يستقل الامير سعود الفيصل طائرة خاصة من مطار الرياض الدولي ومعه وفد رسمي سعودي حاملا رسالة خاصة من سمو الامير عبدالله.. وتنطلق هذه الطائرة في سماء المملكة متجهة الى المنطقة الشمالية، ثم تدخل الاجواء الاردنية.. وبعد تحليق قصير، تتجه غربا الى الاجواء الاسرائيلية، وتكون اسرائيل مهيأة لاستقبال اول وفد سعودي لزيارة الدولة العبرية.. وفي مطار بن قوريون يصطف وفد اسرائيلي على مستوى عال برئاسة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون وبحضور وزير الخارجية وكبار الشخصيات الاسرائيلية وكبار ممثلي الاحزاب الليكودية والعمالية وغيرها.. والى جانب ذلك تصطف في المطار مئات من كاميرات التلفزة العالمية ومندوبي وكالات الانباء الدولية وحشد هائل من الاعلاميين من مختلف دول العالم.. وحالما يطل الامير سعود الفيصل من بوابة الطائرة تكون هذه الاطلالة السعودية قد شاهدها اكثر من مليار فرد من كل دول العالم عبر البث التلفزيوني المباشر الى كل شاشات العالم.
هذا الذي قرأتموه في السطور السابقة هو سيناريو خيالي تتمناه اسرائيل، وتحاول جاهدة بكل ما اوتيت من قوة وجبروت اعلامي ونفوذ سياسي ان تحققه على ارض الواقع.
وهي في سبيل ذلك تحاول بكل مؤسساتها وقواها في الداخل والخارج التأثير على العلاقات الامريكية الشرق اوسطية من اجل ان يتحقق مثل هذا الحلم.. ولو ارادت المملكة ان تخرج من مأزق العلاقات المتوترة بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية لطبقت سيناريو مثل هذا السيناريو الافتراضي، او شيئا قريبا من هذا.. ولو عزمت المملكة علي التوجه في هذا المسار، لكانت المملكة هذ الصديق الحقيقي للولايات المتحدة، ولكانت هي الحليف الاستراتيجي مع الحكومة الامريكية.. ولتناولت كل صحف الولايات المتحدة وكل وسائل اعلامها ومحلليها المملكة بطريقة مختلفة عن الطريقة التي تحاكي بها الآن مواقف وسياسات المملكة.. ولتساقطت كل القضايا المرفوعة ضد الشخصيات والمؤسسات والشركات السعودية.. ولو تمت مثل هذه الخطوة السياسية لتناولت وسائل الاعلام الامريكية المجتمع السعودي كمجتمع متحضر ومناهج تعليمنا كمناهج ترتقي الى روح العصر.. ولأصبحت وسائل اعلامنا وسائل متحضرة ولأصبح مجتمعنا مجتمعا ديموقراطيا نموذجيا يمكن للدول القريبة والبعيدة ان تحتذي حذو هذا النموذج الفذ بين نماذج الدول المتحضرة التي تنتهج نموذجا عصريا يبني سياساته على اساس المصالح المادية والعلاقات المثالية مع دول العالم.. ولو اقدمت المملكة على مثل هذا الاجراء لصفقت كل الايادي الامريكية، وفتح البيت الابيض كل بواباته ونوافذه لاستقبال كل الساسة والدبلوماسيين السعوديين.. ولاستقبل الرئيس جورج بوش وفدا صحافيا من وسائل الاعلام السعودي ليجزل عليهم بتصريحاته ومدائحه واشاداته بالسياسة السعودية الحكيمة والعلاقات الحميمة التي تربط بين الحكومتين والشعبين الامريكي والسعودي.. ولو اتخذت المملكة هذه الخطوة لفتحت سفارات الولايات المتحدة ابوابها واستقبلت المواطنين بكل ترحاب.. ولقدمت لهم تسهيلات لا يمكن ان يحلم بها اي مواطن في العالم.. ولربما كانت قد قدمت الاقامة الدائمة green card لكل مواطن سعودي هدية مجانية مع تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة اذا رغب في ذلك.. ولكانت كل مطارات وبوابات الدخول البرية والبحرية