قد يظن بعض أبناء المجتمع أن المؤسسات التربوية حصر على التربويين، فهم الذين صنعوها وهم المسؤلون عنها، وبالتالي هم المحاسبون عنها سلباً وإيجاباً.
وهذا الرأي وإن كان يحمل في طرحه الأولى شيئاً محدوداً من الحقيقة، فإنه رأي يقصر عن إدراك مدى العلاقة بين المؤسسة التربوية والمجتمع الإنساني نفسه. وهو قصور أدى إلى نتائج سلبية، لعل أبرزها أمران. أحدهما، تغافل بعض أفراد المجتمع عن دورهم التربوي؛ زاعمين أن هذا الدور تقوم به المؤسسة التربوية، ولا شأن لهم بها.
والأمر الآخر، هو إلقاء اللوم على المؤسسة التربوية، وكيل التهم لها، وكأنها نتاج مستورد لا علاقة للمجتمع بها.
ولعل هذا القصور في التفكير نابع من عدم إدراك العلاقة التاريخية والآنية بين المجتمع والمؤسسة التربوية. وليس هذا مكان استعراض هذا العمق التاريخي في هذه العلاقة.
ولكن ما نود الإشارة إليه هنا، هو التذكير بأن المؤسسة التربوية بعامة ما هي إلا إحدى مؤسسات المجتمع نفسه التي صنعها على عينه، وحملها وظائف أساسية، لعل أبرزها نقل ثقافة الأمة لأبنائه وتهيئتهم للتكيف في مجتمعهم، وبالتالي العمل على تطوير بيئتهم الاجتماعية. وهذه وظائف كبرى تنوء بحملها المؤسسة التربوية ما لم يكن لها من المؤسسات المجتمعية الأخرى عون في مسيرتها؛ يساندها لإنجاحها كيما تحقق الأهداف المنوطة بها.
ومن هذه النقطة بالذات تكمن أهمية عقد الندوات التربوية من مثل ندوة «ماذا يريد التربويون من المجتمع وماذا يريد المجتمع من التربويين».
ولو اقتصر دور هذه الندوة على التذكير بهذه العلاقة الحميمة ذات الصبغة التضامنية بين المجتمع ومؤسسته التربوية لكفى.
إن المؤسسة التربوية بجميع صورها ما هي إلى صنيعة المجتمع وإحدى مؤسساته، وما أهدافها إلا أهداف المجتمع الذي أقامها، ومهمتها في ذلك، العمل على إجراءات التنفيذ. ومن هذه العلاقة الوثيقة بالأهداف فإن من حق المجتمع الطبيعي، بل ومن الواجب عليه أن يقوم بمتابعة المؤسسة التربوية والتأكد من تحقيقها الأهداف التي أوكل لها مهمة تنفيذها. وإن المتابع للاتجاهات التربوية في مجتمعنا يدرك أن هناك اهتماماً متزايداً من أفراد المجتمع بالنظام التربوي، يتمثل في متابعة التطورات التي يتعرض لها نظامنا التعليمي.
وأحسب أن الوقت قد حان لتطوير أدوات المجتمع في متابعة النظام التعليمي وتعميقها، ووضع أطر تنظيمية لها. ومما يترتب على ذلك ترك المتابعات غير الإيجابية لهذا النظام، والمضي قدما نحو عمل فاعل له أبعاده الإصلاحية. فالمتابعة السلبية لا تتسق مع دور الأفراد الاجتماعي في النهوض بهذه المؤسسة فهذا الدور القاصر على معرفة ما يدور في الساحة التربوية، أو توجيه النقد للمدرسة في معلميها، أو مناهجها، أو كتبها.
والاكتفاء من ذلك بالقول إن مناهجنا سيئة، وإن كتبنا رديئة أو ما شابه ذلك، دور محدود ويجنح للهدم لا للبناء. فهي آراء لا تفيد في تطوير العمل التربوي بل إنها كثيراً ما أساءت له. إذ المطلوب من أفراد المجتمع أكثر من إطلاق الأحكام وكفى!!
إننا بحاجة نحن معشر التربويين - إلى نقد معلل، يبين عن أسباب الحكم، ويوضح الأقوال، فإذا كان المنهج أو الكتاب سيئاً، فعلى من أخذ بهذا القول أن يبين مواطن السوء، ويقترح الإصلاح. وإذا كان المعلم لا يحقق الأهداف، فليبين عن ثغراته وعيوبه بالتحديد، ويحاول أن يشارك في سدها؛ لأن الذي يحكم على أمر من الأمور لا بد أن يكون عارفاً بجوانبه المختلفة. هذا هو النقد الذي نأمل أن يكونه النقد الموجه للمؤسسة التربوية في جميع مجالاتها.
إن المؤسسة التربوية إحدى مؤسسات المجتمع؛ ولهذا فإن التربويين يطمعون وهم على حق بإسهام أكبر من مؤسسات المجتمع المختلفة في مساعدتها على تحقيق الأهداف التي أناطها المجتمع بها. فالمؤسسة التربوية لا يمكنها أن تحقق أهدافها بمعزل عن الأسرة، الخلية الأولى للمجتمع؛ لهذا فإن تربية أبنائها واجب لا يمكن أن تتخلى عنه الأسرة للمدرسة، فمهما كان دور المدرسة فاعلاً فإن تهيئة الأبناء نفسياً وخلقياً وصحياً، وبالتالي تنشئتهم تنشئة إسلامية، وتحصينهم ضد التيارات والاتجاهات السلبية لا يمكن أن تقوم به المدرسة لوحدها، بل هي لا تزعم قدرتها على هذا الدور الخطير. وإذا كان بإمكان المدرسة التفرد بالعمل التعليمي، فإنه لا يمكنها بأي حال أن تقوم بمثل هذا في الميدان التربوي.
