عرفته رحمه الله رجلاً معمماً؛ يمتلك ناصية الكفاح والرجولة والكرم المجبول عليه؛ كريم في منزله؛ وكريم في كلمته وكريم في جاهه وكريم في إخلاصه لله. وكان يحب الفقراء؛ ويتمتع بالصبر والأناة والرفق في ردة الفعل وكان قوياً جداً؛ هكذا عرفناه عن كثب وبُعد.
عبدالمحسن التوم؛ نبيل من نبلاء قومه كان الكل يرى فيه الرجل العربي الصميم؛ فهو يعيدك إلى عصور العرب الأقحاح؛ إنه رحمه الله أنموذج متفرد يغريك بالحديث والمعرفة وذكاء الفطرة؛ ويشدهك حينما يتكلم في موضوع ما؛ حتى لتتخيل أنك أمام متخصص في هذا الموضوع؛ بالرغم من تعلقه الشديد ببداوته؛ لم ينل شهادة إلا شهادة العارفين له بتفوقه وارتفاعه.
ولعلَّ السؤال الذي يقرضه الناس العارفون له رحمه الله هو: لماذا تعلقوا به وهم بعيدون عنه؟ أو لماذا إذا جاء ذكره بين أي مجتمع يعرفه قالوا: والله ونعم الشيخ؟ أعتقد أن أنموذج الشيخ عبدالمحسن أنموذج يصعب البديل له؛ فهو حكيم وداهية ولطيف وقوي وصاحب فكر نيِّر.
وكانت آخر مقابلة لي مع الشيخ عبدالمحسن رحمه الله في حفل أقامه اللواء متعب الرقاص في الرياض ودعيت له؛ فكان الشيخ قد تقدمت به السن ولا يجلس إلا على كرسي؛ سألني بقوله رحمه الله : أأنت ابن مداد أو ناصر؟ قلت بل ناصراً.
هز رأسه بحزن وقال إيه راحوا الطيبين يا ولدي. قالها بحزن عميق وكأنه يجذب أنفاسه من عمق قلبه الكبير حزناً على رعيله الذين يعرفهم.
قلت: الدنيا بخير إلى الآن.
هز رأسه مرة أخرى وقال: الله المستعان.
حدثني أحد العارفين له عن قرب أنه قال: يا ولدي، الرجل الذي لا يصبر لا يظفر؛ إن من صفات شيخ القوم أن يكون حليماً وصبوراً وأن يتجرع المر ويصبر عليه؛ خاصة من قومه الأقربين؛ المرجلة صعبة يا ولدي والكرم للشيخ هو سلاحه، لذلك فلا ينالها إلا الصابرون الكرماء.
كان الشيخ عبدالمحسن التوم رحمه الله رجل كفاح من الطراز الأول؛ وصاحب هِمَّة قعساء وقوي الشخصية بلا جفاء ولا استعلاء؛ وكان يتحدث إلى الصغير بحنان ورفق؛ كما يتحدث إلى الكبير بحزم وعزم واحترام؛ لذلك وصل إلى قلوب الناس بتلك الصفات التي هي صفات نبلاء العرب الأقحاح؛ وها نحن نودعه اليوم؛ إذ ترجَّل الفارس وودع الناس وهو مقيم في قلوب العارفين لصفاته رحمه الله ؛ وحينما نذكر محاسن موتانا ندعو لهم بالرحمة والغفران؛ فرحمك الله يا أبا مرزوق.. والعزاء لأسرته ولقومه ومحبيه جميعاً.. والله المستعان.
|