Sunday 5th January,2003 11056العدد الأحد 2 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
التفكير بالنيابة
د/ فارس محمد الغزي

هناك كما تعلم العديد من أعباء الحياة التي تستطيع تفويض أمر القيام بها «نيابة عنك» إلى غيرك، فبمقدورك على سبيل المثال أن تعهد إلى من تشاء إدارة أعمالك التجارية، أو الترافع بالنيابة عنك أمام القضاء، مثلما أنه بإمكانك أيضا تخويل من تريد مسؤولية القيام بمهمات«غير مهمة!» كقيادة مركبتك وخدمتك المنزلية وخلاف ذلك، تفعل كل ذلك بتلقائية وعلانية، ولا يضيرك ذلك بشيء حتى لو أعلنت على رؤوس الأشهاد بأن فلانا من الناس هو مدير أعمالك.. أو محاميك.. أو سائقك الخاص.. أو حتى خادمتك، بل إنك لو تفقدت صفحات الإعلانات في الجريدة التي تمسك بها اللحظة هذه لوجدتها حبلى بما يشبه ذلك من الإعلانات.
والسؤال هو: هل تستطيع أن توكل إلى غيرك أمر التفكير«نيابة عنك..؟!»، وعلى افتراض أنك فعلت ذلك في «السر» على سبيل الافتراض.. هل ستجرؤ على إعلان ذلك..؟ دعني أقول«نيابة عنك!» إن موقفك هو الرفض القاطع لفكرة منح حقوق التفكير إلى غير فكرك، وما ذلك إلا لأنك تعلم علم اليقين بأن حياة الإنسان محورها الأساس هو قدرته على التفكير بذاته لذاته، ومن أبلغ الأدلة على ذلك حقيقة أنه بمقدور الفرد أن يتبرع لأخيه الإنسان بكبده.. بكليتيه.. برئته.. حتى بقلبه، غير أنه من المحال عليه أن يمنحه بعضا من «عقله».. فعملية التفكير بالنيابة هي عملية «نقل أعضاء» فاشلة في الأساس برفضها الواقع منطقيا مثلما يرفضها الجسد أكلينيكيا وماذلك إلا لأن التفكير بالنيابة خرق لناموس خلق الإنسان باستقلالية في الفكر، كما في الجسد ولو حدث أن لتصق مولودان ل«عقليا» لسارع الانسان بكل تأكيد إلى فصلهما عقليا، كما يفعل ذلك جسديا مع أي طفلين «سياميين» يولدان ملتصقين ببعضيهما الآخر.
إن التفكير بالنيابة هو العدو اللدود لمفهوم «العقلانية» بمعناها الإسلامي الراشد، ولن يبلغ الرشد من لم يبلغ أشده«العقلي»..، فضلا عن أنه تعطيل للعقل الذي به ميز الله سبحانه الإنسان على سائر مخلوقاته.. فالتفكير بالنيابة دعوة إلى إهمال القدرات الذاتية، بل هو في الحقيقة مصنع خطام الانقياد والخضوع ومعين الكسل والاتكالية ومصدر ضعف الشخصية واكسير انتفاء الثقة بالذات..، فليتنا نعي تربويا حقيقة أن الضمور في الأفكار أخطر من الضمور في العضلات.. فنبادر من ثم إلى تحصين تلاميذنا ضد داء التفكير بالنيابة عن طريق الضخ في عقولهم المقادير المناسبة من فيتامين «ت-ذ».. أو التفكير ذاتيا..!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved