقود الثلاثة الماضية بالمقارنة مع الدول النفطية.
و هناك اختلافات هائلة بين الدول العربية في مستوى التنمية البشرية حيث حصلت الكويت على أعلى معدل بين الدول العربية في مقياس التنمية البشرية العالمي وهو أقل بقليل من كندا التي كان ترتيبها في قمة المؤشر مراراً. في حين نجد أن جيبوتي التي حصلت على أدنى علامات ليست أفضل من سيراليون التي حصلت على أقل قيمة بين بلدان العالم حسب مقياس التنمية البشرية.
تحلية مياه البحر في السعودية تجربة ناجحة
لقد حسب مؤشر التنمية الإنسانية لعدد 111 دولة في العالم حيث كانت السويد على رأس القائمة، في حين تراجعت كندا إلى المرتبة الثالثة وتراجع ترتيب البلدان العربية أيضاً عند تطبيق هذا المؤشر، عوضاً عن مقياس التنمية البشرية العالمي التقليدي حيث تصدرت الدول العربية التالية بالترتيب الدولة العربية المشمولة في التحليل (14): الأردن والكويت و لبنان والإمارات العربية المتحدة، تليها المغرب وجزر القمر ومصر. وقد حافظت الأردن وجزر القمر فقط على ترتيبهما على كل من المقياس وأكد التقرير أنه كانت هناك بعض التجارب الناجحة على الصعيد القومي في دمج العمل و التقانة الحديثة ومن هذه التجارب تقنيات استخلاص وتكرير البترول في الكويت وتحلية مياه البحر في السعودية وتصميم خطوط إنتاج السكر في مصر.ولكن بشكل عام يبقى التطور التقني ضعيفا بشكل ملحوظ في الدول العربية.
أما فيما يتعلق بتقنيات المعلوماتية والاتصالات، فإن 1 ،2% من المواطنين العرب فقط يمتلكون جهاز حاسوب ونصف هذا العدد فقط يستخدم الانترنت. والغريب في الأمر أن جميع الدول العربية، فيما عدا الكويت والإمارات العربية المتحدة، تبدو متساوية في افتقارها لتقنيات المعلومات والاتصالات بغض النظر عن موقعها على مقياس التنمية البشرية.
الحاسوب الشخصي أكثر انتشاراً في المنطقة العربية
وقد خلص التقرير إلى أن تخفيض رسوم استخدام الإنترنت يشكل أولوية بالنسبة للمنطقة العربية. والتناقض اللافت للنظر أنه في حين نجد أن الحاسوب الشخصي أكثر انتشاراً في المنطقة العربية منه في أي من مناطق العالم النامي خارج أمريكا اللاتينية، لكن مازال استخدام شبكة الانترنت في المنطقة الأقل في العالم.
ويبين مثال مدينة الانترنت في دبي، التي تعمل بنجاح منذ افتتاحها عام 1999، ما يمكن القيام به في هذا المجال، فقد تمكنت بدعم سياسي وبنية تحتية متطورة، من ربط المدارس الإماراتية والأسر والأعمال، فنجحت في جذب شركات دولية رائدة. ومن المخطط لهذه المدينة أن تذهب أبعد من تأمين الخدمات إلى تقديم تسهيلات للبحث والتطوير.
الناتج الإجمالي المحلي للدول العربية
لقد قدر الناتج الإجمالي المحلي للدول العربية مجتمعة بـ531 ،2 مليار دولار في عام 1999، وهذا أقل من دولة أوروبية واحدة كإسبانيا مثلاً (595 ،5 مليار دولار). رغم أن الاقتصاد العربي ككل يحتاج ان ينمو بمعدل 5% سنوياً على الأقل، لاستيعاب العاطلين عن العمل حالياً والداخلين حديثاً لسوق العمل، فإن النمو الحالي هو بمعدل 3 ،3% فقط. ففي عام 1998 انخفضت المقدرة الشرائية للمواطن العربي بحوالي 13 ،9% بالمقارنة مع المواطن في الدول الصناعية الكبرى.
ومازالت المنطقة تعتمد بشكل كبير على النفط الذي يشكل 70% من الصادرات مما ادى إلى تراجع معدل نمو صادرات المنطقة العربية الذي بلغ 1 ،5% فقط أي ربع معدل نمو الصادرات في العالم وهو 6%.
