* أبها سعيد آل جندب:
نظم نادي أبها الأدبي مساء الاثنين الماضي قراءة نقدية للأعمال الفائزة بجائزة النادي الثقافية «34» وذلك ضمن فعاليات ملتقى الشعر والقصة الخامس وتلا القراءات الدكتور ثامر السلوم أستاذ النقد بجامعة الملك خالد في مجال القصة والاستاذ أحمد التيهاني المحاضر بجامعة الملك خالد ورئيس تحرير مجلة المفتاحة الثقافية في مجال الشعر..
وبدأ التيهاني قراءته للنص الفائز بالجائزة الأولى للشاعر حاكم بن محمد الصحيّح وعنوانه (يا بحر يا شيخ الرواة) ورأى ان هذه القصيدة تولد النظرة الامتثالية التي ترى أن الشعر خاضع للعقل وهي تعود إلى الحق عند النظر إلى مناقضات المنطق الماثلة في التهويمات والهذيان اللذين لا يأخذان النص إلى نهاية تجعله نصاً واحداً من الناحية العضوية وهي تجاوز التراكمات النقدية التي تعترف بالأعمال الكلاسيكية ذات النفس المستديم والخصائص المطاطية تجعلنا نقف أمام نص متجاوز إذا ناقضنا أو تخلينا عن مفهوم الحالة أوالومضة الإبداعية.
كما عمد الصحيح والحديث للتيهاني إلى الإثارة حين يكون المعنى قريباً من القارئ لأنه معنى شائع مما يجعل المتلقي يصدح بإعجابه للوهلة الأولى ثم لا يلبث هذا الإعجاب الفلاشي أن ينطفي حين تنكشف له الفكرة السيرة.
ثم تناول التيهاني القصيدة الفائزة بالمركز الثاني للشاعر محمد إبراهيم يعقوب بعنوان «تراتيل العزلة» ورأى أنه يمارس نوعاً من الاستبطان النرجسي التساؤلي العتيق وعلى الرغم من أن الملاحظة الموضوعية للذات والتراسل الاستفهامي للتعبير عن العجز في الإبانة عنها فعل شعري مكرور إلا ان قدوم النص في قسمات لغوية غير عادية جعله جديراً بالاهتمام. ومن الناحية الوحدوية نجد النص قطعة شعورية واحدة تؤيد المقياس الجمالي الحديث القائم على وحدة العمل الأدبي.
وأكد أنه من القراءة الأولى أتضح ان يعقوب شاعر متسع القراءة الفنية يعرف قيمة الكلمة الشاعرة لكن تجربته بالرغم من حداثتها وجرأتها امتداد سطور لتجارب شعرية أخرى.
واعتبر القصيدة الفائزة بالمركز الثالث للشاعر السوري جابر أبو حسين التي حملت عنوان «من حوارية الورد» قد جاءت لتكون انموذجاً للحيرة بين الرومانسية المطلقة والرمزية التي تقف في طريق البرناسيّة القديمة.
ويظهر النص رومانسياً خالصا للوهلة الأولى لكنه ما يلبث أن يتحول إلى رفض شفاف للواقع الذي ينافيها أو يرفضها.. وفي بعض مقاطع القصيدة توضح تداعيات هروب من كبت لا شعوري وقد يكون التحول إلى رفض العقل التلقيني نوعاً من الفلسفة الرمانسية أو الرمانسية الفلسفية التي مارسها من قبل جبران خليل جبران.
عقب ذلك تحدث الدكتور ثامر السلوم عن فرع القصة وبدأ بقصة (تفاصيل صغيرة.. للغبار) للقاصة نورة العتيبي الفائزة بالمركز الأول وقال الدكتور: إن في هذه القصة ظاهرة تكتيكية طريفة لو أحسسنا فهمها لقبلنا الشكل القصصي التي وصلت إلينا به ووضعناه في موضوعها الصحيح تلك الظاهرة تتلخص في أن صراعاً يدورفي (تفاصيل صغيرة للغبار) بين القصة والمقالة وهو صراع ينتهي بأننا أمام مقالة اجتماعية أقرب من كوننا أمام قصة إذا فهمنا هذا استطعنا ان نتبين غياب مقومات الفن القصصي في هذا العمل خاصة وأن المؤلفة كانت تهدف إلى التعبير عن نفسها أكثر من توقها إلى وصف بعض مظاهر القصة. وألمح السلوم إلى طريقة القصة الثانية للقاص محمد عبدالله حرصم وعنوانها (عنوان أخر للركض والإنغماس) بأنها لا تقوم أساساً على رسم ملامح حية للشخصية بقدر ما يجسد فيها معنى من المعاني التي يريد ان يديرقصته حولها. وعن القصة الحاصلة على المركز الثالث للقاصة فوزية آل عكام بعنوان «الثكلى» قال: إنها خاطرة تصف لوحة من لوحات العذاب الاجتماعي والعجزة في المجتمع وشقائهم وضياعهم وتجسدت في القصة بالاستعانة بالصورة والحديث النفسي المؤثر والإيحاء القريب البعيد. وفي مساء اليوم الثاني للملتقى المصادف للثلاثاء كان النادي على موعد مع الروائي الكبير إبراهيم الناصر الحميدان ضيف اللقاء وشخصيته المكرمة.
فعلى مسرح قاعة الملك فهد للمحاضرات كرم نادي أبها الأدبي الروائي الحميدان تقديراً لجهوده في مسيرة القصة والرواية السعودية والتقى أهالي عسير مع الحميدان في لقاء مفتوح إدارة القاص تركي بن محمد العسيري والذي أكد أن تكريم المبدعين هو تكريم للمثل العليا في المجتمع وجدير بأمة تكرم روادها أن تأخذ مكانها ثم تحدث ضيف الملتقى إبراهيم الحميدان ووجه شكره لسمو الأمير خالد الفيصل على جهوده في الرقي بالفكر العربي السعودي كما شكر الأستاذ محمد الحميد رئيس نادي أبها الأدبي.
