Sunday 5th January,2003 11056العدد الأحد 2 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحلول الاقتصادية والخروج من مأزق السياسة الحلول الاقتصادية والخروج من مأزق السياسة
د. عبدالعزيز إسماعيل داغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض

قد يكون التضخم من الظواهر الاقتصادية التي لا تكاد تنجو منها معظم الدول بصرف النظر عن نوع نظامها الاقتصادي ومنهجها السياسي ويبدو أن عدم قدرة الحكومات، خاصة في الدول التي تعاني من معدلات تضخم مرتفعة، على المراقبة أو التحكم في حجم الإنفاق المخصص للمؤسسات الحكومية تمثل سبباً رئيسياً لمشكلة التضخم. ولعل السمة الغالبة على معظم الاقتصادات التي تعاني من معدلات مرتفعة من التخضم هي تحكم أجهزة الدولة أو إعانتها للقطاعات والأنشطة الاقتصادية المهمة والتي تكون في يد القطاع الخاص في الدول الرأسمالية التي تتبع نظام الاقتصاد الحر. ولكي نكون أكثر تحديداً، فإن الأسباب التي تؤدي إلى أن تعاني بعض الدول التي يسود فيها القطاع العام على فعاليات الاقتصاد أكثر من غيرها من مشاكل التضخم ترجع إلى أسباب هيكلية تفرضها طبيعة مؤسساتها الحكومية وسياساتها المالية والنقدية. ويعود حجم تلك المعاناة بالضرورة إلى الصعوبة العملية التي تواجهها حكومات تلك الدول في مراقبة الإنفاق الحكومي على مؤسسات القطاع العام المختلفة. وخلال السنوات الماضية، فإن أعلى معدلات التضخم في العالم قد سجلت في تلك الاقتصادات التي كان من الصعب فيها تحديد كيفية توزيع الإنفاق الحكومي، بينما سجلت أقل معدلات التضخم في الدول التي كانت فيها قنوات الإنفاق الحكومي واضحة ومحسوبة بدقة. وقد يعتقد البعض أن النظريات الاقتصادية قد فشلت في مواجهة هذه المشاكل التي تصب في صلب الفكر والممارسة الاقتصادية، وهو اعتقاد خاطئ، لأن الاقتصاديين قد طرحوا عدة حلول لمثل هذه المشكلات إلا أنها كانت ولا تزال تصطدم في التطبيق ببيروقراطية الحكومات وطبيعة مؤسساتها المالية والنقدية. وعلى سبيل المثال، فإن الاقتصاديين يقولون بأن تمويل العجز في ميزانية الدولة بزيادة معتدلة في عرض النقود يمكن أن يكون سياسة حكومية صحيحة في كثير من الحالات، ولكن هذه السياسة قد تفشل في الدول التي تعاني من معدلات تضخم مرتفعة ويصعب التحكم في زيادة كمية النقود المعروضة بسبب عدم قدرة الحكومة، مرة أخرى، على مراقبة كيفية صرف النقود الجديدة. وليس من الصعب أن نسوق مثالاً نظرياً على ذلك، افترض أن وزارة الأشغال العامة في دولة ما طلبت من الحكومة تمويلاً، منطقياً، لإصلاح وتجديد جزء من خطوط سكك الحديد التي لم تعد صالحة للعمل وصارت مصدراً لتعريض القطارات والركاب للخطر. وعندما خصصت الحكومة المبلغ اللازم لتمويل هذا المشروع، فإن التمويل قد ينتهي عملياً في الصرف على مستحقات تقاعد مجزية لعمال السكك الحديد أو إعانة حكومية لتكلفة الشحن على القطارات استجابة لضغوط من جماعات نافذة تستفيد من قطاع النقل في القطارات. وهكذا، تسقط الحلول الاقتصادية في مستنقع السياسة، ولا يستغرب القاريء لو قرأ عن سيطرة بعض المسؤولين في القطاع العام على الفعاليات الاقتصادية في الدول التي يسيطر فيها القطاع العام على النشاط الاقتصادي لدرجة أن بعض مؤسسات القطاع العام قد ترفض تقديم بياناتها المالية أو ميزانياتها السنوية حتى للمسؤولين المعنيين في الحكومة. لهذا فإن الحكومة عندما لا تستطيع مراقبة أو التحكم في الإنفاق الحكومي، فإن أي محاولة لتمويل إنتاج السلع أو الخدمات عن طريق مؤسسات القطاع العام مع معدلات تضخم منخفضة، ستؤدي إلى ضغوط سياسية بزيادة المعونات.
وينتهي الأمر، إذا نجحت تلك الضغوط، بأن تتحول معدلات التضخم المنخفضة إلى معدلات تضخم مرتفعة ربما يصعب التحكم فيها.
هذه المعضلة الاقتصادية ليست جديدة، ولكنها تفرض نفسها الآن في ظل المتغيرات الاقتصادية الراهنة وتصرخ مطالبة بالاتفاق بين رجال السياسة ورجال الاقتصاد للاحتكام إلى كلمة سواء ينطبق فيها المنطق الاقتصادي على الممارسة السياسية، ولعل اتجاه معظم الدول العربية في الآونة الأخيرة إلى تفعيل برامج التخصيص ونقل ملكية وتشغيل مؤسسات القطاع العام التي تمارس أنشطة اقتصادية ذات طابع تجاري إلى القطاع الخاص، سيسهم إلى حدٍ كبير في الحد من الكثير من المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد العربي منفرداً ومجتمعاً.
وستكون السياسات المالية والنقدية في تلك الدول قادرة، عندئد، على علاج معظم تلك المشكلات والتي لا يخلو منها أي اقتصاد، خاصة وأن الدول العربية تمتلك كفاءات اقتصادية متميزة قادرة على تحمل مسؤوليتها في تخصصها. المهم، ألا تكون تلك الكفاءات في مأزق يبدد فيه الواقع السياسي ضوء الفكر الاقتصادي فيكون سراباً تتيه معه الحلول ويصبح الممكن مستحيلاً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved