تمثل الرواية أحد أبرز الفنون الأدبية التي شاعت وانتشرت في عصرنا الحديث، حيث كان للاتصال الحضاري بين الثقافة العربية والثقافة الغربية دور في هذا النمو والتطور الذي طرأ على الرواية العربية، وكانت الحملة الفرنسية على مصر بداية اولى لهذا التأثر، حتى برز في أدبنا العربي مجموعة كبيرة من الروائيين البارعين لعل تتويج الكاتب نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب لمسة تبين هذا الطريق الذي تبوأته الرواية العربية.
الرواية في المملكة كانت متأثرة في بداياتها بالبدايات العربية المتنوعة، وحاكتها في عدد كبير منها، ولعل باكورة الرواية في المملكة والمتمثلة في (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري وما تبعها من روايات لأحمد باكثير لهي اشارات لبداية الكتابة الروائية في المملكة، وذيوعها في العقدين الأخيرين وبروز عدد من الروائيين المبدعين.
والقاصة قماشة العليان إحدى اللواتي تسنمن هرم كتابة القصة القصيرة والرواية في المملكة في السنوات الأخيرة، وبرزت بشكل ملفت من خلال جهد روائي ملفت ورائع إذا أخذنا الأبعاد الزمانية لإنتاجه، ولعل حصول روايتها (عيون على السماء) على الجائزة الاولى في الرواية لجائزة أبها لعام 1418هـ، تتويج مستحق لجهود الكاتبة في هذا المجال الحيوي الهام من فنون أدبنا العربي.
والكاتبة قماشة العليان تعتبر حاليا إحدى أبرز كتاب الرواية في المملكة، خاصة مع قلة المبدعين في هذا المجال، تتميز لغة قماشة العليان بالسهولة والوضوح، والبعد عن التعقيدات اللفظية أو اختيار المفردات الصعبة على ذهن المتلقي العادي، ويساهم هذا باندفاع القارىء نحو النص الروائي بنفس متساو ورغبة كبرى في إكمال القراءة حتى النهاية.
الموضوع الذي تدور حوله بعض روايات القاصة قماشة العليان، هو النسق الاجتماعي من خلال تصوير لواقع الحياة من خلال عدد من العلاقات الإنسانية، التي تربط أبناء الأسرة الواحدة، كذلك تبدو محاكاة الكاتبة لعدد من القضايا التي يمارسها المجتمع متأثرا لدرجة واضحة، كقضايا التعدد في الزواج، أو زواج كبار السن من الصغيرات، وظلم الآباء للأبناء والزوجات، وغيرها من صور عدة تنقلنا لبعض تفاصيل المجتمع الذي نعيش فيه.
هذه الصورة الكبرى للمجتمع لا تخلو من بعض السلبيات والأحكام المسبقة والدائمة لدى القاصة، فمما قرأت في بعض رواياتها، وجدتها دائما تحاكم الرجل، وتضعه في قفص الاتهام إزاء أفعال لا تبدو بذات القدر من العنف أو الهم الكبير، وصورة الرجل لدى قماشة العليان في غالبها ليست ناصعة، بل هو الأب القاسي الذي يتسبب في تعريض ابنه للانتحار مرات بسبب قسوته وسوء تربيته ورفضه التعاون في علاجه (بكاء تحت المطر) وهو أيضا الأب اللعوب الذي يتسبب في وفاة زوجته وعدم اكتراثه بوفاة ابنته، ويدفع ابنته الأخرى للزواج بشيخ طاعن في السن، وهو أيضا الشاب العابث الذي يصاب بمرض الإيدز نتيجة علاقاته المحرمة، وهو ابن الشيخ الكبير الذي يطرد زوجة أبيه ويحرمها من حقوقها (بيت من زجاج) وهو أيضا الأب الذي يدفع ابنته لتكون زوجة أخرى لرجل آخر بسبب ثرائه، والرجل المزواج الذي يترك زوجته وأبناءه (عيون على السماء).. وغيرها من الصور التي كانت تحاكم الرجل رغم أن بعض الافعال قد تكون واقعية ولا تستحق أن ينظر لمرتكبها نظرة خاطئة، كزواج الأب بعد رحيل زوجته بشهرين، وغيرها، هذه النظرة للرجل والتي لمستها بوضوح من خلال قراءاتي القليلة لروايات الكاتبة قماشة العليان، قد تكون نتيجة للصورة الماثلة في بعض الحالات التي يشهدها المجتمع هنا وهناك، ومن تعسف في طباع الرجل، وقسوة في تعامله مع المرأة، ولكنها تظل صورة غير غالبة بمعنى أن تبقى صور أخرى ناصعة للرجل لم تبرز لنا من خلال قصص الكاتبة قماشة العليان، وربما أن للصوت الذي تدير به الأخت قماشة قصصها غالبا وهو صوت (المرأة) دورا في هذه الأحكام الجائرة تجاه الرجل، فهي تدير قصصها بصوت وحس وشعور أنثوي غالبا، الطبيبة في (بكاء تحت السماء) ومنى (بيت من زجاج) وهدى (عيون على السماء)، حتى أنها في بعض القصص كانت تحرمنا من معرفة المشاعر التي تضطرم في نفس (الآخر) من خلال المعاناة التي يعيشها، ففي (بكاء تحت السماء) لم نسمع صوت (خالد) المريض.. ولم نعرف كنه مشاعره تجاه الطبيبة، وفي (بيت من زجاج) كذلك لم نعرف الشعور الداخلي من خلال صوت الشاب (وليد) المريض بالايدز، ربما أن الإحساس بالأنثى بحكم الجنس أقوى لدى الكاتبة، لكن هذا لا يمنع من الدخول في قلوب وعقول الشخصيات الأخرى لتمنح القصة بعدا أشمل.
هذا الرأي لا يعني ان هناك خللا فنيا في الكتابة القصصية، بالعكس فقد استمتعت كثيرا بقراءة ذلك النتاج الذي يفخر به أي متابع لأدبنا المحلي، يغلف ذلك الإعجاب، الإبداع الأسلوبي المغلف برومانسية ناعمة من لدن الكاتبة قماشة العليان تجعل القارىء يتفاعل عاطفيا وشعوريا مع شخصيات القصة.
هنيئا لأدبنا المحلي بمثل هذا التميز الروائي، من خلال الكاتبة قماشة العليان.
|