وبالإضافة لهبوط أسعار النفط، فإن معظم دخل النفط يعاد استثماره خارج المنطقة. غير الدور الذي تلعبه الدولارات النفطية في السوق المالية العالمية، يبقى العالم العربي بعيداً عن العولمة المالية. وتبلغ حصة المنطقة من إجمالي الاستثمار الاجنبي المباشر في العالم 1% فقط، وهي في تراجع مستمر.
القروض الصغيرة
ويبين التقرير أن القطاع المالي العربي نظر إلى آليات القروض الصغيرة التي تبلغ 1% فقط من التزاماته ولكنها ستعود بعوائد اقتصادية واجتماعية جيدة. وهذا سيساعد بدوره على ضمان جعل النمو في مصلحة الفقراء حيث إن نسبة الأسر الفقيرة المستفيدة من الخدمات المالية لا تتعدى 2% من مجمل الأسر الفقيرة، بينما يُقدر عدد المحتاجين للخدمات المالية، والمستعدين لأن يدفعوا مقابلها، بنحو 4 ملايين أسرة.. ويقترح التقرير أيضاً أن تبتعد استراتيجيات المنطقة الطويلة الأمد عن العمل في القطاعات التي لا تتطلب مهارات التي تؤدي الى مردود منخفض، وتشجع الاستثمار والتوظيف في نشاطات تتطلب مهارات عالية وتعطي مردوداً عالياً، الأمر الذي سيعني استخداماً أكبر للحاسوب وتقنيات الاتصال الحديثة ودعماً أكبر للتعليم والبحث والتطوير التقاني في المنطقة.
تحقيق التكامل الاقتصادي
ويؤكد تقرير التنمية الإنسانية للأمم المتحدة أن الدول العربية تملك ما يلزم للحصول على مستويات معيشة جيدة لجميع مواطنيها ولكنها تحتاج إلى تحقيق التكامل الاقتصادي و تقوية أواصر التجارة بين الدول العربية للتغلب على التبعية والضعف، وجعل العولمة أداة تخدم المصالح العربية.كما تحتاج المنطقة لتعاون إقليمي أكبر بسبب الحجم الصغير لمعظم أسواقها المحلية وللنفوذ الكبير الذي يمكن أن تحققه جبهة موحدة في العلاقات التجارية مع كتل تجارية أخرى كالاتحاد الأوروبي مشيرا إلى أن وجود منطقة تجارية عربية حرة هو خطوة نحو الاتجاه الصحيح.
وطبقا للتقرير تبدو المنطقة العربية، نظريا، إحدى أكثر المناطق تقارباً وتكاملاً في العالم في كل المجالات كالدفاع والثقافة والاقتصاد وحرية الحركة للبضائع والناس. وجامعة الدول العربية هي إحدى أقدم الهيئات الإقليمية التي تمتلك العديد من اللجان والمواثيق والاتفاقيات، لذلك فإن نطاقات التعاون العربي المحتمل مخطط لها بشكل جيد جداً وإن كانت لم تطرق بعد.
وبالرغم من جميع الاتفاقيات، فإن التجارة العربية البينية لا تشكل أكثر من 7 إلى 10 % من التجارة العربية الخارجية. وأن هذا المعدل لم يتغير منذ الخمسينيات من القرن الماضي، حيث يتدفق الاستثمار العربي نحو الدول الصناعية الكبرى أكثر من تدفقه نحو الدول العربية الأخرى.
الصناديق العربية
قام المستثمرون العرب بثلاثة آلاف مشروع تجاري برأس مال بلغ 29 مليار دولار.. وُتظهر بعض التجارب الناجحة أن التعاون ممكن، ومن هذه التجارب المبادرات التي يدعمها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار، بالإضافة للعديد من الشركات الإنتاجية والتحويلية والمصرفية العربية المشتركة.
لقد دعم الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي إقامة الشبكات الكهربائية بالإضافة لشبكات المواصلات والاتصالات، حيث خفض وصل الشبكات الكهربائية من حاجة قطاع الكهرباء للاستثمار وزاد من الاستخدام وقلص من التكاليف، ومن الممكن أن يؤمن توسع شبكة الكهرباء هذه ليشمل جميع الدول العربية سوقاً للكهرباء توازي تلك الموجودة في أوروبا والأمريكيتين، كما سيزيد تحسين شبكة الطرقات والسكك الحديدية من تبادل البضائع بين الدول العربية.
|