والمنافذ الجوية قد تم تعميدها من قبل السلطات الامريكية ان تضع بوابات خاصة لدخول واستقبال السعوديين وتقديم باقات من الازهار والمشروبات الباردة والساخنة.. ولو اقدمت المملكة على هذه الخطوة لاستقبلت الرياض وجدة والدمام وأبها وحائل وفودا رسمية وشعبية من الولايات المتحدة كلها تأتي لترى بذاتها الانجازات التنموية التي حققتها المملكة كدولة عصرية استفادت من ثرواتها وإمكاناتها لخدمة مجتمعها ومواطنيها ولشكل الكونجرس بفرعيه «النواب والشيوخ» جلسات معلنة وعبر التلفزة الامريكية يشيد فيها بمواقف المملكة وبالدور الكبير الذي تلعبه القيادة السعودية في منطقة الشرق الاوسط بل في العالم من اجل استتباب الامن والسلام العالميين.. ولو اقدمت المملكة على هذه الخطوة لكان بإمكان وزارة الدفاع السعودية ان توقع مع شركات امريكية بتشجيع من البنتاجون عقود شراء اسلحة متطورة جدا بكل الخيارات الهجومية التي تمتلكها التقنية الامريكية.. ولو اقدمت المملكة على هذه الخطوة لامكن ان توقع مدينة الملك عبدالعزيز عقودا مع شركات ومؤسسات ابحاث امريكية بتأييد امريكي رسمي لبناء مفاعلات نووية يتم استخدامها في كل الطرق التي ينتفع منها المواطن والمجتمع السعودي.. ولو اتخذت المملكة هذه الخطوة لرفعت هيئات ومؤسسات حقوق الانسان تقاريرها التي تشيد بالتزام المملكة بحقوق الانسان ومراعاتها الكاملة بكل ما يتعلق بحقوق المواطن والمقيم والجاليات الاجنبية على ارض المملكة.
نعم لو اقدمت المملكة على فتح علاقاتها المباشرة مع اسرائيل لما كان لهذه الهجمة الكبيرة على مواقف وسياسات وقيادات ومجتمع المملكة ان تبدأ اساسا، ولكانت المملكة من الدول الصديقة دائماً للولايات المتحدة.. ولو كانت هذه الخطوة قد قامت بها المملكة قبل احداث 11 سبتمبر لوجدت الادارة الامريكية تبريرا كافيا.. ولتناقلت وسائل الاعلام وتحليلاتها ان هؤلاء الاشخاص السعوديين الذين اشتركوا في ضرب مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون هم اشخاص مغرر بهم، وهم اساسا من المعارضين للسياسة والحكومة السعودية.. ولدى الولايات المتحدة وخصوصا وكالة المخابرات المركزية تقارير سرية تفيد بأن هؤلاء كانت تطالب بهم الحكومة السعودية من فترة طويلة..
وستؤكد هذه التقارير بما لايدع مجالا للشك ان المملكة قيادة وشعبا ومؤسسات وجمعيات وافرادا لا علاقة لها بالارهاب لا من قريب ولا من بعيد.
نعم فالمعادلة التي تحاك ضد المملكة في اروقة مؤسسات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة وفي الغرب اجمالا، واضحة جدا، حيث تحاول القوى والمؤسسات النافذة في الولايات المتحدة ان تضغط على المملكة لتبني سياسة جديدة تتنازل فيها عن ثوابتها الدينية وتتخلى فيها عن الحقوق العربية والاسلامية في فلسطين.. ولو ارادت المملكة ان تقلب ميزان علاقاتها مع الولايات المتحدة لاتخذت مثل هذا القرار.. ولكن المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز والى العهد الحالي بقيادة الملك فهد والى المستقبل باذن الله ستلتزم امام الله سبحانه وتعالى وامام مواطنيها بان ثوابتها الدينية والمجتمعية ستكون فوق كل اعتبار، وتعلو على كل صوت..
(*)رئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية للاعلام والاتصال استاذ الاعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|