* القاهرة - طارق عبد الغفار - أ ش أ:
أعادت الضربة الأمريكية المحتملة ضد العراق إلى الأذهان قضية التدخلات العسكرية وجدواها ومدى نجاحها في ظل التغيرات الدولية الحالية والاخفاقات التي نجمت عن التدخل العسكري الدولي في عدد من الدول الصغيرة.
وأضحت التدخلات العسكرية الدولية «كما يراها عدد من الخبراء الإستراتيجيين الأوروبيين والأمريكيين» السمة الواضحة في السياسة الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة حيث دأبت الدول الكبرى على تشكيل تحالفات دولية للتدخل في مناطق التوتر كالصومال وكوسوفو تحت دعاوى الأغراض الإنسانية أو لإعادة الديموقراطية والاستقرار لتلك الدول أو ربما لأهداف خفية.
ورغم فشل التدخلات العسكرية في تحقيق أهدافها في بعض المناطق التى تشهد توتراً كالصومال باتت تلك السياسة في أولويات السياسة الخارجية لعدد من الدول الكبرى.
وتؤكد الدول الكبرى أهمية تبني تلك السياسة كخيار أخير لحماية الأمن والسلام الدولي واحتواء الصراعات العرقية وبسط سيطرة الحكومة المركزية على الدولة التي تشهد توترات مزمنة أو الإطاحة بالأنظمة الحاكمة التي تقمع شعوبها وتهدد الأمن الدولي.
وتستشهد الدول الكبرى ببعض النماذج الناجحة التي أثمرت عملية التدخلات العسكرية الدولية كقضية كوسوفو التي لعب فيها حلف شمال الأطلنطي «الناتو» دوراً حاسماً في ردع العدوان الصربي وحماية السكان ذوي الأصول العرقية.
وأدى نجاح حلف الأطلنطي في عملية التدخل العسكري بكوسوفو إلى تدعيم سياسة التدخلات الدولية لإعادة الاستقرار في السياسة الدولية حيث قام زعماء الدول الأعضاء بالحلف بزيارة كوسوفو عام 1999 وتقديم الدعم لها للمساهمة في إعادة الإعمار.
وقال محللون استراتيجيون إن كوسوفو تمثل أول نجاح لسياسة التدخلات العسكرية الدولية على مدار العقد الماضي.
ومن جانبه، دافع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عن سياسة التدخلات العسكرية الدولية حيث أكد أن تلك السياسة تمثل رادعاً قوياً لأي طرف يسعى إلى ارتكاب جرائم تطهير عرقي ضد الأقليات أو زعزعة الاستقرار الدولي لأن ذلك الطرف سوف يفكر جيدا في عواقب الإقدام على مثل تلك التصرفات المتهورة.
وفى السياق نفسه، قال المستشار الألماني جيرهارد شرودر إن التدخل الدولي بكوسوفو كان بمثابة رسالة لطمأنة الطرف الضعيف في أي مكان في العالم بأنه سوف يجد سنداً قوياً من جانب حلف شمال الأطلنطي لردع المعتدي.
وأوضح الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن التدخل العسكري الدولي في كوسوفو يثبت أنه توجد حروب عادلة مشددا على أن الحروب العادلة التي تخدم أغراضاً إنسانية ستكون بؤرة التحرك خلال الأعوام القادمة على المستوى العالمي.
وبدأ التحالف الدولي هشّاً في قضية العراق رغم الإصرار الأمريكى على توجية ضربة عسكرية للإطاحة بالرئيس صدام حسين حال رفضه التخلص من أسلحة الدمار الشامل حيث تعالت الأصوات المعارضة للحرب على المستوى العالمي بصفة عامة وداخل حلف الأطلنطي بصفة خاصة.
ويرى خبراء استراتيجيون أن عدم تقييم آثار التدخلات الدولية السابقة وعدم التأكد من نجاحها يعتبر أحد الأسباب الهامة التي يستند عليها المعارضون للحرب.
وأصبحت قضية عراق ما بعد صدام تتصدر اهتمامات الساسة بالدول الكبرى ووسائل الاعلام العالمية حيث تركز النقاش على النتائج المترتبة على عملية التدخل الدولي للإطاحة بالرئيس صدام حسين وعما إذا كانت تلك الخطوة سوف تنجح كما حدث في أفغانستان وكوسوفو وهل سيترتب عليها إيجاد حكومة مسالمة قوية يمكنها فرض سيطرتها على تلك الدولة التي تعتبر وطنا لجماعات عرقية متباينة.
ويتردد عدد من الدول الكبرى في الموافقة على التدخل الدولي بالعراق دون تقييم الأوضاع بصورة شاملة كخطوات إعادة التعمير وموقف الجماعات العرقية المختلفة وهل سيتم تنفيذ خطة لإعادة بناء تلك الدولة أم التخلي عنها كما حدث في حالة روسيا التي أدار الغرب ظهره لها رغم وعوده البراقة خلال الأعوام الماضية.
ومن جهة أخرى يردد الخبراء الإستراتيجيون أن التدخل الدولي لأغراض إنسانية ليس أمراً جديداً بل يعود إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر حينما تدخل الغرب لحماية البلغاريين من العنف التركي.
