Sunday 5th January,2003 11056العدد الأحد 2 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العُمْدَة.. المُعَرِّف.. العَسَّة.. العُمْدَة.. المُعَرِّف.. العَسَّة..
ثلاث «أدوات أمنية».. كيف «نُفَعِّلها»..؟!
حمّاد بن حامد السالمي *

.. نكرر دائماً ونقول: بأن كل مواطن في هذه البلاد رجل أمن، وذلك بما لبلد الإنسان وأهله ومجتمعه من حق متوجب عليه، أن يدافع عنه ويصونه، وأن يكافح ويناضل من أجل هذا الهدف النبيل، كل فرد على قدر جهده واستطاعته، وهذا حق لا يراد به إلا حقاً، فما أحوجنا أن نتعاضد، وأن نتكاتف ونتعاون، حتى نُبقي على أهم المكتسبات الاجتماعية فينا، وهي «الأمن»، فلا ندع بيننا مجالا لجاهل، أو فسحة لمتسفه، أو مكاناً لمفسد، وهذه مسؤولية عظيمة، قد يرى بعضهم أنها «فقط»، من اختصاص رجال الأمن، المنوطة بهم الخدمة في هذا الميدان، لكن هذه نظرة قاصرة، ورأي غير سليم البتة، لأن من مصلحة الكل في هذا المجتمع، التعاون على «البر والتقوى»، ومن «البر»، بر أهلنا في مجتمعنا كله، بادية وحاضرة، بالمساهمة في حمايتهم من الأخطار، وبر بالتراب الوطني، الذي نسير على أديمه رافعي الرؤوس بين الأمم.
ومن «التقوى»، الحذر من المحظور، وكِلاءة النفس والعرض والمال، ووجوب الخوف من الله سبحانه وتعالى، إن نحن قصرنا أو فرطنا في هذا الجانب الحيوي.
.. وفي ظل ما يدور في أيامنا هذه، من كلام كثير على جنوح بعض الشباب من الأشقياء، إلى النيل والعبث بالممتلكات العامة والخاصة، وما يجري من عمليات تلصصية، من مراهقين عابثين غير عابئين، أو ممن يُستخدمون في السرقة، من قبل عصابات إجرامية محترفة، فقد نرى منهم من يقتحم الدور والمتاجر والمصارف، أو يسرق السيارات وما في حكمها، وفي كل هذا ومثله، تهديد للأمن، وخطورة على حياة الآمنين، لهذا وجب على الكل، أخذ الحيطة والحذر في كافة مناحي الحياة ومناشطها، وكذلك الحرص الشديد على التحوط لكل طارئ، والتحرز ضد كافة الاحتمالات، وتوقع الأسوأ في مثل هذه الحالات، فليس من الحكمة، وضع الأموال والمجوهرات في المنازل، ولا النوم والأبواب مفتوحة، ولا الثقة العمياء في الغرباء، ولا الانخداع بالمظاهر الزائفة.
ومن السفه الخروج من السيارات وتركها وهي تدور، وقد يكون فيها نساء أو أطفال..! أو إيقافها وأبوابها غير محكمة الغلق، أو حمل أموال كثيرة في الجيوب، وفي وسائل النقل.. إلى غير ذلك من الأمور التي قد لا يتنبه بعضهم إليها إلا بعد فوات الأوان، ووقوع الفأس في الرأس.. ونسأل الله السلامة والحماية.
