لايزال بعض الاخوة والاخوات القراء يظن ان للكاتب او الشاعر دوراً في اخراج مقاله او قصيدته في الجريدة، وأنَّ مخرج الجريدة ينسق مع الكتاب والشعراء لاختيار الاشكال والصور، ونوع الخط الذي تنشر به اعمالهم، وهذا الظن يدفع اصحابه الى عتاب اصحاب الاقلام على الطرق التي تنشر بها كتاباتهم احيانا.
انَّ قسم الاخراج الصحفي في الجريدة، ومن ورائه المسؤول المباشر للقسم، ورئيس التحرير، هم المسؤلون عن هذا الجانب المهم من العمل الصحفي، وهم الذين يختارون مايرونه مناسباً من وسائل الاخراج لما ينشر في صفحات جريدتهم من المقالات والقصائد وغيرها، وكثيراً ما يفاجأ الكاتب او الشاعر بطريقة اخراج عمله في الجريدة، سواء أكان من حيث طريقة الاخراج، وانواع الخطوط المستخدمة، ام من حيث اختيار الصور التعبيرية المصاحبة لما نُشر بكل انواعها التي نراها في الصحف والمجلات، وهذه المسألة خاضعة للاجتهادات التي قد تصيب وقد تخطئ، ولربما نظر المخرج الصحفي الى سطر من مقالته، او بيت شعر من قصيدة، او فقرة من تقرير او تحقيق صحفي، فوقع اختياره على نوع الاخراج وطريقته انطلاقاً من ذلك السطر او البيت الشعري او الفقرة.
هنا يكون الكاتب او الشاعر بعيداً تماماً عن طريقة الاخراج الصحفي واسلوبه، ولربما فوجئ صاحب المقال او القصيدة بطريقة في الاخراج، وببعض الصور التعبيرية سواء أكانت شخصية ام غير شخصية لايرى انها مناسبة لما كتب ولكنه لا يستطيع حينها ان يصنع شيئاً إلا التنبيه وإبداء الرأي بعد فوات الأوان.
قال لي بعض القراء: لماذا لاتشترطون على الجريدة ان تعرض عليكم المادَّة التي كتبتموها مخرجَةً حتى تجيزوها؟، وبعضهم قال: لماذا لايتم التنسيق الهاتفي بين الكاتب والاخراج في الجريدة قبل نشر المقال او القصيدة؟؟
وقلت لهؤلاء الاخوة والأخوات في حينها: هل تظنون ان هذا أمر ميسور سَهْلُ التطبيق؟؟ وهل يتعامل قسم الاخراج في الجريدة مع كاتب واحد أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة أو مائة، إنَّ واقع العمل الصحفي اليومي لايسمح بمثل هذا أبداً، فعجلة الصحافة اليومية، او الاسبوعية، بل الشهرية، تدور بصور عجيبة فيها من السرعة، واللُّهاث اليومي مالا يدركه إلا من يباشر العمل الصحفي ويعرف ما يعتور طريقه من الصعوبات.
ومع ذلك فها هو ذا اقتراحكم ينقل هنا الى المسؤولين في كل جريدة وصحيفة وأضمُّ صوتي إلى أصواتكم إن كان لدى قسم الاخراج الصحفي قدرة على التنفيذ، وهنالك جانب من جوانب المشكلة في هذه المسألة، يحسن بنا ان نَطْرحه هنا للتنبيه والتوجيه للكثير من احبتنا القراء، ألا و هو عدم القراءة المتأنية لكثير من المقالات او القصائد او التحقيقات الصحفية التي ينتقدونها، وقد عايشت هذه المشكلة بنفسي مع بعض القراء والقارئات، حيث يتصل بي احدهم مثلاً منتقداً مقالة او قصيدة بطريقة تؤكد لي انه لم يقرأها، وإنما قرأ العنوان، أو رأى طريقة الاخراج، أوأنه قرأها ولكنه لم يستطع ان يفهمها، ولاشك ان هذه مشكلة كبيرة، ولا أبالغ إذا قلت: إنها خطيرة، فهي استقراء ناقص، والاستقراء النَّاقص يجعل الحكم على ما كُتب جائراً في حالتي السلب والايجاب، وقد جرَّبت هذا شخصياً مع عدد من القراء ولا أزال أجربه بين الحين والآخر.ومن أمثلة ذلك اتصالات هاتفية تلقيتها بعد نشر قصيدة لي في جريدة الجزيرة عنوان «رسالة إلى حسناء»، وكان المخرج الصحفي قد اختار لها صورة تعبيرية متعدّدة الملامح ومن بينها صورة وجه نسائي مبرقع، وقد تلقيت اتصالاً هاتفياً صباحياً مبكِّراً يوم نشرت القصيدة من قارئٍ غاضب اطلع عليها، قبل ان أطَّلع على الجريدة ذلك اليوم، قال لي: كيف يا أبا أسامة تفاجئنا بهذه القصيدة الغزلية الطويلة بتلك الفتاة المبرقعة؟؟ ألست الذي تقول:
بيني وبين الشعر عَهْدٌ صادق أن نجعل الإسلام مبدأنا الأغر
|
قلت له: وضِّح فأنا لا أعرف ماذا تعني؟؟، وضحك ضحكة غاضب وقال: كيف تتجاهل الأمر يا أبا أسامة، وبعد حوارٍ معه، وبعد إعادة قراءةٍ منه للقصيدة اقتنع بما ذكرتُ له من ان صاحب الكتابة لايشارك في الإخراج، وعاد يعتذر إليِّ أشدَّ الاعتذار حينما علم ان موضوع القصيدة مخالف لما كان يظنّ، وقد فاجأني بعد حواري معه انه بادر بالاتصال بي دون ان يقرأ القصيدة كاملة، وهذه مسألة خطيرة فيها مخالفة للشرع الذي أمر بالتثبُّت والعدل في الحكم.
إشارة:
من نوى الخير في الحياة قضاها في نعيمٍ وعاش في اطمئنان
|
|