«وش هالبياخة؟!» نبهتني اليه صرخته المتقرفة، حيث كنت سارحا بفكري، منتظرا دوري في الدخول الى العيادة، لمجرد «التشييك» على احشائي، كفانا الله واياكم كل سوء.
نظرت الى ما ينظر اليه، فاذا هي جريدة يومية، اعدت النظر الى وجهه لارى شابا لم يصل الاربعين منذ عمره، غائر العينين، متجهم الوجه، منتفخ الاوداج، و«منفش الشدوق». عندما رأيته.. لا اعلم لماذا قفزت الى ذهني صورة «الكفر المبنشر»!! رماني بنظرة حادة، فخشيت ان يكون قد شم رائحة الكفر الذي مر في ذهني، فابتسمت ابتسامة المنخرع، وقلت بفضول اللا منخرع «سلامات؟» قذف الي بالجريدة وهو يقول «اقرأ هالبياخة» قلت بعفوية حينما رأيت ما قصده «يا لله!! استراحة الاسبوع؟!» يا اخي احب هالصفحة.. خفيفة دم، وحلوة مرة» قاطعتني صيحته «وشو؟ وشو؟» عادت لي الخرعة اضعافا، وتصبب العرق من كل مكان امكنه التصبب منه، لا اعلم ماذا قلت لأغضبه؟. استرجعت شريط كلامي، فربما كان بين ثناياه شتيمة له، او سبة بزغت من بين الحروف دون ان انتبه لها. فالسباب لدينا نحن - حتما لا أقصد السعوديين انما أقصد نفسي وانا فقط - أنواع منوعة، شيء ظاهر وشيء مبطن وشيء بلا بطن.. وشيء هو اشبه بالمدح.. وهو اخطر الانواع، خصوصا بعد الاكل! ولما لم اجد غير كلمتي «أحب.. وحلوة»، خشيت ان تكون له اخت اسمها صفحة، او حفصة، او صفية او صفاء او حفاء.. أي ان لا تخرج عن هذه الحروف!! ازدردت ريقي بصعوبة، لدرجة ان عيني كادتا تقفزان، فتابع ثورته «ياخي هالصفحة» اوقفت الثواني في ذهني لاستحلف سمعي بما اوصله الي، فهل قال صفحة ام حفصة؟ وأتاني الجواب بتكملة حديثه «ما فيها فايدة أبد، ضحك! ضحك! وبعدين؟ بس تضييع وقت القارىء والكاتب، وملي الورق باللي ماله فايدة.. ياخي العالم الحين يمر بمرحلة حروب، والأمة منكسة رأسها، والذل عم وطم، وين الطرح الجاد؟ وين الكلام الموضوعي؟ وين الجدية في..
هنا.. تنفست، وألقيت بكل احمالي، هنا.. فقط هنا.. مددت رجلي، واطلقت صفيرا يحكي «وترحل.. خرعتي تذبل..» هنا فقط شعرت بأنني اقرأ في كتالوج هذا الاخ، وافهمه اكثر، وبدأت انتفخ امامه اذ إنه لم يعد يرهبني، فقلت له بثورة المستقوي «وتستهين بالضحك والاضحاك؟! ومن هو يا عزيزي اللي يقدر يضحكنا الحين؟! من هو اللي يقدر ينسينا بعض البعض من معاناتنا اليومية، الفرد فينا يشيل همه وكأنه شايل هم الأمة، والأمة ما لقت من يشيل همها، والناس المبرطمين وش فادونا فيه؟ خل الناس تضحك شوي.. لو على نفسها علشان تعرف «تفهم» تصلح من حالها! خلهم يفرغون بعض الشحنات اللي شفطت طاقتهم!!
شعرت به يصغر امامي. وبلهجة بدا لي فيها بعض التردد قال «لكن الضحك.. يموت القلب» قلت «والحزن والهم والعبوس والقنوط! وش يسوون في القلب؟ يلعبون كيرم؟!». ولم اشعر بنفسي وأنا أنفجر فيه ك«طرطعانه»، وصراخي يهز ارجاء المستشفى، الا حين التم الناس حولنا، بما فيهم رجال الامن.. «سعوديين ولقوا هوشة».. وقتها كستني «شهابة» الخجل، واردت ان «ارقعها بالي هي به»، ولم اجد مخرجا سوى ان صرخت فيهم «خير؟! ما عمركم شفتوا سعوديين يتناقشون؟!». انفض الجمع سريعا، وقبل ان التفت للاخ، نبهني جوالي لقدوم رسالة جديدة، قرأتها .. ضحكت ضحكا مبالغا فيه، والتفت له فاذا به ازداد عبوسا فقلت وانا اقرأ الرسالة «اسمع هذي.. يقول لك فيه هندي بغى يفكر بعمق..نزل بقليب .. هاهاها». لم يضحك حاولت ان اوضح له «القليب تراه البير..» ولكن الكفر لم يزل مبنشرا، ارتفع ضغطي فقلت «والبير بشكل مبسط».. قاطعني بقوله «فاهم.. فاهم.. بس..انها ما تضحك.. ولا فيها فايدة..» قلت بهدوء من يكاد ينفجر «اما الفايدة فمليانة فوايد، اولها ان هالرفيق فكر انه يفكر.. وبعمق بعد.. وهذا شي حلو.. ثانيها ان تفكيره.. جاب نتيجة فنزل بقليب.. يعني خطوة جميلة حتى لو انها غلط! بعكس غيره اللي ما فكر في يوم انه يفكر»!! وقتها خطرت في ذهني خاطرة سريعة، واردت التحقق منها، فسألته «إلا صحيح، وش عندك هنا؟ عسى ما شر؟!» قال «الشر ما يجيك.. معي الضغط مرتفع، والقلب عندي لك عليه». تحققت مما جال في خاطري فتابعت وانا اكاد آكله من كبر ابتسامتي «ماتشوف شر، وانا عندي لك علاج.. بمليون.. وتراه عندك ولا تستخدمه.. بس يبي له صبر وتعود.. لأنه سهل وصعب خصوصا عليك». قال لي بحماس «وشو؟ انا مستعد لو يبي يكلف مليون وثلاثة اريل فغرت فمي حينما رأيته جادا في بذل المليون والثلاثة اريل هكذا وكأنها حبة فصفص، لا لأنني طفران، حاشا وكلا.. ولكن لغلاوة الصحة التي نفرط في اهمالها بسبب سلوكنا السيء.. وقبل ان اتكلم اذا بالممرضة تنادي على رقمي، فنهضت من مكاني وانا انظر اليه صامتا مبتسما، فصرخ فيني «وشو طيب؟؟ تكفى علمني» نهضت من مكاني، وابتعدت عنه وانا اقول «اضحك» فازداد عبوسه، وكأنه يعتقد اني اسخر منه، تابعت «صدقني انه احسن علاج لك.. انا ما اقول خل كل وقتك ضحك.. لكن بمقدار». وقبل ان ادخل على الدكتور قلت له «وان ما قدرت تضحك.. اقرأ النكت اللي تقول عنها سخيفة واضحك.. وان ما قدرت مرة مرة.. تعال لي كل يوم وان ادغدغك». دخلت على الدكتور واغلقت الباب، وتذكرت شيئا اجبرني ان افتح الباب من جديد واسأل الاخ «الا على فكرة..» التفت الي مستغربا، فتابعت «هو صحيح اسم اختك حفصة»؟! وأغلقت الباب وانا أكركر..!
سليمان الطويهر |