* لقاء: علي سعد القحطاني
بكت الكاميرا على رحيل مبدعها ولم تعد قادرة على التصوير من بعده.. وطالما صوّرت تلك الكاميرا البيئة.. المكان.. الصحراء.. حيث كان الفنان المبدع يفتخر بالانتماء الى هذه الأرض المباركة..
لذا حرص على تجسيدها في لوحاته وكتاباته، وقامت (ثقافة الجزيرة) بزيارة مواساة وتقديم العزاء الى عائلة العزاز فوجدت أن كل شيء يبكيه.. يبكيه المشيعون والمحبون يبكيه الأهل والبنون.. تبكيه لوحاته التي غدت يتيمة من بعده.
والده «أبو صالح»
تحدث لنا الشيخ عبدالله الصالح العزاز والد المرحوم وهو رجل قوي الإيمان زاهد عابد يحب الآخرة ويسعى لها دائماً تشع منه رائحة التقوى والإيمان يدعو لصالح ليل نهار بقلبه ودموعه وصوته وهو يقول: صالح هو الوحيد الذي جعله يبكي بعيونه وقلبه ويقول والحديث لأبي صالح: ان صالح هو ابن الآخرة واننا لا نملك له إلا قيام الليل والدعاء والصدقة له قبل مرضه وبعد رحيله وقال أيضاً إن صالح الطفل الهادئ الصفات والملامح متأمل للطبيعة صامت مثل الصحراء ينظر إلى الأشياء من حوله ويبحث عن علاقة خاصة تجمع بينه وبين الطبيعة وحدها كان يحب رائحة الطين ورائحة جدته موضي.. يعشق الصحراء والبعارين والربيع ومطر الشتاء.
سليمان
كما تحدث الشقيق الأكبر سليمان وقال: ابن ظلال النخيل لن تموت روحه لن يموت ذلك الحب الذي غرسه في داخلنا في قلوبنا.
فعلاً أنا أحتاج لوقت لكي أستطيع أن أستوعب أن جرس الهاتف لن يدقه صالح لكي يطمئن علي وعلى أولادي ويعطي قليلاً من الحب كما هي العادة ثم يذهب.. كان في آخر أيامه نقول له صالح فيه ألم يرد علينا بقوله فيه أمل لقد ذهب لربه وترك لنا الأمل في أبنائه وإخوته.
محمد
وتحدث شقيق المرحوم الأستاذ محمد عبدالله العزاز الذي يعمل في شركة أرامكو بالمنطقة الشرقية عن علاقة صالح المميزة بالجميع وقال:
لم يكن صالح يرى غير الجانب المضيء في الآخرين، كان يرى العالم بعين الفنان والشاعر فالمشهد غير المشهد في عينيه - رحمه الله - تركنا ورحل باكراً.
علي
وتحدث شقيق المرحوم الأستاذ علي عبدالله العزاز مدرس علوم شرعية ومؤذن مسجد وقال:
بسم الله والحمد لله في الحقيقة أن الحدث مؤلم جداً لأن فراق الأحبة صعب فكيف إذا كان هذا المفارق من نوع خاص.. عندما رأيت الناس يزدحمون في المقبرة ينثرون دموعهم بكثير من الصدق وتتقطع الكلمات في حلوقهم عرفت معنى ما حدث.. حتى الناس الذين ازدحموا في البيت في أبدانهم والهاتف الذي لم يكف عن الرنين وجهاز الفاكس.. كلها تعطيك صورة معبرة أكثر من الكلمات..
كان رحمه الله يمتلك سلاحاً فريداً من نوعه ولذلك اجتمع كل هؤلاء البشر على محبته لأنه دائما يشهر سلاح المحبة في وجه كل الناس حتى الذين يؤذونه.. ولا عجب لأنه تعلم ذلك من مدرسة الحب الكبرى محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وعندما قال: «إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه» وأحادث أخر في نفس الباب.
