Saturday 28th December,200211048العددالسبت 24 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

كوريا الشمالية «تستفز» أمريكا بالورقة النووية كوريا الشمالية «تستفز» أمريكا بالورقة النووية

* واشنطن- هيوارد لافرنشي - روبرت ماركواند (* ) :
أصبحت ممارسة دور «الدولة المارقة» هي أبرز مهارات كوريا الشمالية حتى أصحبت الدول المجاورة لها لا تعرف ما هو مدى خداع هذا الدور وما هو مدى جديته.
والآن فإن نظام حكم الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج إيل بإعلانه إعادة تشغيل مفاعل نووي فورا بسبب نقص في إمدادات الطاقة الكهربائية بعد إغلاقه لفترة طويلة يلعب بواحدة من أخطر أوراقه ويقترب ببطء من حافة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول أحد المحللين ان خطوة كوريا الشمالية المتمثلة في الإعلان عن إعادة تشغيل مفاعلها النووي تأتي بعد ثلاثة أيام من اكتشاف سفينة كمبودية تحمل صواريخ سكود من إنتاج كوريا الشمالية وهو ما يعني وضع المزيد من الضغوط على إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من أجل التعامل مع نظام بيونج يانج في وقت غير ملائم، ويؤكد الكثير من الخبراء أن الرئيس كيم يونج إيل غير مستعد بالفعل للمواجهة مع أمريكا رغم أنه من غير الواضح كيفية تراجع كيم عن تهديده الصريح بإعادة تشغيل المفاعل النووي، ويقول بعض المحللين ان المواجهة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية محتملة، في حين يقول البعض الآخر ان الأزمة تتمثل في ماهية الصفقة التي يحتاج كيم التوصل إليها.
من ناحيته يقول بيك جين هيان الاستاذ في جامعة سول بكوريا الجنوبية ان هناك أمراً واحداً واضحاً في هذه الأزمة وهي أن إعادة تشغيل هذا المفاعل ليس له أي علاقة بنقص إمدادت الكهرباء لأنه مفاعل تجريبي ولم يكن في يوم من الأيام مصدراً اللطاقة الكهربائية، لذلك فالقول بأن الكوريين الشماليين يحتاجون إلى هذا المفاعل بسبب الكهرباء هو مجرد هراء، ولكنها محاولة لاستفزاز إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، فهذا المفاعل السوفيتي الصنع الموجود في مصنع يونج بيون تسبب منذ عشر سنوات في أزمة نووية بشبه الجزيرة الكورية عندما اكتشف المفتشون الدوليون أن هذا المفاعل يستخدم في تطوير بلوتونيوم يمكن استخدامه في إنتاج أسلحة نووية، وأسفرت هذه الأزمة عن توقيع اتفاق عام 1994 لإغلاق البرنامج النووي الكوري الشمالي مقابل تزويد كوريا الشمالية بمفاعلين نوويين يعملان بالماء الخفيف وشحنات من البترول الأمريكي.
وظل هذا الاتفاق ساريا حتى الخريف الحالي عندما اعترفت كوريا الشمالية بأن لديها برنامجا نوويا سريا يهدف إلى الحصول على يورانيوم مخصب لإنتاج الأسلحة النووية، ويشعر الكثير من الخبراء أن كيم يونج إيل يحاول ببساطة من خلال هذا الإعلان عقد اتفاق أكثر سخاء مع الأمريكيين، في الوقت نفسه أعلن البيت الأبيض الأمريكي الذي يعتبر أن كوريا الشمالية أحد أضلاع محور الشر الذي يضم إلى جانبها العراق وإيران أعلن رفضه التعامل معها حتى توقف برنامجها النووي غير المشروع، وهذا الموقف من جانب البيت الأبيض بالإضافة إلى اتفاق التكتل الدولي الذي قادته أمريكا في نيويورك منذ أسبوعين وينص على وقف تزويد كوريا الشمالية باحتياجاتها من البترول أدى إلى هذا التطور في الأزمة وتزايد المخاوف من أن يكون كل من بوش وكيم يتحركان في اتجاهين متضادين.
يقول مسؤول أمريكي كبير ان بلاده لن تدفع لكوريا الشمالية المزيد لكي تقوم هذه الدولة بما يفترض أن تقوم به بالفعل، ويجب عليها أن تلتزم باتفاقياتها، أما المحلل السياسي بول كير الخبير في شؤون شبه الجزيرة الكورية في وكالة السيطرة على الأسلحة بواشنطن فيقول ان كوريا الشمالية بإعلانها عن إعادة تشغيل المفاعل النووي تعيد تشكيل الموقف الأمريكي تجاهها، حيث تقول كوريا بهذا الإعلان انها مازالت تمتلك ورقة مهمة من أوراق اللعبة المتمثلة في المفاعل النووي والوقود اللازم لتشغيله، وبدون إجراء محادثات معها وإنهاءالضغوط على الدول المجاورة لها لوقف تزويدها بالمساعدات الاقتصادية فلن يكون أمامها خيار سوى استخدام هذه الورقة الخطيرة.
ولكن هنري سوكولوسكي المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسات منع انتشار الأسلحة يقول ربما يكون هناك تفسير آخر غير هذا التفسير «التقليدي»، ويضيف أنه على الولايات المتحدة في جميع الحالات أن تكون أكثر فاعلية في التعامل مع كوريا الشمالية بغض النظر عن دوافع الشماليين أنفسهم.
في الوقت نفسه تمثل حركة الشماليين الأخيرة ضربة قوية لسياسة الشمس المشرقةالتي تبناها الرئيس الكوري الجنوبي كيم داي يونج من طرف واحد بهدف إنهاءالتوتر بين شطري شبه الجزيرة الكورية، ويقول سوكولوسكي ان مثل هذه الحركة يمكن أن تكون مثال آخر على رغبة الحكم العسكري في كوريا الشمالية في إظهار عدم إمكانية الضغط عليه، ولكن في جميع الحالات على حد قول سوكولوسكي فإن الولايات المتحدة مطالبة باتخاذ مواقف أكثر قوة تجاه تهديدات كوريا الشماليةرغم تشككه في إمكانية اتخاذ مثل هذه المواقف.
يقول سوكولوسكي ان الولايات المتحدة حتى الآن لم تتحرك ولكن هذا الجمود ليس سياسة يمكن اتباعها، ويضيف أن ما يجب على الولايات المتحدة القيام به هوشيء وسط بين أكثر المواقف تشددا، فأغلب الناس إما تؤيد الاستسلام أمام التهديد الشمالي أو شن الحرب على كوريا الشمالية، ولكنني أطالب بشيء وسط بين المعسكرين،يقول سوكولوسكي ان كوريا الشمالية ستستمر في تطوير أسلحة نووية إضافية وفق التقارير العديدة من المصادر المخابراتية، وقد تتمكن كوريا الشمالية أيضا من تطوير أسلحة نووية أكثر قوة سواء في وجود الاتفاقيات الحالية أو في عدم وجودها، لذلك فعلى الولايات المتحدة وقف كل «الرشاوى النووية» التي لم تحقق شيئا عموما، علاوة على ذلك يقول سوكولوسكي انه على الولايات المتحدة ممارسة المزيد من الضغوط على حلفائها المجاورين لكوريا الشمالية الذين يواصلون التعامل مع نظام كيم جونج إيل، و يضيف أنه لا يكفي أن نتوقف نحن عن تقديم الرشاوى إلى كوريا الشمالية ولكن على اليابان وكوريا الجنوبية أيضا أن تؤكدان أن كوريا الشمالية تدفع ثمن انتهاكها لكل الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها.
كما طالب سوكولوسكي الولايات المتحدة بضرورة اللعب بورقة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية بصورة أكبر مما يحدث الآن، وقال ان هذه الورقة حققت نتائج جيدة، ورغم اختلاف المنظور بين كل من سوكولوسكي وكير فإن كير يتفق مع سوكولوسكي في أن الولايات المتحدة تفتقد إلى وجود استراتيجية للتعامل بفاعلية مع كوريا الشمالية، فمثلا لا تمتلك الإدارة الأمريكية أي إجابة على السؤال حول السبب الذي يمكن أن يدفع كوريا الشمالية إلى وقف برنامجها النووي إذا كان قد تم تعليق المفاوضات بين الجانبين، ويقول أنه يمكن حل المشكلة التي تزداد تعقيدا إذا تم منح كوريا الشمالية قدرا من التنازل.
في الوقت الحاضر تمثل قدرة بيونج يانج الفنية على تحويل كميات من أعواد الوقودالنووي إلى مواد تصلح لإنتاج ما يترواح بين خمس أو ست قنابل نووية في خلال عدة أشهر أكبر تهديد حاليا.
ولم تشر كوريا الشمالية في بيانها الأخير إلى حالة أعواد البلوتنيوم تلك على الإطلاق، ورغم أن هذه الكميات خاضعة حاليا لفحص المفتشين الدوليين فإن حكومة كيم يمكنها سحبها من تحت أيدي هؤلاء المفتشين أو طرد المفتشين خارج الدولة تماما، وهذا يجب أن يوضع في الاعتبار تماما.
وهناك اعتقاد بأن كوريا الشمالية لديها بالفعل المواد الكافية لإنتاج قنبلتين نوويتين وفقا لتقديرات المخابرات الأمريكية، يقول الدكتور بيك ان أعواد الوقود النووي حاليا هي أكثر القضايا إلحاحا في هذه الأزمة لأنه إذا قررت حكومة كيم إعادة معالجتها فسيمكنها الحصول على أسلحة نووية بسرعة، ولكن العلماء يؤكدون أن برنامج كوريا الشمالية للحصول على اليورانيوم المخصب سيحتاج إلى عدة سنوات.
جاءت المواجهة بين واشنطن وبيونج يانج بعد فصل الصيف الذي بدت فيه العزلة المفروضة على نظام الحكم الستاليني الشيوعي في كوريا الشمالية في طريقها للسقوط، حيث بدأت تجارب إدخال آليات السوق الحرة إلى الشمال بما في ذلك إقامة منطقة اقتصادية خاصة على الحدود مع الصين، كما بدأ كيم حوارا تاريخيا من أجل تطبيع العلاقات مع اليابان التي تمثل عدوا تاريخيا للشماليين وكذلك مع كوريا الجنوبية حيث بدأ التقارب يتخذ خطوات ثابتة مثل تبادل زيارات الفرق الرياضية وإعادة تشغيل خط السكك الحديدية الذي يربط بين شطري شبه الجزيرة الكورية بعد عقود من الإغلاق والسماح بلم شمل العديد من الأسر على جانبي الحدود بعد أن أدت الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي إلى تقسيم هذه الأسر.
يقول مسؤولون كبار في البيت الأبيض ان أحد أهم دوافع كوريا الشمالية لهذه التحركات هو إجبار المسؤولين الأمريكيين على القدوم إلى بيونج يانج سواء برغبتهم أو بدون رغبتهم، ويضيف هؤلاء المسؤولون أن كيم يمارس لعبة خطيرة من أجل تحقيق الشرعية لنفسه وحكمه أمام شعبه من خلال الظهور أمام هذا الشعب بمظهر الزعيم الذي يأتي قادة الدول الكبرى إلى بابه من أجل تسوية المشكلات الخطيرة وسط التوتر الذي يصل إلى حافة الهاوية.

(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ«الجزيرة»

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved