* تغطية علي سعد القحطاني:
أقيمت مساء يوم السبت الماضي أمسية شعرية للشاعرين جاسم الصحيح وحمد الهويمل في خيمة الثقافة بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالرياض وقد أدار الأمسية الأستاذ يحيى الأمير الذي رحب بالحضور في أولى فعاليات منتدى الشعر العربي الذي تم افتتاحه مؤخراً بالجمعية ليمثل بفعالياته وأنشطته واحداً من روافد الحركة الشعرية الداعمة للصوت الجديد والإبداع المتميز والأسماء القديمة علما بأن هذا المنتدى افتتح بالجمعية قبل أسبوعين بإشارة ومباركة من رئيس مجلس إدارة الجمعية الأستاذ محمد بن أحمد الشدي وتم تشكيل المنتدى بعيدا عن اللجان والتنظيمات وأوراق العمل والروتين.
ويشرف على هذا المنتدى الدكتور عبدالله بن حامد المعيقل الذي يصطحب تجارب واسعة في هذا الباب لعل من أشهرها نادي الشعر بجامعة الملك سعود والذي أصبح الكثير من أبنائه وأعضائه أي المنتدى أصواتاً ذات حضور فاعل وملفت في المشهد الشعري.
وقال الأستاذ يحيى الأمير وهو عضو في هذا المنتدى: كذلك يضم المنتدى الناقد الدكتور حسين المناصرة وهو عصيّ على التصنيف بين السرد والشعر فهو متذوق أولا ثم متمرس بأدواته وقراءاته ثانياً وبعون الله سيقوم المنتدى ببذل جهده والمنوط به وفق ما يتيسر له فيسعى المنتدى إلى إقامة أمسيات شعرية يخطط لها أن تكون بشكل دوري ومنتظم في قادم الأيام ويستضيف في تلك الأمسيات شعراء يمثلون خلاصة المشهد الشعري الآني .
ويسعى المنتدى كذلك إلى إخراج كتاب دوري يهتم برصد وتوثيق الفعاليات المنبرية والأمسيات والنشاطات التي يعقدها، هذا ويطرح المنتدى مسابقة عربية على مستوى الديوان غير المطبوع، يشترك في هذه المسابقة الكثير من بلدان العالم العربي ويتم الإعلان عنها داخلياً وخارجياً عن طريق الملحقات الثقافية في سفارات المملكة في تلك البلدان وسيقوم المنتدى بالإضافة إلى جائزة مالية وأمسية للفائز بطبع المجموعة الشعرية الفائزة ضمن مطبوعات الجمعية.
بعد ذلك سلّط الأستاذ يحيى الأمير الضوء على السير الذاتية للمشاركين في تلك الأمسية وقال: جاسم الصحيح قادم يكنس العتبة بسعفة حساوية عاقة لجذعها، أينما حل غادر وإذا لم يكن من النخل بد فمن الشعر أن يكون خليجاً، الخليج وحزن النخيل ذؤابتان في مفرق حزن واحد هكذا يتصوف دون أن يمس صوفاً وتتحول الأرض في يده، إلى سِحقةٍ في كف مرتشعة فما حاجتهم إليها، صدرت لجاسم الصحيح «ظلِّي خليفتي عليكم» و«عناق الشموع والدموع» و«حمائم تكنس العتمة» و«أولمبياد الجسد» وقريبا سوف يصدر ديوان «نحيب الأبجدية».
أما الشاعر محمد بن عبدالله الهويمل أيضا ذو صيت ورغم خلق البساطة وسطحية الانتماء وغياب الهاجس وغيرها من العوامل، غرق في تعب الانتماء والبحث عن بوصلة، محمد الهويمل إن شهادتي كما يقول مدير الأمسية شهادة غير مجروحة بل هي شهادة بالغة عالقة حرّة، متعب ومريض بدوال الرافدين وسعال السماوة وبارٌّ بأمّه الكوفه هو فقط من يؤجل حلم ابنته كل عيد واعدا إياها بوحدة التراث وطيّب دجلة، محمد الهويمل استعمل كتابة الشعر في المرحلة الجامعية ونشر أكثر نتاجه الشعري والقصصي في مطبوعات السعودية والعربية، مقلٌّ يتيم في إنتاجه فطوال عام واحد لم يخرج إلا بنص واحد، أقام محاضرتين الأولى عن «الترميز الصوفي في شعر ايليا أبو ماضي» قدّم العديد من البرامج الإذاعية والثقافية في الإذاعة شارك في تمثيل المملكة أيضا مع جاسم الصحيح في مهرجان شعراء الخليج الأول في البحرين عام 2000م.
