Sunday 29th December,200211049العددالأحد 25 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

توطين الصراحة توطين الصراحة
د. عبد العزيز اسماعيل داغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض

التوطين يعني التأصيل. والتأصيل يخلق الانتماء. والانتماء حالة دائمة وليست مسألة عابرة. ويتسع مفهوم الوطن بالقدر الذي يمكنه من صهر مبادىء التأصيل ومعايير الانتماء في بوتقة التوطين بحيث يمكنها من ان تصب في دروب الحياة المختلفة ونواحي المعيشة المتعددة. رؤية التوطين تعني الاستمرار والبقاء. نقول توطين التقنية وتوطين العمالة، ونعني بالاولى نقل التكنولوجيا، من الغرب بالطبع، واعمالها في الصناعات الوطنية فهما وادراكا وممارسة وتطبيقا. ونقصد بتوطين العمالة التركيز على توظيف العمالة الوطنية وتنميتها. وفي كل حالة منهما نهدف الى الوصول الى التأصيل، اي الاستمرار والبقاء. ولكن، ألا يمكن ان تتعدى رؤية التوطين او تتجاوز المنظور المادي للأشياء؟ بمعنى، هل يمكن ان نوطن السلوك؟ لقد فكرت في هذا المنحى كثيرا وتراقصت في فكري الافكار تبحث عن وقفة من تعب التفكير تتسابق معها علامات استفهام عديدة.
وأذكر انه من فرط اعجابي بفكرة تحديد اسبوع للاحتفال والتذكير ببعض السلوكيات الاجتماعية في اطار التوعية العامة بها، مثل اسبوع المرور واسبوع النظافة واسبوع الشجرة، دعوت في مقال نشر بمجلة «اليمامة» قبل عدة سنوات بتخصيص اسبوع للصراحة.
فكرة اسبوع الصراحة تنادي بأن نقتطع اسبوعا من كل سنة نحاول فيه ان نتحلى بأخلاق الصراحة. وأخلاق الصراحه هي ان نقول الحق ونتبعه ونبتعد عن النفاق والرياء والمواربة. فكرة سهلة في عرضها ولكنها صعبة في تطبيقها بعد ان تمرغت الصراحة في وحل وآثام حياتنا اليومية. والآن وبعد سنوات من طرح تلك الفكرة، اشعر بأن مساحة الاسبوع لا تحقق الهدف من الفكرة. والدليل واضح.
ففي اسبوع المرور تخف حوادث السيارات، وفي اسبوع النظافة تكون شوارعنا، وربما منازلنا، نظيفة، وفي اسبوع الشجرة نزرع أكثر من شجرة. وبعد انقضاء الاسبوع يعود (الكتَّان زي ما كان) وتعود (حليمة لعادتها القديمة) وكأننا لا رحنا ولا جينا. هذا من منظور التوطين ومفهوم الاستمرارية والبقاء، هو الواقع الذي اعادني الى اعادة التفكير وطرح الفكرة من منظور التوطين ومفهوم الاستمرارية والبقاء، وهو المنظور الذي نحتاج اليه فعلا. مفهوم التوطين هو الممارسة الفعلية لمبادىء الوعي الاجتماعي الحقيقية، ونحن في حاجة الى الوصول الى هذه المرحلة او الدرجة من الوعي والسلوك الاجتماعي. وهنا تكمن اهمية توطين الصراحة كسلوك اجتماعي عام.
والصراحة كسلوك اجتماعي تعني بكل بساطة ان نقول الحق وان نتجنب الكذب والنفاق والغيبة والنميمة. هذا السلوك يجب ان يبدأ من الفرد نفسه حتى يصبح سلوكا اجتماعيا عاما. وعندها سينعكس على كل المجتمع، وستكون له ايجابيات تخنق كل السلبيات التي يعاني منها المجتمع في فعالياته المختلفة ومستوياته المتعددة. ولابد هنا ان نفرق بين مفهوم الصراحة ومفهوم المجابهة كطرفي نقيض في الكثير من معاملاتنا اليومية. والتفريق هنا لابد ان يرتكز على مفهوم واضح للصراحة. الصراحة ان تقول كلمة الحق ولا تخشى في قولك لومة لائم، لا تخشى الا الله. والصراحة مفهوم حضاري بناء لا يعني هتك اسرار او اشاعة السوء فقد أمرنا بستر عيوب الناس وحفظ كرامتهم ومكانتهم وبعدم الجهر بالسوء. الصراحة ان نبتعد عن الازدواجية في الشخصية بالقول الصادق الصريح، بأن تقول هذه سبيلي وتكون مسؤولا عن كلمتك. ورب كلمة هوت بصاحبها سبعين خريفا في النار.
ولسانك حصانك ان صنته صانك وان هنته هانك. هذه هي مبادىء الصراحة الخلاقة التي يجب ان نعمل على توطينها لنكون مجتمعا تسمو فيه الأخلاق وترتفع فيه درجة الانسان الى حيث كرمه الله عز وجل في مكانه المميز عن سائر مخلوقاته. توطين الصراحة ان يتحدث المسؤول عن عمله بمسؤولية، وان يفصح المواطن عن رأيه بمسؤولية، وان نعيد مجتمعنا العربي الى ما كان عليه الاوائل عندما قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اخطأ عمر واصابت امرأة.
هذا هو التوطين الذي نروم تحقيقه ونهدف اليه. وهي مسألة تتطلب ممارسة يومية مستمرة نصارع فيها اهواء النفس ونجاهد من خلالها لنروض انفسنا على قول الحق واتباعه. هي مسألة تتطلب ان نتجاوز الكثير من الاخطاء التي نرتكبها في حق انفسنا وغيرنا والمجتمع كله، وان ننبذ الكثير من السلوكيات التي تعودنا عليها فخلقت في الكثير منا كيانات ازدواجية تقول غير الذي تعمل وتعمل غير الذي تقول.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved