(من المعقول الافتراض بأن الهجوم سينفذ في شكل ضربة واسعة ضد أهداف عديدة ومنتشرة في آن واحد. وبدل التغلغل البري الواسع من ناحية الكويت كما حصل في العام 1991 من المعقول الافتراض بأن القوات ستحمل جواً الى أهدافها مباشرة من اوروبا ودول الخليج والسفن ومن الولايات المتحدة ).
لا توجد صحيفة أو قناة تلفزيونية في الكرة الارضية لم تبحث في مسألة كيف ستجري الحرب الامريكية - البريطانية ضد العراق ويشارك في المداولات على طابع الحرب المرتقبة خبراء استراتيجيون بمن فيهم جنرالات ذوو تجربة ميدانية في حرب الخليج أيضاً. ولو كان قادة وزارة الدفاع الامريكية - البنتاغون يجمعون كل الاقتراحات فيحتمل ان يجدوا بينها بعض الاقتراحات الجيدة ولكن فيها وفرة كبيرة من الهراء المنقطع عن الملابسات الاستراتيجية.
واضح أنه اذا ما اندلعت حرب في العراق فانه لا يمكن النظر اليها بأنها الجولة الثانية من حرب الخليج في العام 1991. فاذا كانوا يرغبون في مفاجأة العراقيين في ميدان المعركة فانه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال نسخ الحرب السابقة.
أهداف الحرب القادمة تختلف تماما عن أهداف الحرب في العام 1991 التي تركزت على تحرير الكويت. وعملياً فان الهدف الاستراتيجي للحرب القادمة يختلف عن كل أهداف الحروب في الماضي، فالتاريخ العسكري لا يوفر نموذجا على حرب كان الهدف الأعلى منها نزع اسلحة الدمار الشامل - وليس السلاح العادي - من العدو، أما إسقاط نظام صدام حسين - وهو الهدف الذي يثير الجدال حتى الآن - فهو نتيجة لذاك الهدف.
ان الهدف المميز المتمثل بشل فعالية سلاح معين يوجد خطر نشوء تناقض استراتيجي، فالضربة الاولى أو ما سيأتي بعدها من شأنها ان تدفع العراق الى الرد باستخدام اسلحة الدمار الشامل - سواء ضد القوات الامريكية أو ضد اسرائيل وغيرها من الأهداف؛ بمعنى ان الحرب التي كانت ترمي الى استخدام اسلحة الدمار الشامل من قبل حاكم خطير ستشجع على استخدام هذا السلاح بالذات. والبيت الابيض على وعي بالخطر ولهذا فقد أشار رجاله الى ان الاستراتيجية الامريكية لا تستبعد امكانية رد بعيد الأثر في ظل استخدام كل الخيارات على استخدام عراقي لأسلحة الدمار الشامل. وعندما اهتمت اسرائيل بمعرفة نوع الرد الامريكي على مثل هذا الهجوم عليها قيل لمندوبيها بأن هذا سيكون «ساحقا» (Devastating).
والاستنتاج الميداني هو ان على الخطوات العسكرية ان تكون حاسمة منذ المراحل الأولية، وليس كما حصل في العام 1991 عندما انتظرت القوات البرية نحو أربعين يوما الى ان انتهت اسلحة الجو من استنزاف القوات العراقية وبالأساس فانه من أجل تحقيق حسم سريع في وجه الاستخدام المحتمل لاسلحة الدمار الشامل فان ثمة حاجة الى استخبارات راقية عن مخزون هذه الاسلحة وعن الصواريخ التي بحوزة العدو فلا جدوى من هرولة عمياء.
إن من يرغب في إعفاء اسرائيل من الرد على ضربة عليها بأسلحة الدمار الشامل، فانه ملزم بالعمل على وجه السرعة في غربي العراق وذلك لأن لدى العراقيين مدى نارياً لاسرائيل، لا تكفي عملية جوية لتنظيف المنطقة بشكل معقم، ومن اجل استخدام قوات خاصة في غربي العراق فان على الامريكيين الحصول على موقع انطلاق في الاردن، فالعراقيون هم خبراء في الاخفاء ومن المشكوك فيه ان ينشروا الصواريخ في المنطقة قبل الأوان. ينبغي الأخذ في الاعتبار انهم أخفوها في المنطقة.
من المعقول الافتراض بأن الهجوم سينفذ في شكل ضربة واسعة ضد أهداف عديدة ومنتشرة في آن واحد، وبدل التغلغل البري الواسع من ناحية الكويت كما حدث في العام 1991 من المعقول الافتراض بأن القوات ستحمل جوا الى أهدافها مباشرة من اوروبا ودول الخليج والسفن ومن الولايات المتحدة. والمشكلة لن تحل من خلال اقتحام خطوط محصنة أو ادارة معارك كبيرة في منطقة مبنية مثل بغداد، فهذا ما ينتظره العراقيون وعلى الرغم من ذلك فان الامريكيين يحتاجون لبضعة فرق مشاة ومدرعات وأحد الأهداف سيكون بالتأكيد القطع السريع لصدام عن آلته العسكرية وشل فعالية قادة النظام، بضع عشرات من الاشخاص دون التكبد بخسائر فادحة في أوساط السكان أو التدمير الخطير للبنى التحتية المدنية.
واذا ما نجح صدام في البقاء في موقعه على مدى اسبوعين - ثلاثة بعد بدء الحرب ونشأت على الارض حرب استنزاف فسيسجل الامر في العالم العربي كانتصار عراقي. وعلى أي حال فان هذه لن تكون «أم كل المعارك» من ناحية العراقيين، كما تبجح صدام في العام 1991.
(*) خبير إستراتيجي إسرائيلي / صحيفة هاآرتس
|