ذكر الجاحظ في كتابيه: الحيوان، والبيان والتبيين، والأصفهاني في محاضرات الأدباء، وابن عبد ربه في العقد الفريد وغيرهم في كتبهم، بل جاء شيء من ذلك عند بعض المفسرين: بأن الخنزير من أخسّ الحيوانات، وأسوئها طبعاً، بل مما قاله الجاحظ ونسبه لبعض المفسرين: أن نوح ومن معه في السفينة، لما تكاثرت عندهم القاذورات اشتكوا إلى نوح عليه السلام: فأُمِرَ أن يأتي إلى الأسد، ليعطس فخرج من منخريه، بقدرة الله الخنزير الذي خُلق من تلك العطسة.. فصار يأكل ما وجد من قاذورات.. وهي من الحكايات الإسرائيلية..
بل إن الجاحظ ذكر في الجزء الرابع من كتابه الحيوان كلاماً كثيراً في عدة أماكن من هذا الجزء عن الخنزير وعلّة تحريمه، وسوئه في نفسه وفي خلقه، ومن ذلك قوله: فلولا أن في المعنى متقدّماً سوى المسخ، وسوى ما فيه من قبح المنظر، وسماجة التمثيل، وقبح الصوت، وأكل العذرة، مع الخلاف الشديد، واللّواط المفرط، والأخلاق السمجة، ما ليس في القرد، الذي هو شريكه في المسخ، لما ذكره دونه.
فقد ذكر ابن كثير: أنهم قوم من بني إسرائيل تمادوا في المعاصي، فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فمسخهم الله قردة وخنازير ثم أهلكهم.
وذكر ابن جرير في تفسيره، وكذا السيوطي، أن نفراً من بني إسرائيل «يهود المدينة»، لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمّن يؤمن به من الرسل، فذكر الأنبياء قبله - كما جاء في القرآن - وعندها جحدوا لمّا ذكر عيسى عليه السلام، وقالوا: لا نؤمن بعيسى، وهذا يدل على عداوتهم المتأصلة، فهل يعي النصارى ولا يدافعون عنهم؟!.
فمن مسخه الله من اليهود خنزيراً أو قرداً فهذا عقاب عاجل، لأن كلاً من هذين الحيوانين، من أحطّ الفصائل، سوءاً وطبعاً، لما ثبت في طبائع الخنزير أولاً، من دناءة الطباع، التي هي نموذج لواقع اليهود اليوم، وفي كل زمان ومكان، حتى أصبحوا يمثلون الدناءة البشرية.. وقد أبان الله سبحانه في القرآن كثيراً من ذلك.
فالخنزير كما يقول عنه العارفون به، تتأصّل فيه طباع لا يتركها، مهما كانت الحالة ومنها:
- لا يترك أكل أو شرب القاذورات والجيف، مهما اعتني به، ومهما بُذِلَ من جُهد في نظافة الطعام المقدم له، والمكان الذي يقيم فيه، ذلك أنه إذا لم يجد شيئاً من القاذورات، رجع لقاذورات نفسه فأكلها.
- عنده نزعة الافتراس للأطفال من البشر، والتسلّط على النساء إذا انفرد بهن، فيغتنم الفرصة متى ما سنحت، فطالما سمعنا في ديارهم عن اعتداءات الخنازير على الأولاد، وأكلهم، وعلى من ينفرد معهنّ لتقديم الطعام في الحظيرة، وهذه نزعة لا تكون إلاّ في الحيوانات المفترسة والدنيئة.
- مشهور عن الخنزير أنه عديم الغيرة، فهو الحيوان الوحيد الذي ينزو على أمه، من دون تردّد.
- كما أنه في مقدمة الحيوانات التي يعلو الذكر على الذكر وهذا من الشذوذ المستغرب في الحيوانات.
- كما أن علماء النفس وعلماء الاجتماع: يدركون بعض الأسرار في هذا الحيوان، الذي حرّمه الله سبحانه أكلاً وانتفاعاً، وأن عيسى عليه السلام، بعدما ينزل في آخر الزمان فإنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب، ومما أدركوه أن:
من يتعاطى أكل لحمه، فإنه يتشبّع بما جبل هذا الحيوان عليه: كالجبن والخَوَرْ..
ذلك أن الإدمان على أكل لحم الخنزير، والاستمرار على دهونه وشحمه، فإن ذلك يوردث عنده هذه الطباع، كما يورث أيضاً: ضعف الغيرة على المحارم، والمحافظة على الشرف، فيتبلّد الذهن، ويكون عديم المبالاة، وهذه خصلة معروفة في الخنزير نفسه.
