لقد أثبت الاسلام على مر العصور أنه مدرسة كاملة متكاملة، تعالج كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية، ومن ثنايا الحالة الصحية يأتي الاهتمام بالطب العقلي والارشاد النفسي والخلقي، فالاسلام جامعة تنظم حياة الفرد والجماعة وتكفل حقوق الانسان، وتوضح واجباته وتحميه من الدنس والرجس والخبث والخبائث والفواحش.
كذلك يدعونا الرسول صلى الله عليه وسلم لتجنب الغضب لماله من اثر سلبي في صحة الفرد النفسية والجسمية، والقرآن الكريم يدعو الى التدبر والتربوي والتأمل ويحمي المؤمنين من الرذائل فيحثهم على الابتعاد عن الميسر او مخالطة أقران السوء او اتيان الزنا او الفسق ويدعوهم كذلك لطهارة النفس والجسد وبالنهاية الى الصلاح.
ولو نظرنا الى كل ما ذكر لوجدنا ان العملية برمتها عملية ارشادية يراد من خلالها مساعدة المسترشد على الرجوع الى الاستقامة التي تمثل في المجتمع والدين عين الكرامة، لأن ذلك يؤدي الى تكيف الانسان وبعده عن الاضطرابات والشذوذ وبالتالي يحقق الصحة النفسية والتوافق النفسي.
هذا النوع من الارشاد «الاسلامي» يهدف الى اعادة التربية وبناء الشخصية على أساس الايمان المطلق بالعقيدة الدينية، ومن ثم الاعتراف بينه وبين نفسه انه ارتكب خطيئة بامكانه ان يكفر عنها وان باب التوبة مفتوح على مصراعيه. قال تعالى: { ان الله بغفر الذنوب جميعاً إنَّهٍ هٍوّ الغفور الرحيم}.
والاسس في الارشاد الديني مستمدة من القرآن الكريم والسنة، والعلم بهما بما يقود العالم الى الاجتهاد، قال تعالي : { يرفع الله الذين آمّنٍوا مٌنكٍمً وّالَّذٌينّ أٍوتٍوا العٌلًمّ دّرّجّاتُ}.
فالتدبر في آيات الله يقود العالم الى الخشوع والهداية والصواب في الاجتهاد والخشوع «انما يخشى الله من عباده العلماء» فالعلم في كتاب الله يقود الى معرفة طبيعة الانسان لأن الله اعلم بخلقه، قال تعالى: {أّلا يّعًلّمٍ مّنً خّلّقّ وّهٍوّ اللطيف الخبير }.
وفي كتاب الله قوانين وبيانات من تفقه بها استطاع ان يعالج ويرشد ويضع استراتيجية وقائية. ومن هنا يجب على المرشد الديني النفسي ان يلم بأمور الدين على اكمل وجه وان يلتزم قوانين الخالق لأنه ليس أعلم بالانسان من الله الذي خلقه.
ويجب الانتباه الى حقيقة أساسية وهي ان «الايمان اصل الشفاء فمن لا يؤمن بالارشاد الديني لن يتغير من مشكلته شيء» ودليل على ذلك آيات كثيرة نورد منها:
قوله تعالى: { قٍلً هٍوّ لٌلَّذٌينّ آمّنٍوا هٍدْى وّشٌفّاءِ }.
(1) يّهًدٌي إلّى الرٍَشًدٌ}.
أما أسباب الاضطراب النفسي في رأي الدين هي الذنوب والضلال عن سبيل الله وضعف الضمير والصراع حيث يعيش الانسان صراعا بين الخير والشر الحلال والحرام او بين الجانب الملائكي والجانب الحيواني وهناك أسباب اخرى للاضطراب النفسي منها ايثار الحياة الدنيا واتباع الغرائز والشهوات والتبرج والغيرة.
ومن أساليب الارشاد والدعوة:
1- الحكمة: فالمرشد عليه ان يتحلى بالحكمة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها».
2- الموعظة الحسنة: القلوب لها مفاتيح ومغاليق. وحتى يشعر المسترشد بالطمأنينة والراحة لابد من الموعظة الحسنة التي تلين لها القلوب وتسترشد بها العقول.
3- الجدال بالتي هي أحسن: أحيانا يحدث التباس في الفهم بين المرشد والمسترشد في هذه الحالة على المرشد ان يلجأ الى النقاش الموضوعي الذي يبتعد عن الذاتية.
4- البدء بالاهم ثم المهم: ان الايمان يعتبر الأصل والاهم لذلك وجب على المرشد ان ينظر اولا الى الجانب الايماني ومدى تأثيره في المسترشد.