وشدد الرئيس الأمريكي الراحل وودرو ويلسون «في أعقاب الحرب العالمية الأولى» على ان الدافع للتدخل الدولي ينبغي أن يركز على مشروعية التدخل وأسبابه وهل هي عادلة أم لا.. ومدى استفادة البشرية من عمليات التدخل الدولي.
واعتبر الساسة والخبراء الإستراتيجيون في أوروبا والولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا النازية بأنها بمثابة تحرير أوروبا من العصور المظلمة في الوقت الذي وصفوا فيه الحرب الباردة مع الكتلة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد السوفيتي السابق بانها حرب الديموقراطيات ضد أعداء الحرية.
وأكدت الدول الغربية أن التدخل الدولي بالصومال في بداية التسعينيات من القرن الماضي كان لأهداف إنسانية بحتة لإنقاذ الصوماليين من شبح المجاعات بينما جاء التدخل الدولي في البوسنة والهرسك وكوسوفو لإنهاء الصراع الطائفي.
وفى الوقت نفسه أعلن خبراء غربيون أن تشكيل التحالف الدولي لخوض حرب تحريرالكويت في بداية التسعينيات قد تم بسهولة نظرا لمشروعية الحرب والرغبة في طرد المعتدي.
وأوضح الخبراء أن التطورات الحالية تشهد بأن التدخل الدولي قد أصبح حقيقة ملموسة تستمد مشروعيتها من أهدافها ودوافعها الحقيقية سواء الخفية أو المعلنة.
ورغم إصرار العسكريين الأمريكيين على مواصلة الاستعداد للحرب المحتملة مع العراق تواجه الولايات المتحدة حاليا مأزقاً حاداً يتمثل في البحث عن شركاء يمولون الحرب على غرار حرب تحريرالكويت عام 1991 التي شكلت واشنطن ائتلافاً دولياً لخوضها وتمويلها.
ويتزايد القلق في أوساط الكونجرس في ضوء التكلفة الكبيرة المتوقعة للحرب التي تتراوح ما بين 100 إلى 200 مليار دولار إضافة إلى فتور حماس عدد من شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين الذين أسهموا بصورة فعالة خلال حرب تحرير الكويت سواء بالجنود أو الأموال مثل اليابان وألمانيا والدول الخليجية الرافضة للحرب.
وتشير الاحصائيات إلى أن 80 في المائة من تكلفة القوات في حرب تحريرالكويت التي بلغت حوالي 70 مليار دولار تحملتها اليابان وألمانيا والمملكة العربية السعودية والكويت في الوقت الذي تحمل دافع الضرائب الامريكي المبلغ المتبقي الذي بلغ حوالي 14 مليار دولار.
وشارك في حرب تحرير الكويت حوالي 500 ألف جندي أمريكي إضافة إلى 160 ألف جندي من حلفاء الولايات المتحدة.
وتخشى مؤسسات سياسية واقتصادية عالمية من اتساع نطاق الحروب النفطية خلال السنوات المقبلة نتيجة الزيادة المستمرة في معدلات الاستهلاك والتوسع الصناعي.
وتبدو أهمية منطقة الخليج الإستراتيجية إذا ما نظرنا إلى أن الاستهلاك يتزايد بمعدل أكبر من الاكتشافات البترولية في العالم حيث تشير الإحصائيات إلى أن استهلاك برميلين من البترول يقابله إضافة برميل واحد إلى الاحتياطيات النفطية.
واضطرت الولايات المتحدة إلى رفع انتاجها من النفط منذ ثلاثين عاماً في الوقت الذي عمدت فيه روسيا إلى زيادة معدلات الإنتاج منذ عام 1997.
وتخطط دول بحر الشمال إلى زيادة إنتاجها من النفط لمواجهة الاحتياجات المحلية والحصول على حصة أكبر في السوق العالمية.
ومن جهة أخرى، تسعى العديد من الدول والشركات العالمية إلى إنفاق المزيد من الاستثمارات للتنقيب عن النفط في المناطق التي كانت محرومة في الماضي من النفط مثل بحر قزوين وأفريقيا والسواحل البرازيلية.
وترى المؤسسات الاقتصادية الأمريكية في تقاريرها أن استمرار الحرب المحتملة بالخليج لفترة طويلة سوف يؤدي إلى انزلاق الاقتصاد الأمريكى للركود حيث ستتراجع أسعار الأسهم بشدة في البورصات الأمريكية وتنخفض معدلات الإنفاق الاستهلاكي التي تمثل نحو ثلثي النشاط الاقتصادي الأمريكي.
وقال سام بيرنز كبير الاقتصاديين في مؤسسة سام ديفيز إن الاقتصاد الأمريكي تعرض لتأثيرات سلبية طفيفة خلال الحروب القصيرة التي شهدتها الولايات المتحدة خلال القرن الماضي مشيراً إلى أن الأسهم تتراجع في البورصات الأمريكية في الوقت الحالي نتيجة المخاوف من استمرار الحرب حال اندلاعها لمدة طويلة وارتفاع معدل البطالة الذي أدى بدوره إلى انخفاض معدلات الإنفاق الاستهلاكي.
|