ولئن كان محرماً على اليهود من قبل، فليس لأنه قد مسخ منهم قوم، عقاباً لمعاصيهم لله سبحانه المتكررة، بل لما فيه من دناءة وسوء طباع بان شيء منها وكل يوم يكشف العلم جديداً، من أسرار هذا التحريم الذين اقتضت حكمة الله: أن يكون كل ما حرم، فلمصلحة البشر، ولدرء الخطر عنهم، بعيداً كان أثر هذا الخطر أم قريباً.
ومن باب أولى أن يكون محرماً على النصارى، ولكنهم لجهلهم، بعدما اجتمعوا في مؤتمر «نيقيا» قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاثة قرون، أرادوا مخالفة اليهود الذين تسلّطوا عليهم، فحلّلوا ما كان محرماً، وحرموا ما كان حلالاً: ومن ذلك قالوا: اليهود يحرمون الخنزير يجب أن نحلّله، واليهود يختتنون يجب عدم الاختتان، واليهود يطلقون زوجاتهم، يجب منع الطلاق، واليهود يحرّمون الخمر علينا أن نشربها وهكذا في حالات كثيرة.. وفي كلها شرعوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله، ولا مؤيد له في أوامر رسلهم.
فالآية الكريمة التي مرت بنا، بينت أن اليهود هم شرٌّ مكاناً بأعمالهم وتعمدهم الفساد والإفساد، والله لا يحب المفسدين، إذْ حددت الآية ثلاثة أمور، كل واحد أشدّ ألماً من الآخر، مما يدعو إلى التّمعن في هذه الفئة من البشر، التي جبلت على الطبائع السيئة: طبعاً فيهم، ويمكّنونه تطّبعاً في صغارهم حتى يكبروا، كما هو ظاهر اليوم وفي كل يوم: حباً للفتن، وبثاً للأحقاد، وكذباً في الإعلام والسياسة، والمواعيد، ونقضاً لكل عقد مبرم، ودساً على المسلمين وخاصة المملكة العربية السعودية، التي تمثل الرأس من الجسد بالنسبة للمسلمين.
فاستحقوا بذلك اللعن من الله، وهو الطرد من رحمته، وغضب الله عليهم، هذا العقاب الآجل، أما العاجل لكي يتعظ من في قلبه نبضة إيمان، فمسخهم قردة وخنازير...، وفي الحديث القادم نبين الأضرار الصحية في أكل الخنزير كما ثبت طبياً.
من أسباب المسخ:
تعّرض كثير من المفسرين لبعض الأسباب، التي كانت من دواعي غضب الله على اليهود، فكانوا بعد غضب الله عليهم: قردة وخنازير، كما ذكر الله سبحانه، فقد أورد السيوطي في تفسيره، حديثاً بالسنّد لأبي أيوب الأنصاري قال: حُدّثْتُ أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير، كان أن امرأة من بني إسرائيل، كانت في قرية من قرى بني إسرائيل، وكان فيها ملك بني إسرائيل، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة، إلاّ أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة، فجعلت تدعو إلى الله، حتى إذا اجتمع إليها ناس فبايعوها على أمرها، قالت لهم: إنه لا بدّ لكم من أن تجاهدوا عن دين الله، وأن تنادوا قومكم بذلك، فاخرجوا فإني خارجة، فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في الناس، فقتل أصحابها جميعاً، وانفلتت من بينهم، ودعت إلى الله حتى تجمّع الناس إليها، إذا رضيت منهم، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم، فأصيبوا جميعاً، وانفلتت منهم، ثم دعت إلى الله، حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم، فأصيبوا جميعاً، وانفلتت منهم، ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم، فأصيبوا جميعاً، وانفلتت من بينهم، فرجعت وقد أيست وهي تقول: سبحان الله.. لو لهذا الدين وليّ وناصر لقد أظهره الله.
فباتت محزونة، وأصبح أهل القرية يسعون في نواصيها خنازير مسخهم الله في ليلتهم تلك.
فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أن الله قد أعزّ دينه، وأمر دينه.
قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل، إلاّ على يدي تلك المرأة.. وأخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الملاهي، من طريق عثمان بن عطار عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في أمتي خسف، ورجف وقردة وخنازير» والله أعلم.
(الدرّ المنثور للسيوطي 3:109 - 110).
|