رغم الظروف القاسية التي ألمت به إلا أنه خرج بكل هذا الحب وبهذا القلب الكبير الذي يسع كل الناس.. هذا أمر مدهش!! هناك صورة ضمنها كتابه المستحيل الأزرق وهي عبارة عن شجرة مورقة باسقة وسط الصحراء كان رحمه الله يقول إنها تذكرني بأمي.. أما أنا اليوم فأقول إنها تذكرني بك أنت.. كيف يمكن لهذه الشجرة أن تعطي كل هذا العطاء وسط هذا الجفاف والتصحر.. وكيف يمكن أن يكون لصالح أن يعطي هذا العطاء رغم الجفاف والقسوة التي نقرأها في وجوه كثير من الناس.. كنت عندما أزوره في المستشفى يشعرني أنه أقوى من المرض، وكان يقول إن الناس تموت في الشوارع بسبب الحوادث كما تموت العصافير أما أنا فراض بقضاء الله وقدره وأشعر بحب الله لي عندما ابتلاني بهذا المرض واختار لي هذه النهاية.
لقد التقينا في أيام العزاء بكل طبقات المجتمع فمن الأمير والوزير والعلماء والدعاة إلى الوجهاء والأعيان إلى البسطاء إلى فرّاش المسجد.. فهذا يدل على محبة الناس لصالح.
وعندما ألقى الشيخ سلمان بن فهد العودة كلمته وقدم عزاءه ودعاء لصالح بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة سمعنا التأمين على الدعاء كأنك في صلاة الجمعة.
عندما شاهدت سيارة الإسعاف التي تحمل الجنائز شعرت بالحزن العميق ولكن لا نقول إلا الحمد لله على قضائه وقدره وفي الله خلف والرسول عليه السلام يقول: «من أصيب بمصيبة فليتذكر مصابه بي».. ختاماً أقول: حق على كل من عرف صالح أن يدعو له.
عبدالرحمن
وتحدث شقيق المرحوم الشيخ عبدالرحمن عبدالله العزاز إمام الجامع والخطيب وقال: الحمد لله كل شيء هالك إلا وجهه، يقلب الليل والنهار ويداول الأيام بين الناس كيف يشاء لا شك أن وفاة شخص قريب محبوب من الجميع أمر ليس بالسهل على أهله ولا الهين على الزملاء فقد فجعنا بوفاة أخينا صالح ولكن سنة الله ماضية ومشيئته نافذة والحمد لله على كل حال وحزننا على أخي صالح يخففه ويسليه ذكر الناس له بالخير والثناء العطر ويتوجه تلك الكوكبة التي لا تنسى من العلماء والمشايخ والأمراء والأغنياء وعامة الناس بما فيهم فراشي المساجد وهذا ليس بكثير على أبو عبدالله رحمه الله، فقد ترك بصمات كثيرة ومثل بصنائع المعروف للصغير والكبير والأبيض والأسود والحاضر والباد فقد كانت طباعه كريمة وسجاياه حسنة وعند الخطأ يسبقك بالاعتذار، ضرب لنا أمثلة طيبة في حسن المعاملة وطيب المعشر، كان قلبه كبيرا ربيعي المعاملة كان يهدي لنا المسرات فتقع علينا كحلوى العيد وتراحيبه كمواسم المطر المتتابع التي لا تثمر إلا نفلاً وخزامى، وكانت علاقته مع الصّحراء علاقة حميمة كعلاقة البدوي بجمله أو أقرب يحبها ويأنس إليها وينشرح صدره بالربيع وأزهاره، والغيث وزخاته، وعند قدومه من السفر يأتي حاملاً أوراق الربيع وأزهار الخزامى، وكان يحب النخيل، أما بيوت الطين فكأنها تروي له قصص الأجداد بشدة حبه لها، أما عن مرضه فقد كان صابراً محتسباً وأذكر أنه كان يقول رحمه الله أتا بالمشارط والإبر وأتيت ب {قٍل لَّن يٍصٌيبّنّا إلاَّ مّا كّتّبّ اللهٍ لّنّا} رغم أن عافيته رحمه الله كانت خيطاً من الأمل يلوح بالأفق إلا أن أمله بالله كان كبيرا ورجاؤه كان عظيما قدمت له سواكاً في أحد زياراتي له رحمه الله فقال للسواك وليس لي:
متى أراك يا عود الأراك؟ وقال: لي والله إن الناس يترحمون علي وفي أنفسهم أني مريض ينظرون إلي بنظرة الرحمة والعطف وأنا أعيش بنعيم ويقرب من الله، لقد سبقنا أبو عبدالله بلقاء ربه فأسأل المولى عز وجل أن يكرم وفادته ويحسن منقلبه ويطيب مثواه ويجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
يوسف
وقد حدثنا الأخ الأوسط يوسف.. عن أخيه صالح.. قائلاً:
أبو الشيهانة.. صاحب القلب الكبير احتضن كل المعاني الجميلة.. جمال الصحراء رائحة الخزامى زرقة البحر.
