تثير الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش للسيطرة على العراق سواء من خلال الحرب أو الغزو العسكري أو أي وسيلة أخرى تثير الكثير من التحليلات المختلفة لدوافع هذه الجهود.
ومن بين هذه التفسيرات ما يقدمه أناتول ليفين الباحث في معهد «كارنيجي إنديومنت إنترناشيونال بيس» لأبحاث السلام في واشنطن حيث يقول ان خطط هذه الإدارة تؤكد الاستراتيجية الكلاسيكيةالحديثة للأقلية اليمينية المتطرفة الحاكمة في واشنطن والتي تهدد الجميع بالخطر و تسيء استخدام الوطنية من خلال إثارة الخوف من خطر التدمير بين العامة.
هذه الاستراتيجية تمثل أهمية حيوية عندما يبدأ الوطنيون المتطرفون في وضع السياسات في العاصمة الأمريكية واشنطن على أمل تحقيق أهدافهم المعلنة والتي تتمثل في الإنفراد بالسيطرة على العالم من خلال التفوق العسكري في الوقت الذي يتم فيه شن هجوم مدمر على مصالح جزء كبير من الشعب الأمريكي ذاته في الداخل.
وقد تحدث ليفين كثيرا وبيقين كامل عن الولايات المتحدة باعتبارها تهديدا لنفسها وللجنس البشري كله وكما يكشف التاريخ فإنه من السهل جدا على القادة معدومي الضمير أن يثيروا خوف الشعوب وهذه هي الوسيلة الطبيعية لصرف انتباه الشعب عن خفض الضرائب لصالح الأغنياء وغيرها من السياسات التي تهدد رخاء وحياة الطبقة الوسطى والفقراء ومستقبل الأجيال القادمة.
اليمين المتطرف
كتب الخبير الاقتصادي بول كروجمان قائلا : قبل أن يهدأ الغبار الذي أثاره انهيار برجي مركز التجارة العالمي بالفعل كان قادة الحزب الجمهوري المؤثرين قد قرروا استخدام الإرهاب كمبرر لتنفيذ برامجهم اليمينية المتطرفة وعندما تبدأ الحملة الانتخابية للرئاسة في أمريكا فإن المخططين الاستراتيجيين للجمهوريين لن يريدوا من الشعب أن يسأل عن صناديق معاشاته ولا عن وظائفه التي تلاشت ولا عن برامج الرعاية الصحية وغير ذلك من القضايا التي لا يهتم بها ذلك الجناح اليميني المسيطر على الحزب وبدلا من ذلك فسوف يركز هؤلاء المخططون على الإشادة بالقائد البطل الذي أنقذهم من تدمير محقق من جانب عدو هائل القوة ثم يمضي إلى مواجهة القوة الأخرى التي تريد تدمير الأمريكيين وهذه الأفكار هي إعادة استخدام طبيعي للمبادئ الريجانية التي وضع أسسها الرئيس الأمريكي الجمهوري الأسبق رونالد ريجان وهي تلك الأفكار التي تحظى بنفوذ كبير داخل الإدارة الأمريكية الحالية ويتم إعادة تطبيقها بسيناريو معروف يبدأ بقيادة البلاد نحو هزيمة حتى تصبح الإدارة قادرة على نسف البرامج الاجتماعية وإعلان الحرب على الإرهاب تماما كما فعل ريجان عام 1981 ثم استحضار شيطان وراء شيطان لإثارة خوف الشعب ودفعه إلى الإذعان للإدارة.
البترول العربي
وبشكل أكثر عمومية يمكن القول بأن الإرهابيين الذين نفذوا هجمات الحادي عشرمن سبتمبر قد أتاحوا الفرصة لتطبيق خطط موضوعة منذ زمن طويل لفرض السيطرة على الثروة البترولية في العراق.
وهي تلك الثروة التي تمثل جزءاً أساسياً في موارد منطقة الخليج العربي التي قالت عنها وزارة الخارجية الأمريكية عام 1945 انها موارد هائلة وواحدة من أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم كله وتتوقع المخابرات الأمريكية أن هذه الموارد ستصبح أكثر أهمية في السنوات القادمة ورغم أن بعض محللي المخابرات الأمريكيين يتوقعون اعتماد أمريكا على بترول بحر الشمال والمحيط الأطلنطي كمصدر أساسي لها.