إن مبدأ الشراكة بين المؤسسة التربوية ممثلة في المدرسة والأسرة كفيل بتكامل الأدوار بين هاتين المؤسستين. ولعل تفاعل الأسرة مع مجالس الآباء والبرامج بين هاتين المؤسستين. ولعل تفاعل الأسرة مع مجالس الآباء والبرامج الموجهة للطلاب التي تنفذها المدرسة حري به أن يرأب أي صدع يمكن حصوله، ويقوي التكامل الواجب بينهما.
وفي عصر قويت فيه بعض الأنظمة الاجتماعية الأخرى يلزم إشراكها في المجهود العام للأمة في سبيل تربية أبنائها، ولعل الإعلام بوسائله المتنوعة ذات التأثير الكبير على الاتجاهات والمفاهيم من أكبر الشركاء في تربية أبناء الأمة، ذلك أنه قادر بأجهزته وبرامجه التأثير على بناء القيم وتوجيه الطاقات والفكر الناضج. وهو وسيلة فاعلة، وذات تأثير عميق في حياة الفرد والمجتمع؛ لهذا فإن دور الإعلام دور لا يستهان به، بل قد يفوق دور المدرسة في زمن أصبحت وسائل الإعلام تعيش مع الإنسان في زوايا منزله وغرفة نومه.
ولهذا وجب على الإعلام العربي عامة، والإعلام السعودي بصفة خاصة أن يعمل على تحقيق الأهداف المرسومة للتربية والتعليم وأن يواكبها في أخلاقياتها العربية الإسلامية. وأن يسهم في تعزيز مكانة المدرسة والمعلم في نفوس الأسرة والناشئة والمجتمع. ولا نري أن الإعلام تنحصر أهدافه في الترفيه، كما يزعم بعض الإعلاميين، بل إننا نرى أن له أدواراً أسمى من ذلك، وعليه مسؤوليات عظام تجاه أبناء الأمة، لا يمكنه التخلي عنها بأي مسمى، أو تحت أي ظرف أو شعار.
والأمن غاية كبرى يقوم عليها تقدم المجتمع واستقراره. وهو مطلب اجتماعي عزيز، ولهذا كانت المؤسسة التربوية حريصة على غرس المبادئ والقيم التي تصونه وتعزز من استقرار الوطن والمواطن. وهي في المقابل تأمل من الجهات الأمنية التعاون بوضع الحلول المناسبة للمخالفات والتجاوزات التي تظهر في المجتمع بين الفينة والأخرى، من خلال تنفيذ برامج إجرائية وعلاجية للظواهر السلوكية لدى الطلاب، بوصفهم من أكبر الشرائح الاجتماعية وأكثرها تأثيراً. ولن يتأتى هذا إلا بالتعاون المستمر بين المؤسسة التربوية والجهات الأمنية. وذلك بإجراء البحوث والدراسات حول الظواهر السلوكية غير المرغوبة.
وإذا كان القطاع الخاص شريكاً كبيراً في تلقي نتاج المؤسسة التربوية من أبناء المجتمع، فحري به الإسهام في دعم العملية التربوية والتعليمية؛ لأن مثل هذا الإسهام ليس من قبيل العرفان لهذه المؤسسة الاجتماعية بفضلها فحسب، وإنما هو استثمار حقيقي سوف يحصد نتاجه من خريجي المؤسسة التربوية، إذ هو سوف يشارك في صنع أفراده، وسيكون لرأيه قبل ماله، الأثر الكبير في تحسين النتاج التعليمي القادر على سد حاجته من الكفاءات العلمية والمهنية، من أبناء الوطن، القادرة على تيسير منشآته ورعايتها كيما تحقق أهدافها الخاصة. ولهذا يمكن للقطاع الخاص الاستثمار في مجالات التعليم من منظور وطني واقتصادي؛ لتحقيق أهدافه الخاصة، وأهداف الوطن عامة.
ولعل دعمه المادي والمعنوي للبرامج التربوية والتعليمية هو خير ما يقوم به هذا القطاع؛ وفاء للمجتمع الذي أقام هذه المؤسسة التربوية.
ولن نقول جديداً حينما نذكر أن البحث العلمي والتربوي في الغرب، قائم بالدرجة الأولى على إسهام القطاع الخاص وجهوده، ذلك القطاع الذي ينفق الكثير عليها؛ لإدراكه أنه سوف يجني ما هو أكثر!
لنا معشر التربويين آمال كبار في هذه الندوة التي سوف تعقد فيها مؤسسات المجتمع شراكة عمل مع المؤسسة التربوية، ولعلنا نخرج من لقائنا هذا بأطر عملية لتعاون فعال ومثمر، يكون خيره على الوطن وأبنائه.
وإن رعاية ولاة الأمر لمثل هذا اللقاء خير دليل على اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بالمؤسسة التربوية، وفي الوقت نفسه ستكون خير دافع للمجتمعين لإثراء اللقاء، والخروج به من أفق التنظير إلى رحاب التطبيق.
|