5- الربط بين الاسباب والنتائج: ضرورة الاعتماد على الايمان كسبب اول يقودنا نحو الحلول.
ويروي ابو امامة ان شاباً اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الشاب: يا نبي الله أتأذن لي في الزنا، فصاح الناس به، فقال صلى الله عليه وسلم ادن فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أتحبه لأمك فقال لا.. جعلني الله فداك قال صلى الله عليه وسلم وكذلك الناس لا يحبونه لامهاتهم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا.. جعلني الله فداك قال صلى الله عليه وسلم وكذلك الناس لا يحبونه لاخواتهم. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال «اللهم طهر قلبه، وأغفر ذنبه، وحصن فرجه» فلم يكن شيء أبغض اليه منه «يعني الزنا» رواه احمد. ويستخلص من هذا الحديث نموذج كامل للارشاد حيث:
- ان الشاب لم يجد حرجاً من مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه سمة الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة والسماحة تجسيداً لقوله تعالى: {وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ}.
- عندما صاح الناس بالشاب، دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ليدنوا منه برحمة وشفقة وذلك ليبني معه علاقة طيبة حتى يأسر قلبه ويفوز بنصحه وهذا من صميم عمل المرشد.
- وفي المرحلة العقلية يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم سؤالا وينتظر من الشاب الاجابة عنه ويبدأ السؤال بعبارة أتحبه؟ وهذه الصياغة توجه الشاب نحو استحضار صور عقلية فيها الحث وفيها الانفعال والمشاعر: أتحبه لأمك؟ ومن أعز على الانسان من أمه وهكذا حتى آخر صورة في الحديث.
ومن أبرز خصائص العلاج والارشاد النفسي الاسلامي بالاضافة للسبق التاريخي انه علاج ايمائي يعتمد على ترشيح دعائم الايمان في نفس الفرد وللايمان قيمة علاجية عظيمة تجعل المؤمن يشعر بالامن والاطمئنان والرضا بقضاء الله وقدره كما ان الارشاد علاج خلقي في منهجه، يحترم كرامة الانسان ويصونها ويعتمد على الوقاية والشفاء على بث المبادىء الخلقية والحميدة في نفس الفرد. والارشاد علاج سلوكي وشمولي يعتمد على الواقعية ويبتعد عن الأمور الفلسفية والخيالية ومظاهر الخرافة والشعوذة. ولذلك رأي فقهاء السنة والجماعة ان على المرشد ان يتحلى بمزايا عدة نذكر منها:
- الشفقة على المتعلمين. كما قال تعالى: {وّكّانّ بٌالًمٍؤًمٌنٌينّ رّحٌيمْا} .
- ان يقتدي بالرسول الكريم فلا يطلب على افادة العلم اجرا.
- ان يتعامل مع التلاميذ على قدر عقولهم.
- ان يكون المعلم عاملا بعلمه فلا يكذب قوله فعله، لأن العلم يدرك بالبصائر، يقول تعالى : {أّّتّأًمٍرٍونّ النَّاسّ بٌالًبٌرٌَ وّتّنسّوًنّ أّّنفٍسّكٍمً} ، ولعل اهم معالم طريقة الارشاد الديني.
- الاعتراف والتوبة: حيث طريق المغفرة وامل المخطىء الذي فسق وظلم نفسه، يقول تعالى: {إنَّ اللهّ يٍحٌبٍَ التوَّابٌينّ وّيٍحٌبٍَ المتّطّهٌَرٌينّ}.
- الاستبصار: وهو الوصول بالفرد الى فهم اسباب شقائه النفسي ومشكلاته النفسية والدوافع التي ادت الى ارتكاب الخطيئة قال تعالى: {بّلٌ الإنسّانٍ عّلّى" نّفًسٌهٌ بّصٌيرّةِ}.
- التعلم: ويتضمن اكتساب المهارات والقيم والاتجاهات الجديدة ومن خلال ذلك يتم تقبل الذات والآخرين والقدرة على ترويض النفس وضبط الذات.
- الاستفسار: قال تعالى: {وّمّن يّعًمّلً سٍوءْا أّوً يّظًلٌمً نّفًسّهٍ ثٍمَّ يّسًتّغًفٌرٌ اللّهّ يّجٌدٌ اللّهّ غّفٍورْا رَّحٌيمْا}.
ويستخدم الارشاد الديني بصفة خاصة في مجالات الارشاد العلاجي والزواج وحالات القلق والوساوس والهستيريا وتوهم المرض والادمان والمشكلات الجنسية وارشاد الشباب في الحالات التي يتضح ان اسبابها واعراضها تتعلق بالسلوك الديني والاخلاقي.
* جامعة دمشق
|