وقد حدث نفس الموقف عقب الحرب العالمية الثانية حيث سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة على موارد منطقة الخليج العربي ولكن السيطرة على الجائزة المادية التي ستتحول إلى ثروة كبيرة بالنسبة للأمريكيين بطرق مختلفة ربما لا يكون من بينها استخدام هذا البترول العربي مباشرة في المصانع الأمريكية ولكنه يضمن لأمريكا نفوذا استراتيجيا كبيرا في إطار خطط السيطرة على العالم التي يسعى اليمين المتطرف الحاكم في واشنطن إلى تنفيذها.
دوافع ضرب العراق
وهناك تفسير مختلف لدوافع إدارة بوش لضرب العراق يقول ان هذه الإدارة مقتنعة فعلا بما تقوله بأن العراق قد أصبح فجأة تهديداً لجيرانه وللوجود الأمريكي كله حقيقة يجب التأكد من أسلحة الدمار الشامل العراقية ووسائل انتاجها قد تم تدميرها بالكامل وكذلك التخلص من الطاغية الحاكم نفسه وبسرعة يجب شن الحرب ضد العراق خلال فصل الشتاء ولكن شتاء عام 2004 سيكون متأخرا جدا دعنا نفترض أن هذا التفسير صحيحا إذا كانت القوى الإقليمية تخاف من واشنطن أكثر من خوفها من صدام حسين كما هو ظاهر بالفعل فهذا يكشف عن عجز هذه القوى عن إدارك الواقع لقد جرت مناقشة خطط عديدة ولكن هناك خطة واحدة بسيطة يبدو أنه جرى تجاهلها ربما لانها تبدو مجنونة وهو حكم صحيح ولكن يجب أن نسأل لماذا فهناك اقتراح مجنون لتشجيع إيران على غزو العراق وتزويدها بكل الإمدادات اللازمة والدعم العسكري الذي تحتاج إليه من مسافة آمنة عن طريق القاذفات الأمريكية والصورايخ.
وهذا الاقتراح له مزايا عديدة مقارنة بما يتم دراسته حاليا من مقترحات:
أولا: سيتم الإطاحة بصدام حسين كما سيتم التخلص من وسائل انتاج أسلحة الدمارالشامل ليس فقط الآن ولكن بالنسبة لأنظمة الحكم اللاحقة في العراق وهو ما يعني نجاحا كبيرا في نزع أسلحة العراق.
ثانيا: لن تكون هناك أي خسائر في صفوف الأمريكيين أو الإسرائيليين أو ستكون قليلة جدا إذا وجدت ولكن لا أعتقد أن هذا يمكن أن يثير قلق الأمريكيين بصورة كبيرة كما أن إدارة بوش كما هو ملاحظ تعيد استخدام الأفكار الريجانية وقد ساعدت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان صدام حسين بقوة عندما هاجم إيران في الثمانينيات دون النظر كثيرا إلى الخسائر البشرية سواء في ذلك الوقت أو في ظل العقوبات التي كانت هذه الإدارة تفرضها على أنظمة الحكم المختلفة في العالم وهناك احتمال أن يلجأ صدام حسين إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ولكن من الصعب أيضا أن تهتم الإدارة الأمريكية بذلك.
فالقيادة الأمريكية الجمهورية الحالية دعمت رجل بغداد الطيب عندما استخدم الأسلحة الكيماوية ضد إيران خلال حكم الرئيس ريجان وعندما استخدمها ضد الشعب العراقي وقد واصل قادة واشنطن في ذلك الوقت وأغلبهم يعملون في إدارة بوش الحالية واصلوا دعمهم للرئيس العراقي حتى بعد ان ارتكب أبشع جرائمه وزودوه بالوسائل اللازمة لتطوير أسلحة دمار شامل نووية وبيولوجية وكيماوية حتى قام بغزو الكويت عام 1990.
