قال الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
فالأمم التي تريد أن تنهض حقاً تعيد الحيوية لأحاسيسها البشرية والإنسانية، فتستعيد ما فقدت أو يمكن أن تفقد من كرامتها فتنطلق.
ولكن الشعوب والأمم التي قبلت الهوان والذل فإنها لا تنهض ولن تنهض ومهما طال الزمن فإن ما تحققه من إنجازات يبقى قائما على السخرة والاستئجار وحب الحياة.
(6) وّلا يّتّمّنَّوًنّهٍ أّبّدْا بٌمّا قّدَّمّتً أّيًدٌيهٌمً وّاللَّهٍ عّلٌيمِ بٌالظَّالٌمٌينّ} وربما حققوا بعض التقدم المادي ولكن يبقى تشبثهم بأي نوع من الحياة جعلهم يميلون إلى مهن فيها الحرام التام أو أن نسبة الحرام تجاوزت نسبة الحلال. أما الحرام الكامل فعملهم في الخمر والميسر وأنواع اللهو المحرم. ويخلطون بين الحلال والحرام في مهن كثيرة.
ولقد كان جنود الأمة الإسلامية الذين هزموا أكبر إمبراطوريتين أبعد الناس من الحرص على الحياة. فقد وصفهم جندي رومي دخل معسكرهم متجسساً فقال: «وجدتهم فرساناً بالنهار رهباناً بالليل، لا يظلم فيهم أحد ولو سرق ابن أميرهم لأقاموا عليه الحد». هؤلاء الجنود كانوا أحرص على الموت منهم على الحياة حتى قال قائلهم «احرص على الموت توهب لك الحياة».
وأما ما حدث في الأمة الإسلامية حين خلدت إلى الحياة الدنيا وبدأت تتنازل عن كرامتها وحريتها حتى انتشرت فيها الأمثال الشعبية الكثيرة التي تكرس حب الحياة أي حياة كانت ولو كانت مليئة بالذل والهزيمة. ومن هذه الأمثال ما يأتي:
«ألف مرة جبان ولا مرة واحدة الله يرحمه».
دارهم ما دمت في دارهم.
من يتزوج أمنا هو عمّنا.
أمش الحيط الحيط وقل يا رب السترة عليك.
إذا كان لك حاجة عند .... قل ....
كم من الحقيقة تحمل هذه الأمثال الشعبية؟ لقد قلبنا المعاني الحقيقية لبعض هذه الأمثال أو أننا وضعناها لنؤكد النفسية الانهزامية التي تخاف أن تقول الحق أو تحرص على الكرامة الإنسانية. إن الدولة الإسلامية الأولى أعلت من شأن حصول الإنسان على كرامته حتى جعلت أي مسلم من حقه أن يجير على الدولة وأن يسعى بذمة المسلمين كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم «المؤمنون يجير عليهم أدناهم، وهم يد على من خالفهم» وقد تحقق هذا في أكثر من موضع فقد أجارت زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها وهو مشرك، حيث صاحت والمسلمون في المسجد بعد صلاة الفجر بقولها: أجرت زوجي الربيع، وفي المرة الثانية أجارت أم هانئ من أجارت من المشركين فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم «أجرنا من أجرت يا أم هانئ».
بل إن الإسلام حقق الكرامة البشرية لغير المؤمنين به ممن كانوا يقيمون في حدود الدولة الإسلامية وفي ذمتها حتى إن القبطي الذي اشتكى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام ابن الوالي على مصر بضرب ابنه فما كان من عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أن أمر القبطي أن يضرب عمرو بن العاص رضي الله عنه لأن ابنه لم يجرؤ على ضرب القبطي لولا سلطان أبيه وقال تلك القولة الخالدة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».
لقد صدع المسلمون بالحق في وجه قريش عندما بلغوا أربعين رجلاً فساروا في شوارع مكة في صفين. ولله در الشيخ حسن أيوب حينما وصف هذا المنظر الرهيب والمشهد البديع، أربعون رجلاً يقفون في وجه قريش كلها بما لها من قوة وسطوة وجاه. ولنستمع إلى العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه حينما قال لوفد المدينة الذين آمنوا بالله ورسوله وبايعوه بيعة العقبة الثانية: أتعرفون علامَ بايعتم الرجل؟ لقد بايعتموه على حرب الأحمر والأصفر «العالم كله» فهل أنتم موفون له بيعته؟».
نعم، إن كنا نريد أن ننهض فعلينا أن نسعى إلى أن يستعيد الإنسان العربي المسلم كرامته ليعيش مرفوع الرأس قادراً على العطاء والإبداع. والله الموفق
www.medinacenter.org
|