.. إذن.. نحن نتفق على مبدأ المسؤولية الشخصية في أهمية خدمة النفس والمجتمع أمنياً.. فماذا بشأن مسؤولياتنا كهيئات وتنظيمات اجتماعية وإدارية..؟
.. تكاد الدوائر الأمنية التي تتبع جهاز وزارة الداخلية، تكون هي وحدها، التي تظهر في الصورة بشكل واضح في الموضوع الأمني، وهذا بحكم المسؤولية الوظيفية بطبيعة الحال، وكذلك بحكم المنجز الذي حققته هذه الدوائر على هذا الصعيد منذ زمن بعيد، حتى تحول هذا المنجز، إلى مكتسب اجتماعي كبير، بحيث لم يعد الناس في ظل ما تحقق، في حاجة إلى التفكير فيما هو مطلوب منهم لدعم المنجز، أو لتعزيز المكتسب، فتحول الأمر بعد ذلك، إلى شعور شبه عام، بأن هناك جهة واحدة فقط يعنيها أمر الأمن كله، فقد نسي كثير من الناس، انه هو المسؤول الأول عن أمنه هو وأسرته قبل رجل الأمن، وانه أول الناس الذي ينبغي أن يسأل عن سرقة داره أو سيارته أو نقوده، إذا لم يتخذ من الإجراءات التحوطية والتحرزية، ما يكفي لدفع التفكير في التلصص عليه، أو التدبير لسرقة ما ظهر انه غير محرز من ممتلكاته..!
.. إذن.. نحن أمام مسؤولية أمنية شخصية، ينبغي أن ينهض بها الفرد في المجتمع، ليس من أجل الدوائر الأمنية التي تحبذ ذلك وتحض عليه بكل تأكيد، لأنه يدعم جهودها على المستوى العام، ولكن من أجل الفرد نفسه، من أجله هو وأسرته وما يملك قبل الغير.. هذا الدور ما زال مغيباً في أذهان كثير من الناس في يومنا هذا مع الأسف، فتراهم يتداولون قصصاً كثيرة من قصص التلصص العجيبة الغريبة، الذي يقع كثير منها بينهم، إما بسبب تراخي وغفل بعضهم، أو بسبب طيبة البعض الآخر، ولكن لا أحد يعتبر مما يسمع من هذا القصص، ولا أحد يتعظ مما يمر به من تجارب في هذا الخضم المليء بالمخاطر، تلك التي قد تتجاوز في خطورتها الأموال والممتلكات إلى الأنفس، وكأن ما نسرد من وقائع تلصصية تنشر الصحافة كثيرا منها، إنما نفعل ذلك للتسلية والتفكه، والترويح عن النفس لا أكثر..!
.. والى جانب الدوائر الأمنية المعروفة، يوجد أدوات «ثلاث» مهمة في الموضوع الأمني، هي ما زالت في إطار الصورة فقط، لكنا في الحقيقة، في حاجة ماسة إلى تحريكها، والى تفعيلها، والى الاستفادة من تجاربها السابقة، وخاصة في الربط بين الدوائر الأمنية، وبين شرائح المجتمع كافة.
.. من هذه الأدوات، «عُمَد» الأحياء، فالبرغم من صدور لوائح تنظيمية قبل ثلاث سنوات، تؤطر واجبات العُمد، وتوضح مهامهم، إلا أن دور العمدة في الحي، ما زال غير واضح عند كثير من الناس. وهذا عائد ربما، لكبر الأحياء، وتوسعها وتشعبها، والحركة الدائبة للسكان بين حال وراحل، وربما لعدم وجود مكتب إداري ثابت، يجلس فيه العمدة صباحاً ومساء، ويقصده أهل الحي، وربما وهذا هو المهم لتواضع المخصصات والامتيازات التي يجدها العمدة في آخر الشهر، فهي لا تغطي نفقات بسيطة، مثل أجور تنقلاته، وما يغرم في صلح ذات البين، ونحو ذلك، بغض النظر عن استئجار مقر لمكتب، أو نفقات أخرى، وهي كثيرة.