وأضاف يحسن بنا أن القهقري لندخل في آفاق ذلك الماضي الذي خرجنا منه بالتجربة التي اعانتنا على تخطي عقبات كثيرة صادفتنا.. والتوقف عند ذلك الماضي ضرورة لانه من خلال تحصيله وتجاربه استطعت ان أشق طريق المستقبل وأشكل الشخصية.
وأدان بالفضل لمعلمه الأول أمام مسجد الحارة والذي كان يتبع اسلوب الشد والزجر احياناً جعلنا نواظب على الاستذكار والحفظ من باب الخوف خاصة في بناء الجمل وربط المعاني وهو ماكان متبع في تلك الفترة. وقد شدتني القراءة منذ كنت في العاشرة من عمري واستهوتني كثيراً قصص لزلدك هولز وأرسين لوبين. وطيلة حياتي تأثرت بأعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس مما تقوى عزيمتي على اختبار باعنا القصصي وكانت أول تجربة في عالم الطباعة بعنوان «أمهاتنا والنضال» وتضم اربعة عشر نصاً وذلك عام 1380هـ تلتها الرواية الأولى «ثقب في رداء الليل» وفي هذه المرحلة امتد تعاوني مع الصحف المحلية الأخرى لا سيما مجلة الرائد التي كانت تعنى بالشأن الأدبي ثم مجلة قريش.
إثر ذلك فتح باب المداخلات بدأها الشاعر علي الشهراني بسؤال عن مستوى القصة الحديثة بالنسبة للقصة القديمة؟ فأشار الحميدان ان مدارس القصة كثيرة قرأنا لها ولأصحابها إنما هناك أختلاف في التعامل مع الحدث بين القديم والجديد. فالقصة القديمة تدخل إلى الحدث ثم تتحدث من أبعاده بينما القصة الحديثة تستخدم الرموز كثيراً. ولعل للحياة التي نعيشها اثراً على التطور الذي طرأ على السياق القصصي لجذب القارىء.. ولكن على الرغم من ذلك فإن الاتجاه لا يختلف في المضمون. وتساءل القاص إبراهيم شحبي عن حقيقة المشككين في جدوى الرواية السعودية وصدق دعواهم وعن التقييم الذي يراه الحميدان للرواية السعودية.
فكشف الضيف ان هذا التشكيك ليس من الخارج فقط بل من بين ظهرانينا.. ولكننا قد اعتدنا على مثل هذا الإجحاف ومع ذلك سوف تستمر في رسالتها مهما كانت العوائق.
أما تجربتنا الروائية فهي قصيرة بالنسبة لمن سبقونا ونراها اليوم وصلت لمستوى جيد رغم فقدنا للوسيلة الإعلامية التي تنشلنا من التهميش الحاصل حالياً.
وأستطيع القول: إننا سائرون على الخط الصحيح ولا نستطيع أن نقول إننا وصلنا. ثم داخل أحمد عسيري الشاعر المعروف بمهاجمة للقصة العالمية ورأى أن ما يكتبه الحميدان وعلوان والخبي.. وأخرون أنقى مما يطلق عليه عالمي وهو لا يخرج عن عالميته المليئة بأسرار الحياة السرية والاعتداء على الدين والدخول في السياسة. وتسأل عن مقاييس العالمية في القصة من منهج صحيح؟
فأكد الاستاذ إبراهيم أن الأدب السعودي مع الأسف لم يجد الفرصة للتوزيع والانتشار وخاصة أن الترجمة وقفت عائقاً حيال ذلك.. وتجربتنا مازالت تحافظ على قيمنا ونتمسك بتقاليدنا وسنبقى بعيدين عن الفن اللا ثابت.
ثم عقب مدير الحوار العسيري أننا لن نصل لمستوى السياب وعبدالصبور، والروائي المتميز لابد أن يأخذ حريته في الطرح ولكن الروائي السعودي محاضر بالمجتمع ومن الجندي الساكن في جمجمته الذي يحوله إلى إنسان وديع.. ولا أرى استهلاكاً أكثر من قول أن لنا خصوصية وهنا نبحث عن مجتمع متسامح يعي رسالة الروائي.
وكثيراً ما نرى البعض يحرص على قراءة الرواية ليس حباً في كاتبها أو رغبة في التمتع بها ولكن ليرد عليها التهم بالنوايا.. وهنا لا أريد أن يفهم اننا نبحث عن حرية بلا ثوابت أو قيم وطرح الزميل مرعي عسيري سؤالاً عن جماهيرية الشعر والقصة!
وعن دور نادي القصة السعودي فقال الحميدان: إن المجتمع اعتاد على قراءة وتتبع الشعر وهو المسيطر وإن كانت القصة والرواية تحاول أن تزخر عن مكانة ولكن لا أعتقد أنها تستطيع ذلك في وطن احتضن الشعر مئات السنين. وتحفظ من رأيه في نادي القصة مبرراً ذلك بعدم وجود علاقة متبادلة. وفي سؤال عن مدى استطاعة النقد مواكبة المشهد السردي؟ فأوضح الحميدان: النقد مازال منكمشاً ومحدوداً مع الأسف نقادنا يتجهون إلى القراءة الغربية ويقيمون أدبنا المحلي حسب قراءتهم وذلك يسبب خلافاً بين النقاد والمبدعين. ثم سلم رئيس النادي درع النادي التكريمي الخاص بهذه المناسبة للأستاذ إبراهيم الحميدان ودرع آخر من أثنينية أبوملحة الأدبية.
|