Wednesday 1st January,2003 11052العدد الاربعاء 28 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رياح التغيير رياح التغيير
د. سهام العيسى

* تدور في مجالسنا هذه الأيام أحاديث كثيرة منها قضايا الاستثمار ودوره في تنمية موارد المواطن العادي، وتمثِّل المساهمة في شركة الاتصالات النقطة الساخنة التي يدور التنظير حولها ما بين مؤيِّد ومعارض، وننطلق من هذا الاستثمار المحدود إلى أبنائنا استثمار المستقبل اللامحدود والمحاصر بين مؤسساتنا التعليمية ومؤسساتنا الثقافية والإعلامية، أطفالنا اليوم يعيشون مأزقاً استطعنا نحن تجاوزه، فالصراع بين هويتنا وقيمنا وموروثاتنا وبين تيارات العولمة التي تحاول زعزعة ثوابتنا ومعايير مجتمعنا وإحداث نوع من التغيير في أفكار أطفالنا واتجاهاتهم باعتبارهم لبنة أكثر طواعية.
* تمتاز الأسر العربية بتماسكها وعلاقاتها الاجتماعية الحميمة بعكس الأسر الغربية التي تعاني من فقدان التواصل بين أجيالها، فقد بيَّنت دراسة ضآلة الوقت الذي يقضيه الآباء مع أبنائهم في تلك المجتمعات فمثلاً أشارت الدراسات القادمة من هولندا أن هذا الوقت هو ما بين 11 ثانية إلى دقيقة واحدة يومياً. ويقول البروفيسور بول فاولر: إن الأمر ليس وقفاً على الوقت ولكنه يشمل أيضاً نوعية الحديث، فبعض الآباء يلجأ للإجابات السريعة أحياناً، وأحياناً أخرى إلى التهكم والسخرية وكل هذه الردود تترسب في اعماق الطفل ويصبح منجما «للمشاعر السلبية وبالتالي تؤدي إلى فقدان الطفل ثقته بنفسه.
* ابتكر الدكتور سبنسر جونسون أسلوباً تربوياً متميزاً يتناسب مع إيقاع العصر المتسارع للدول الغربية وموضة الكتب الرائجة وهو تربية الابناء في دقيقة واحدة، فالتأنيب والثناء والتشجيع ومناقشة الأهداف كلها في دقيقة واحدة، فمثلاً يتم تأنيب الطفل عن سلوكه الخاطئ لمدة نصف دقيقة والنصف الآخر اجعله يشعر بأنك تقف إلى جانبه ولست ضده وقل له ما يريد أن يسمعه منك، اعتقد أن هذا من السهولة تطبيقه في المجتمعات الغربية، أما في مجتمعاتنا فاعتقد ان دور الأسرة والمؤسسات التعليمية أكبر خصوصا بعد الانفتاح الخارجي، حيث أصبحت الدول عاجزة عن فرض رقابتها التقليدية على الفضائيات والشبكة العنكبوتية تاركة هذه المهمة الصعبة إلى الأسرة.
* مشكلة التلفزيون ازدادت خطورتها بعد انتشار الفضائيات، فهو يحمل العالم بكل ألوانه المبهرة وحريته إلى عالمنا، لا ننكر أن العديد من الدراسات دلت على اكتساب الطفل العديد من المهارات والمعارف التي مصدرها الأساسي التلفزيون خصوصاً للذين يجدون صعوبة في توفير الكتب ومصادر الثقافة الأخرى، ولكن بالمقابل كانت هناك سلبيات لها تأثيرها على النمو الاجتماعي والانفعالي للطفل، بالاضافة إلى إحساسه بالغربة عن مجتمعه، خصوصاً الطفل الذي يركز على مشاهدة بعض القنوات العربية والأجنبية، حيث يعتاد مشاهدة سلوكاً وعقيدة وفكراً لا وجود له في محيطه الذي يعيش فيه وبالتالي يضعف انتماؤه لبلده ومجتمعه.
وبالإضافة إلى تأثيره على تحصيله المعرفي خصوصاً ممن يدمنون مشاهدة الشاشة الصغيرة، حيث يقل مستواه في القراءة والكتابة والرياضيات، فإنه يؤثِّر على شخصية الطفل وسلوكه، حيث يصبح منتمياً ومن دون وعي للشخصيات التي يراها في التلفزيون ويتأثر بها، ولعلنا نتذكر حكاية الطفل الذي حاول تقليد شخصية سوبرمان وألقى بنفسه من فوق إحدى العمارات.
* تزداد مشكلة الانفتاح خطورة في عصر الشبكة العنكبوتية، فالانترنت اقتحم البيوت بكل قوةوهو كغيره من الاختراعات له إيجابياته وسلبياته، وإيجابيات الانترنت كثيرة وتشمل مجالات الحياة المختلفة مثل البحث العلمي، التجارة الالكترونية والاستثمارات وغيرها، فهو من أهم مصادر المعلومات في وقتنا الحاضر، أما أهم سلبياته فهي إهدار الوقت خصوصاً لمدمني التخاطب اللحظي في المنتديات (Chatting).
* سمر الدلوعة كانت هي الدافع الأساسي لي لكتابة هذا المقال، سمر الدلوعة عندما علمت بحكايتها أصابتني بنوبة ضحك، فشر البلية ما يضحك، سمر طفل في العاشرة من عمره أبلغ أصدقاءه ان دخول المنتديات أفضل من التجول في مواقع الأطفال، ونصحهم عند دخول هذه المواقع بالدخول باسم فتاة حيث سيكون لك معجبين ويبعثون لك رسائل بريد الكتروني، بعكس فهودي الاسم الآخر لسمر فلا يصل لبريده إلا رسائل قليلة، وهي تمتلك بريداً الكترونياً على yahoo وهو يمتلك على hotmail، وفي ظل هجوم المواقع الاباحية على كل ما هو بريء نتساءل اين رقابة الأهل وأطفالنا يتعرضون لقتل طفولتهم بدعوى الحب، لماذا تحول دور الأسرة من تربية القيم وغرسها إلى حب وحنان مغلف بثقافة الاستهلاك وتوفير مستلزمات المعيشة واللبس على آخر صرعات الموضة والترفيه فقط؟
* اغتيال الطفولة وبراءتها ودخولهم إلى عالم الكبار بكل مشكلاته وتناقضاته وعدم إتاحة الفرصة لهم ليأخذوا نصيبهم الكافي من خبرات الطفولة تجعلهم يعيشون في صراع داخلي قد لا نصل إلى جذوره إلا بالحوار ومناقشة أفكار الطفل، فقد أثبتت الدراسات دور الأسرة في بناء شخصية الطفل او هدمها، فالطفل الذي يتلقى الدعم والتشجيع من والديه يكون أكثر سعادة، وهذا الدعم الذي يكون إما عن طريق الحوار البناء وبيان ما هو صح أو خطأ، أو عن طريق تقديم الحوافز وتعزيز السلوك الصحيح.
* سأل أحد الأشخاص عالم الفيزياء نوبل لماذا أصبحت فيزيائياً «ولم تصبح طبيباً» أو رجل قانون أو خياطاً مثل أبيك؟
فأجابه: لقد صنعت مني أمي عالماً دون أن تخطط لذلك أو تقصد.
وفي ظل رياح التغيير التي تهب بكل عنف وقسوة لتقتلع جذور أطفالنا الغضَّة، نتساءل: ما دورنا في الحقيقي لصناعة أجيالنا القادمة؟؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved