* طهران أ ش أ:
يتصاعد التوتر في المنطقة يوماً بعد يوم بسبب تطورات الأزمة العراقية وتتكثف سحابات التوتر ويخيم القلق على دول المنطقة بشأن مستقبل المنطقة في حال بدأ الهجوم الأمريكي على العراق.
وتهتم دول المنطقة وبخاصة الدول المجاورة للعراق كل دولة لاعتبارات خاصة بها بالتطورات هناك نظراً للانعكاسات المحتملة على المنطقة عموماً وكل دولة خصوصاً.
وتأتي إيران في مقدمة الدول المجاورة للعراق والمنخرطة بشدة في الشأن العراقي لأسباب جغرافية وتاريخية وثقافية وديموغرافية.
وبالإضافة إلى هذه العوامل تأتي المواجهة المرتقبة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في وقت أدرجت فيه الأخيرة إيران ضمن دول (محورالشر) الذي يتكون من إيران والعراق وكوريا الشمالية.. مما يزيد من الاهتمام الإيراني بتطورات الموضوع تخوفاً من أن تصبح طهران المحطة التالية للأعمال العسكرية الأمريكية.ويلاحظ الزائر للعاصمة الإيرانية طهران السخونة المتزايدة في الأجواء السياسية هناك على رغم الثلوج التي تغطي سلسة جبال البرز المحيطة بطهران وذلك بسبب الأهمية الفائقة التي توليها إيران للتوترات الجارية في المنطقة.
وبالطبع فإيران الدولة والنظام لا تؤيد النظام العراقي الذي خاض ضدها حرباً استمرت ثماني سنوات دمر خلالها قسماً لا يستهان به من البنية التحتية الإيرانية وأودى بحياة مئات الالوف من أبنائها وكلفها عشرات المليارات من الدولارات.. ولكن إيران تتخوف من تداعيات الإطاحة بالنظام العراقي على أمنها القومي ودورها المستقبلي في الخريطة الجديدة للمنطقة.
ولأجل تحقيق الحد الأدنى من المصالح اعتمدت الدولة الإيرانية في الشهور الأخيرة تكتيكات سياسية معقدة ترتكز على محاور متعددة للإفلات من (المصيدة الأمريكية) كما يقول السياسيون الإيرانيون.
فمن ناحية كان وزير الدفاع الإيراني الأدميرال علي شمخاني قد ألمح إلى إمكان غض الطرف عن دخول الطائرات الأمريكية إلى الأجواء الإيرانية في أثناء عمليات محتملة ضد العراق على غرار ما حدث إبان حرب أفغانستان والتسهيلات الإيرانية الضمنية المقدمة للقوات الأمريكية في السنة الماضية.
وفي الوقت ذاته حرصت إيران على تبادل الرسائل مع دول الاتحاد الأوروبي وبخاصة ألمانيا للتشاور في الموضوع وذلك كسباً لتأييد الدول الأوروبية للمواقف الإيرانية.
أما العلاقات المتميزة مع روسيا فقد ازدادت تميزاً بتوقيع إيران وروسيا اتفاقات جديدة لتطوير مفاعلات إيرانية نووية مخصصة للأغراض السلمية وبتكلفة مليارات من الدولارات تؤيد التيار المؤيد لاستمرار العلاقات مع إيران في أروقة الكرملين.
وتحتفظ اليابان بعلاقات أكثر من ممتازة مع إيران حيث كانت طوكيو هي إحدى المحطات الهامة في جولات الرئيس الإيراني محمد خاتمى إلى الخارج وذلك بسبب أن طهران هي المورد الأساسي للنفط إلى اليابان في العالم.وبالإضافة إلى ترتيب وتثبيت العلاقات الدولية لطهران شهدت الأسابيع الماضية انفتاحا إيرانيا لافتاً على دول الجوار لإعادة ترتيب الطموحات والتحالفات الإقليمية لإيران.
وفي هذا الإطار يمكن تفسير أهداف زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمى إلى باكستان باعتبارها نقلة نوعية جديدة في العلاقات بين إسلام أباد وطهران حيث عرضت إيران التوسط في النزاع الهندي الباكستاني وما يعنيه ذلك من زيادة تأثيرها في منطقة شبه القارة الهندية.
وتميزت الفترة الأخيرة أيضاً بزيادة وتائر التنسيق مع دول الخليج العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية التي ترتبط معها باتفاقات أمنية متعددة.
ولا تفوت في هذا السياق ملاحظة الاندفاع الإيراني الجارف لعودة العلاقات مع مصر على لسان أكثر من مسؤول وبخاصة في حديث وزير الخارجية كمال خرازي إلى موفد وكالة الشرق الأوسط إلى طهران قبل أسبوع وذلك بسبب الثقل المصري في المنطقة ورغبة طهران في تجديد تحالفاتها الاقليمية استباقا للتطورات في العراق.
وعلى الصعيد الداخلي كانت الإشارة الذكية لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني باستقباله وفدا من الطائفة اليهودية في إيران برئاسة عضو البرلمان الإيراني عن اليهود موريس معتمدي وتأكيد رفسنجاني على الالتزام بالحفاظ على حقوقهم بجمهورية إيران الإسلامية بغض النظر عن التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط.
وبالتوازي مع هذه الإشارة الذكية يمكن ملاحظة التوافق النسبي بين جناحي النظام الإيراني المحافظ والإصلاحي على توصيف المصالح العليا لإيران في المنطقة وتقليص رقعة الخلاف بين الطرفين إلى مستويات أقل تتعلق بقضايا داخلية إيرانية وليس بدور إيران في المنطقة.
وبالتوازي مع التحركات الدولية والاقليمية والإشارات المتعددة للولايات المتحدة الأمريكية لا يزال بعض رموز التيار المحافظ مستمرين في حملتهم الإعلامية على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تقتصر التكتيكات الإيرانية على المحاور الدولية والاقليمية والداخلية فقط.. بل امتدت إلى توجيه المعارضة الشيعية العراقية الموالية لها في تناغم يعكس إجادة النظام الإيراني للتعامل مع التناقضات وتوظيفها لصالحه.
وعلى هذا الأساس يمكن اختصار الموقف الإيراني من النزاع على العراق بأنه أولاً يعارض الحرب تخوفاً من تأثيراتها على إيران ذاتها وليس بسبب التأييد للنظام العراقي.
وبرغم الفورات الإعلامية والتصريحات النارية من أطراف إيرانية متشددة يمكن ملاحظة المحاولات الإيرانية الساعية للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقليمية في ظل سياسة براغماتية تريد الوصول إلى توافق مع الولايات المتحدة الأمريكية يضمن مصالح إيران في الترتيبات القادمة للمنطقة.
|