استطاع هذا الرجل بطيب سريرته أن يجمع بين أبناء الملوك وبسطاء الناس لقد شاركنا العالم أحزاننا.. علماء ومشايخ ووجهاء شاركوا في تشييع جثمانه.. حتى ظننا أن البلد خلت من سكانها!! فأي حب يكنه هذا الوطن لهذا الرجل.
صالح عشقه للشجرة.. ذكرني الشجرة المثمرة التي تغمرك بجمال منظرها وعبق عبيرها.. إن اقتربت منها أظلتك وإن نظرت إليها أسرتك وإن هزت أسقطت حلوا.. وان اجتثت خرجت شجرة أخرى لتظل كما كانت.
أجهشت بالبكاء عندما رأيت ذلك الرجل الذي أتى ليعزينا في مجلس العزاء قادماً من وسط الدهناء فأي قلب جمع كل ذلك الحب.
كان يرحمه الله - يحمل بين جنبيه حكمة الواعظ .. «كاثي» ممرضته في أمريكا كان يدعوها للإسلام، بدعوة حسن المعاملة {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ وّالًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ}.
في اتصالاتي الأسبوعية كانت أستجمع كلماتي لأذكره بلطف الله فإذا به يسابقني ويذكرني لأنه دائما كان صاحب سبق.
عندما كان في أمريكا يرقد في المستشفى دخل عليه بعض القسيسين وقالوا له نريد أن نصلي لك وندعو الرب لك بالشفاء فلما هموا بإشعال الشموع قال لهم:
(1) اللهٍ الصَّمّدٍ (2) لّمً يّلٌدً وّلّمً يٍولّدً (3) وّلّمً يّكٍن لَّهٍ كٍفٍوْا أّحّدِ (4)} !! فإن توارى أخي عن الأنظار فلن يتوار عن القلوب «فاللهم ارحم أبا الشيهانة».
عزاز
كما تحدث شقيقه الذي كان يلازمه في أزمة مرضه عزاز العزاز قائلاً.. صالح تجربة إنسانية لن تتكرر في حياتي مرة أخرى كأخ وصديق ورفيق درب وأب قبل كل شيء. صالح لن يصبح ماضياً أبداً فهو حاضر ومستقبل سيظل في عقولنا وسنرى روحه في ابنته الشيهانة وبقية أخواتها وولده عبدالله. صالح ذلك الإنسان لن تموت روحه وحبه وابتسامته التي بقيت مزروعة في عقولنا وقلوبنا.
صالح كنت أتمنى أن أقرأ لك لا أن أقرأ عنك!
بندر
وتحدث أصغر الأشقاء للمرحوم صالح شقيقه بندر وقال:
أبو البنادر هكذا كان يحب أن يناديني وهو من أطلق علي اسم بندر في الصغر، صالح أبي عندما يتحدث معي يعتبرني مثل ابنه عبدالله كان يقول لي دوما عليك بقراءة الأشياء النافعة لبناء العقل ونظافة الروح كنت أحب أن أسمع تعليقاته عندما أقرأ له خواطري وقصائدي أحب الشعر والكتابة لأني أحب صالح ذلك الأخ الذي أجده في كل مكان، في الصحف، الصحراء، البحر، القلوب.. رحل صالح وزرع له حباً في قلبي والكثير من الناس الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه فكيف الأهل رحل وترك في كل واحد من أبنائه جزءاً منه لذلك سيظل يعيش بيننا..
رحل ولن أسمع أبداً تلك العبارة «إلى اللقاء يا أصدقاء» ترك فراغاً كبيراً في حياتي المجهولة وقلبي وحبي والعشم كل العشم في البقية من إخوتي أن يسدوا مكانه.. لقد رحل وبقيت فلسفته وذكرياته وأصدقاؤه وقليل من الذين لا يعرفونه أسأل الله أن يجد حبه في دار النعيم رحل صالح فقدت أبي ولم أفقد أخي لم أفقده أنا وحدي بل فقده الشجر والصحراء والشمس وكل النجوم.. صالح أسطورة لن تنتهي بل تتجدد في كل شخص يحمل حبه لن أنساك أبداً إلى جنة الخلد يا أبا الشيهانة مع من أحببت .
|