بعد ذلك تلا الشاعران الصحيح والهويمل على الحضور ما جادت به قراءتهما الشعرية:
رباعيّات .. للشاعر جاسم الصحيح
غداةَ حبيبتي غَمَزَتْ لمحتُ رموشَها أطيارْ تُحلِّقُ في سماءِ الجفنِ سرباً غامضَ الأسرارْ وحينَ تلاقتِ الأهدابُ حطَّ السربُ في الأوكارْ فكادَ الشوقُ في عينيَّ يطلقُ صرخةً من نارْ
|
* * *
تمشّيناَ وراء الحُلْمِ
وَهْوَ يطوفُ بستانَهْ
وظَلَّلَنَا معاً ظِلٌّ
مساحةَ قُحْفِ رُمّانَهْ
أليس الحبُّ ملحمةَ
اختصارِ البحرِ في دانَهْ
وعنقودٌ من الأشواقِ
يكفي سَامِرَ الخانَهْ
* * *
من قصيدة «شيخوخة الماء» للشاعر محمد الهويمل
لتلك التي سوف تسترخي مثل اندلاق العسل
وتلك التي نهضت
من غلاف المجلة
وتلك التي جرحتني ب ياء النداء
تمد المسافة بيني وبيني
ميدان خيلٍ لاسطبل أضلاعي الصاهيلات
وجرحي بوابة الفاتحين
لكل العيون التي ورطتني
بفاتورة الماء والكهرباء
لكل لفافة أنثى
ومتر حرير
لدكان شيخ بندر العاشقين
لعكاز جدتي هذا المكان
وشيم عجوز تبلل بسملة الخوف مني
وذئب القصيدة
* * *
قصيدة رياحٌ فلسفيّة للشاعر جاسم الصحيح
في الخارجِ الأعمى أتيهُ
كأنَّني من دونِ كلِّ الكائناتِ
طريدةٌ مُثْلى لِوَحْشِ الموت ..
هذا معدني مُتَصَدِْعٌ بالخوفِ
يبحثُ في «القصائدِ» عن «مجازاتٍ»
تُشَدُّ بها العِظَامُ
وَحْدي كأنِّي بائعٌ مُتجوِّلٌ
وكُهولتي منذُ اكتهلتُ بضاعتي ..
تتزاحمُ الآلام حَولِيَ
والتجاعيدُ الثريّةُ تشتري ما شعَّ من جِلْدِي ..
ويُومئُ كي يُساوِمَني على جسدي، السقَامُ
واليأسُ أقدمُ سائحٍ
يتبضَّعُ الأحلامَ في روحي بأرخصِ ما يُرَامُ
أسفي على طينِ الطفولةِ
يوم كنتُ على مدى كفّي أكوِّرُ فرحتي قَمراً ..
وفوقَ سواعدي
يجهلُ ما نواهُ ليَ الخِتامُ
ما بالُها تتصارعُ الأوقاتُ في عُمُري
وأمسيَ عابثٌ بغدي ..
فإنْ شئتُ التَلَفُّتَ للوراءِ
خشيتُ يطعنُهُ الأَمَامُ !!
أشدو
وكلٌ حمامة باضتْ على شُبَّاكِ مَوّالي
أصابَ فراخها حَظّي فَشَكَّتْها السِهَامُ
حيرانََُ!!
كيف أتوبُ كم جَسَدي.. وأعضائي أًثامُ؟
* * *
من قصيدة رقصة الهنود الحمر على قبر عمر أبوريشة للشاعر محمد الهويمل
تكحل عين جالوت
تجدل شعري المنثور نهراً عاري الأمواج
يحملني إلى بغداد
تشرق في الدجى بغداد
تضيء كضحكة الزنجي
تبكي كضحكة الزنجي
اشحت وما اشاح الله
إنّ الذل يا بغداد
يغتصب الوجوه
فعدت في نهري
اسوق رذيلتي في موكب الأسماك
صوب الكوفة العذراء
تقريظات النقاد
* عبّر الدكتور عبدالعزيز السبيل عن سعادته لحضور تلك الأمسية وأشاد بمقدمها الأستاذ يحيى الأمير في بدء الأمسية وقال عنها انها بمثابة شعر ذات لغة وإيقاع.ونحن حينما نأتي إلى هنا، نأتي ونحمل كل اذان المتذوق وندع الناقد في مكان آخر، حقيقة كانت متعة كبيرة ونحن نستمع إلى شاعرين قرأنا شعرهما ولكن هناك فرق بين أن تقرأ وبين أن تستمع، لعل ما أود أن أقوله هو هذه الروح التراثية الموجودة لدى الشاعرين جاسم الصحيح بشكل واضح فيما يتعلق بإيقاعه، وقافيته ومحمد الهويمل في ما يتعلق بمفردته التراثية وتناصه الكبير حقيقة مع صورة حداثية، ونبّه الى كون بعض القصائد التي تلاها الشاعران طويلة جدا وهي تتسم بوحدة عضوية ولكن يصعب على المستمع أن يتابعها وكأنها قصائد كتبت لتقرأ ولم تكتب لتلقى.
أشاد الدكتور عبدالرحمن السماعيل بموهبة الشاعرين خصوصا وانه متابع لإنتاجهما الإبداعي المطبوع.
أشار الدكتور ناصر بن سعدالرشيد الى أن الشاعر حينما يأتي لهذه الأمسية فانه يتخلص من سلطة الناقد وقال إنه سبق أن حضر أمسية شعرية في ملتقى أبها للشاعر جاسم الصحيح وبارك له استمراريته وتجدّد عطائه في هذا المجال كما أشاد بموهبة الشاعر محمد الهويمل وقال: نعرف أن عنده قصائد أجمل مما قال ولكنه اختار هذه القصائد ليبهرنا ببعضها.
|