مساندة صدام
كما أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ووزير دفاعه ديك تشيني الذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس الأمريكي سمحا للرئيس العراقي بارتكاب مذابحه ضد الشيعة العراقيين عام 1991 بدعوى الحفاظ على الاستقرار كما قالت تلك الإدارة فيما بعد.
وقد اضطرت تلك الإدارة إلى سحب دعمها لهجمات صدام حسين ضد الأكراد تحت الضغط الدولي والأمريكي الداخلي الكبير وهذا يعني أن الخسائر البشرية لن تشغل حيزا كبيرا لدى الإدارة الأمريكية الحالية في حالة تقييم اقتراح قيام إيران بغزو العراق ولا يمكن القول بأن الحرب الباردة كانت هي السبب في دعم الإدارات الأمريكية الجمهورية السابقة للعراق لأن روسيا كانت من بين الطيبين الذين ساندوا صدام حسين في حربه ضد إيران كما استمر الدعم له بعد انتهاء الحرب مع إيران.
ثالثا: لن تكون الأمم المتحدة مشكلة عند تنفيذ هذا الاقتراح فأحد المسؤولين الأمريكيين الكبار قال بالحرف الواحد عقب حصول إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على تفويض من الكونجرس باستخدام القوة ضد العراق قال : نحن لا نحتاج إلى مجلس الأمن الدولي فإذا كان مجلس الأمن يريد أن تظل علاقته قائمة بالموضوع العراقي فعليه أن يمنحنا تفويضا مماثلا وإذا حاول أحد أن يعارض عملية تحريرالعراق التي تقوم بها إيران من داخل مجلس الأمن فإن الولايات المتحدة تستطيع استخدام حق النقض أو الفيتو حتى تستمر العملية.
رابعا: تمتلك إيران تفويضا للقيام بهذه المهمة أكثر من واشنطن فإيران ليس لها أي سجل في دعم جرائم صدام حسين وبرامج أسلحة الدمار الشامل العراقية كما هو الحال بالنسبة للإدارة الأمريكية بل بالعكس فقد كان الإيرانيون هم أول ضحايا الهجوم العراقي الذي دعمته أمريكا وبريطانيا في بداية الثمانينيات.
خامسا: تحرير العراق من جانب قوات إيرانية سوف يحظى بدعم قطاع كبير من الشعب العراقي أكثر مما يمكن أن يحظى به غزو أمريكي للعراق وسوف ينزل الناس إلى شوارع البصرة وكربلاء للاحتفال بالتحرير ويمكن للإعلام الأمريكي أن يساعدالإيرانيين في الترويج للموقف الإيراني.
سادسا: إن احتمالات تحول العراق في ظل الغزو الإيراني إلى الحكم الديموقراطي الدستوري ربما تزيد عن احتمالات التحول في ظل الغزو الأمريكي ونظرة سريعة على التاريخ تؤكد هذه النتيجة أما بالنسبة للأكراد العراقيين فإنهم إذا أرادوا أي نوع من أنواع الحكم الذاتي فسوف يؤدي ذلك إلى غزو تركي لشمال العراق وهنا لن يستطيع الأكراد الرهان على الدور الأمريكي بسبب الدور المخادع الذي مارسته واشنطن مع الديكتاتوريةالعسكرية التركية خلال التسعينيات فيما يتعلق بقضية الأكراد لذلك فالدورالأمريكي في هذه الحالة سيكون أضعف من الدور الإيراني كذلك لن تكون هناك مشكلة أمام الولايات المتحدة الأمريكية في الوصول إلى البترول العراقي تماما كما تستطيع الشركات الأمريكية الوصول إلى موارد الطاقة الإيرانية حاليا إذا سمحت الولايات المتحدة لهذه الشركات بذلك وبدون سابقة فإن هذا الاقتراح به الكثير من المزايا بالنسبة لما تجري مناقشته حاليا من مقترحات ولكن هناك عدد من المشكلات الأساسية:
أولا: لن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية استخدام المورد الهائل للقوة الاستراتيجية للسيطرة على العالم وستضطر أمريكا إلى اقتسام «الجائزة المادية» مع آخرين بصورة تتجاوز ما تريده الإدارة الأمريكية.
ثانيا: سيتم هزيمة الاستراتيجية الكلاسيكية الحديثة للأقلية اليمينية المتطرفة التي تهدد بالخطر وستظل المشكلات الداخلية التي تواجه إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بدون حل وسيتحرر الشعب الأمريكي من الخوف وربما ينتبه إلى ما فعلته هذه الإدارة به. وفي النهاية ستتعرض خطط السيطرة المطلقة على العالم لضربة قوية .
لقاء المتطرفين
وكما لاحظ أناتول ليفين فعلا فإن الأصوليين في واشنطن يرتبطون بصورة وثيقة مع المتطرفين في إسرائيل ففي التسعينيات أعد كل من ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث وهما من أقطاب الإدارة الأمريكية الحالية ورقة عمل لرئيس الوزاء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نيتانياهو الذي يتجاوز أرييل شارون في تطرفه كما أن الصحف الإسرائيلية الموثوق فيها تنشر باستمرار خطط واتصالات مثل هؤلاء الأشخاص الأمريكيين باستمرار ويتضمن هذا خطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بنفس طريقة إعادة رسم المنطقة العربية بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى ولكن هذه المرة لن تتولى فرنسا وبريطانيا رسم الخريطة ولكن ستتولاها أمريكا وقاعدتها العسكرية الخارجية المعروفة باسم إسرائيل بالتعاون مع تركيا وهو المثلث الذي تصفه الصحافة المصرية بأنه «محور الشر» ويمكن القول بأن هناك حرب بالفعل ضد إيران قد بدأت حيث يوجد جزء لا بأس به من القوة الجوية الإسرائيلية في تركيا ويقال انها تقوم بطلعات جوية مستمرة على الحدود الإيرانية انطلاقا من القواعد الأمريكية في تركيا يقول ليفين وآخرون ان الوطنيين الأصوليين في واشنطن لديهم خطط للتوسع تتجاوز الحدودالصينية وربما يستغرق تنفيذ هذه الخطط عشرات السنين لذلك فإن نظرة العالم إلى أمريكا باعتبارها تهديد خطير للجنس البشري ليست مبالغة وهو نفس ما يراه الخبير الشهير في شؤون الشرق الأوسط أنطوني كوردسمان.
يقول المحرر الدبلوماسي الإسرائيلي عكيفيا إيدار ان كوردسمان يحذر من أنه يجب على واشنطن أن توضح أن تعهداتها لإسرائيل لا تتضمن بالضرروة تلك التعهدات التي يقدمها الخبراء والأصوات المتشددة وغير المسؤولة لإسرائيل مثل ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث .
في طريق عودته إلى إسرائيل قادما من اجتماع على مستوى عال في واشنطن مع مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية قال: إيهود سبرنتزاك وهو مسؤول إسرائيلي: لقد تحدثنا مع مجموعة ثورية لها منهج مختلف تماما للتعامل مع العالم العربي والتهديدات القادمة منه ويمكن أن نلخص منهج هذه المجموعة في عبارة واحدة: إنهم ينظرون إلى العالم العربي باعتباره عالما من المتخلفين الذين لا يفهمون إلا لغة القوة والحقيقة أن هذا المنهج لم يعد قاصرا على العالم العربي فقط ولكنه امتد إلى الرؤية الأمريكية للعالم كله. وقد اتضح هذا بوضوح في رد الفعل الأمريكي العنيف على المخالفة الألمانية البسيطة عندما رفضت ألمانيا المشاركة في ضرب العراق.
والخلاصة أن الاقتراح الإيراني الذي سبق عرضه يبدو بالفعل مجنونا ولكنه بالتأكيد أكثر عقلانية من الخطط التي يجري بالفعل تطبيقها وكذلك أكثر دقة منها.
(*) عالم لغويات وداعية سلام أمريكي عن «نيويورك تايمز» - خدمة الجزيرة الصحفية
|