.. ومن هذه الأدوات المهمة من وجهة نظري، الدور الذي ينهض به المعرفون وشيوخ القبائل في القرى وفي البوادي، فهم من الناس الأكثر غرماً على كافة الأوجه، وأنا أقول هذا، لأني أعرف كثيرا منهم، الذي يترك وظيفته أو حرفته التي يسترزق منها، ويلبي نداء الواجب الآتي إليه من إمارة أو مركز أو أية دائرة أياً كانت، ويعمل ما في جهده لصلح ذات البين، ونصح عشيرته وقرابته، ومع كل ذلك، فما زال هؤلاء المعرفون والشيوخ المكلفون رسمياً من وزارة الداخلية، بدون لوائح تنظيمية صريحة، توضح أدوارهم، وتحدد مهامهم، وتضع لهم من المخصصات أو المكافآت والعوائد، ما يحفظ مياه وجوههم، ويرفع عنهم مظنة السوء، ويعينهم على تدبير مرازق أسرهم، ويعوضهم عما يغرموه من أموالهم الخاصة في واجب ضيافة، أو رفع حيافة، أو نفقة قيافة.
.. هؤلاء هم شيوخ القبائل والمعرفون في جماعاتهم، لم نجدهم إلا قائمين بواجبهم الوطني، فهم يدرؤون ب «العرف»، كثيرا من الخلافات بين أفراد عشائرهم، ومثل هذه الخلافات لو تركت بدون حلول مرضية في مواطنها، فوصلت إلى الدوائر الأمنية والقضائية، لأضافت إلينا المزيد من المتاعب، ومثل ذلك على سبيل المثال، المسألة الأمنية، وخاصة في جانبها المتعلق اليوم بقضية السرقات، وانتشار المخدرات، فمظاهر القربى بين أفراد العشيرة، واللحمة الواحدة في القبيلة، ما زالت قائمة ومتينة، وهي من أهم المداخل السهلة والميسرة، إلى بث «الوعي الأمني»، وتعزيز التكاتف والتعاون ضد كل طارئ يخل بأمن الناس، أو يهدد حياتهم وممتلكاتهم، ومن هذا المنطلق، فان تحسين أوضاع المعرفين وشيوخ القبائل، أمر أراه في غاية الأهمية، وذلك بالدرجة الأولى، من أجل الموضوع الأمني للفرد في البادية والقرية، قبل أن يحط هذا الفرد، رحاله في المدينة، لأن الحلول في فضاءات البوادي، أوضح وأيسر وأسرع منها في دهاليز المدن وزنقاتها، وكبار الناس في قراهم وبواديهم، في استطاعتهم تقديم مزيد الدعم لهذا الجانب، وهم في حقيقة الأمر، غير مقصرين في هذا الواجب، ولكن ينبغي الالتفاف بجدية، إلى أهمية دور المعرفين وشيوخ القبائل، وأن يوضع لهم تنظيم إداري جيد، يساعد على رفع درجة الإحساس بهذا الدور عندهم، وعند كافة أفراد المجتمع.
.. أما الأداة الأمنية الثالثة، فهي «العَسَس».. وما أدراك ما العسس..!! أعتقد أننا بحاجة إلى عيونهم السحرية، والى صفاراتهم النحاسية الليلية.. إن هؤلاء الطيبين، كانوا يؤنسون وحشتنا في الليالي المظلمة، لأنهم كانوا يسهرون ونحن نيام، أما المتربصون من المتلصصين والسُّرَّاق، فقد كانوا منذ مئات السنين، يتحاشون عيون العسس، ويخافون من الظهور أمامهم، وترتعد فرائسهم مع أصوات صافراتهم، وهذه الأداة الأمنية، هي في غاية الأهمية اليوم، ودورها سوف يكون فاعلاً أكثر من ذي قبل، بعد أن كثرت المصابيح في الشوارع والميادين، وشاعت الأضواء الكاشفة، وتعدد الهواتف النقالة.
أما كلامي على العسس، فليس هو من باب الحنين إلى عهد مضى، ولكنها الحاجة إلى «عودة» أداة أمنية غاية في الأهمية، فهناك كثير من الناس اليوم، يرحبون بهذه الفكرة، وكثير من المواطنين اليوم، يحتاجون إلى هكذا وظيفة أمنية شريفة، يخدمون بها وطنهم ومواطنيهم، في أحيائهم وبين أهليهم.

fax:037361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved