تؤدي المقاومة السلبية العراقية، غير المفاجئة، لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة إلى دفع الولايات المتحدة أكثر نحو حافة الحرب، يثير هذا السيناريو سؤالا رئيسيا ملحا هو: كيف يمكن إصلاح العراق بعد حملة عسكرية ناجحة لإبعاد صدام حسين؟ ما لم يتم التصدي لهذه المشكلة الآن، وبناء قدرات وطاقات جديدة، فإن أي انتصار أمريكي في ساحة القتال يمكن أن يصاب بالإحباط، كما يمكن فقدان الأمل في تحقيق السلام.
يحيط قدر كبير من الغموض بكيفية إعادة بناء العراق، هل ستقوم القوات الأمريكية باحتلال العراق، كما حدث في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية؟ يعتبر هذاالنوع من إعادة بناء الدولة من الفنون المفتقدة إلى حد كبير، على نحو ماجرى التعبير عنه في الإنزال العسكري الأمريكي في هاييتي في عام 1994، وهوعمل لا يجرؤ أحد على وصفه بالنجاح، بدلا عن ذلك، هل ستدعى الأمم المتحدة لإدارة العراق، كما جرى في كوسوفو وتيمور الشرقية؟ أم أن الأمم والمتحدة والحكومات المانحة ستقوم بتوفير المساعدة لحكومة جديدة ناشئة، كما في أفغانستان؟ أيا كان الأمر، فإن ما يزداد وضوحا هو أن صانعي القرار الآن لا يملكون سوى القليل جدا من الأدوات والوسائل لمبادرات جريئة من هذا القبيل، إذا كان لإعادة بناء الدولة أن تصبح خيارا جادا في عراق ما بعد حسين، فإن هنالك حاجة ملحة لقدرات وطاقات جديدة، داخل وفي أوساط الحكومات وأيضا المنظمات الدولية، لابتكار الطرق الواقعية الذكية، بالإضافة إلى تحقيق الأمن، سيكون العراق في حاجة لنظام عدلي متوافق مع معايير حقوق الإنسان ويتمتع بالحساسية تجاه التقاليد المحلية، وهيكل للحكم يستطيع كل المجموعات الدينية والإثنية المشاركة فيه، ونظام اقتصادي فعال يقوم على واردات البلاد النفطية، سوف تعتمد الخطط الخاصة بتحقيق هذه الغايات على طبيعة العمل العسكري الذي سيتم اللجوء إليه، والذي يتعين صقله وتشذيبه مع بدء تباشير السلام، خلال العقود الماضية، كانت هنالك جهود عديدة لإعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الأزمات، تضم هذه المحاولات كمبوديا، التي بدأت في عام 1992 في استضافة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تمتعت بسلطات غير مسبوقة، تمثلت سابقة حديثة أخرى في تيمور الشرقية، حيث - بعد ثورة المليشيات الاندونيسية في عام 1999- سعت الأمم المتحدة لتحقيق الأمن، الخدمات، إنشاء إدارة أهلية مستدامة، وتدبير تحول نحو حكم ديمقراطي. سيمثل العراق ما بعد حسين تحديات وتساؤلات مألوفة، كما هو الحال في أفغانستان، حيث تجري المساعدات الإنسانية وبناء الدولة وأعمال القتال جنبا إلى جنب، فإن التنسيق الوثيق بين القوات العسكرية المحتلة وعاملي الإغاثة المدنيين يعتبر شديد الأهمية.
ما هو المعيار المناسب للنجاح بالنسبة لعملية دولية لبناء السلام في العراق؟ هل يعتبر الاستقرار معيارا كافيا، من نحو نظام الحكم المتسلط الذي انتهى إليه الأمر في كمبوديا، أم مجرد شرط مسبق لتحقيق نتيجة أكثر طموحا لمجتمع يتسم بالتسامح والغنى بالتنمية الاقتصادية؟
تمثل جهود حلف الأطلسي (الناتو) في البوسنة الجهود الأكثر طموحا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لإعادة بناء دولة جديدة على امتداد العقد الماضي، غير أن البوسنة ما تزال تجربة في إطار التحقق، وهي تظل مرجلا خطيرا يغلي بالتوترات العرقية في الوقت الذي يتلاشى فيه التوتر الدولي، في العراق، يتعين ضبط الصراعات الإثنية والدينية لتجنب الصراع المسلح وحمامات الدم في الفراغ الذي سينجم عن غياب السلطة عقب إبعاد حسين، لكن، وعلى نحوما برز في النتائج المختلطة في البلقان، ربما يكون تحقيق نتيجة مثلى فوق طاقة وقدرة القوى الخارجية المتدخلة.
لم تكن الجهود أفضل حالا في تيمور الشرقية، التي تمثل معلما بارزا لبناء الدولة برعاية الأمم المتحدة، ورغم الجهود المتميزة للأمم المتحدة، يظل التحدي الماثل أمام تيمور الشرقية والدول المانحة لها اسلوب الحكم والحاجة لإعادة صياغة النظام القانوني، وهما مسألتان هامتان بالنسبة لدولة تقوم بدورها على الشكل الصحيح. على الرغم من وضع حد للصراع، فإن الدويلة المستقلة الجديدة في تيمور الشرقية تعتبر الآن الأكثر فقرا في قارة آسيا، وستكون في حاجة تامة لمساعدات دولية بـ440 مليون دولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة. سوف تستدعي إعادة بناء العراق رصد عدة بلايين من الدولارات، إن التوقعات المتواضعة لهي أهم الدروس التي يتعين استنباطها من جهود بناء السلام الدولية على امتداد العقد الماضي، لقد أدت هذه التوقعات المتواضعة لفوضى وتعقيدات وصعوبات بالغة، فبينما يمكن لعمليات من ذلك النوع أن تحقق قدرا من الأمن في وقت وجيز نسبيا، فان الوجود الدائم يعتبر ضروريا إذاما أريد لها أن تسهم بشكل مفيد في عمليات تحول سياسي واقتصادي أوسع، إذاكنا نريد ألا نكرر ببساطة ما سبق لنا فعله، فيتعين علينا أن نستثمر الموارد الآن في البحث عن إجابة لكيفية إعادة بناء العراق ومن الذي سيكون مسؤولا عن تولي المهام المختلفة والصعبة العديدة اللازمة للظفر بالسلام؟
|